«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشار لبيب حليم لبيب يكتب: ميلاد السيد المسيح
نشر في الوفد يوم 01 - 01 - 2020

ملاك الرب قال ليوسف: «قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر»
العائلة المقدسة جاءت من فلسطين عن طريق صحراء سيناء
العذراء استظلت بالشجرة المقدسة فى المطرية وأقامت فى مغارة كنيسة «أبى سرجة»
كان ميلاد المسيح حدثا فريدا فى تاريخ البشر، يسمو على العقل البشرى، فلا يملك الإنسان إزاءه إلا الدهشة والرهبة والخشوع، مدركا أنه أمام سر إلهى، لا يعلمه إلا الله وحده.
ويحكى لنا الكتاب المقدس أن الله أرسل الملاك جبرائيل إلى مدينة فى الجليل تسمى الناصرة، إلى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف، وكان اسم العذراء مريم، فدخل الملاك إليها وقال لها: سلام أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت فى النساء، فلما رأته اضطربت من قوله، فقال الملاك لها: لا تخافى يا مريم لأنك قد نلت نعمة عند الله، وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وستسمينه يسوع، وسيكون عظيما وابن العلى يدعى، ويعطيه الرب الإله عرش داود أبيه، ولن يكون لملكه انقضاء، فقالت مريم للملاك: كيف يكون لى هذا وأنا لا أعرف رجلا، فأجاب الملاك، وقال لها: أن روح القدس سيحل عليك، وقوة العلى ستظللك ولذلك فإن القدوس الذى سيولد منك يدعى ابن الله، فقالت مريم للملاك: ها آنذا أمة للرب، فليكن لى بحسب قولك، وانصرف الملاك من عندها.
فى تلك الأيام صدر مرسوم من القيصر بإجراء تسجيل لسكان العالم كله، وكان هذا هو التسجيل الأول الذى جرى حين كان «كيرينيوس» واليا على سوريا، فذهب الجميع لتسجيل أسمائهم، كل واحد فى مدينته، ومن ثم ذهب يوسف أيضاً من مدينة الناصرة إلى مدينة داود المسماة بيت لحم باليهودية، ليسجل اسمه مع مريم خطيبته التى كانت حبلى، وفيما كانا هنالك حان موعد ولادتها، فولدت ابنها البكر، وقمطته وأضجعته فى مزود.
كان ميلاد المسيح فى أيام هيرودس الملك، وإذا مجوس جاءوا من المشرق إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه فى المشرق وأتينا لنسجد له، فلما سمع هيرودس الملك ذلك اضطرب هو وكل أورشليم معه، وسألهم: أين ينبغى أن يولد المسيح، فقالوا له: فى بيت لحم، وعند ذلك اختلى هيرودس بالمجوس، وتحقق منهم عن الوقت الذى ظهر فيه النجم، ثم بعث بهم إلى بيت لحم قائلا: اذهبوا وابحثوا عن الصبى بتدقيق، فإذا وجدتموه فأخبرونى لكى آجىء أنا أيضا وأسجد له، فاستمعوا إليه وانصرفوا.
الكنوز
كان النجم الذى رأوه فى المشرق قد بدأ يتقدمهم، حتى جاء ووقف فوق الموضع الذى كان فيه الصبى، فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما، وحين أتوا إلى البيت رأوا الصبى مع مريم أمه فخرجوا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم، وقدموا له هدايا من ذهب ولبان ومر، ثم أوحى الله إليهم فى حلم ألا يرجعوا إلى هيرودس فانصرفوا من طريق آخر إلى بلادهم، ولما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف فى حلم قائلا: قم وخذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر وامكث هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس سيبحث عن الصبى ليهلكه، فقام وأخذ الصبى وأمه ليلا وانطلق إلى مصر، ومكث هناك حتى موت هيرودس.
أما هيرودس فحين رأى أن المجوس قد سخروا به استشاط غضبا وأرسل فقتل كل الأطفال الذين كانوا فى بيت لحم، وفى كل نواحيها من ابن سنتين فأقل وفقا للزمان الذى تحقق منه المجوس، فلما مات هيرودس إذ ملاك الرب يظهر فى حلم ليوسف فى مصر قائلا: قم وخذ الصبى وأمه واذهب إلى أرض إسرائيل فقد مات الذين كانوا يبتغون قتل الصبى فقام وأخذ الصبى وأمه وجاء إلى أرض إسرائيل، ولكنه حين سمع أن «أرخلاوس» قد ملك على إقليم اليهودية مكان هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك، ثم أوحى الله إلى يوسف فى حلم فمضى إلى نواحى الجليل، وجاء وسكن فى مدينة تدعى الناصرة.
كان ميلاد المسيح مقترنا بأحداث تاريخية معروفة، ولا سيما فى تاريخ الدولة الرومانية التى كانت تسيطر حينذاك على بلاد اليهود، وكان ميلاده ينطوى على معجزة إلهية فلم يكن يشبه ميلاد البشر، لأنه جاء بغير أب من الناس كما يحدث لسائر الناس وإنما جاء بتجسيد كلمة الله في أحشاء السيدة العذراء على مقتضى القدرة الإلهية وحدها وبصورة تعلو على مدارك البشر، هكذا شاءت حكمة الله أن يجىء هذا المولود الإلهى من عذراء مخطوبة لرجل، لكى يبدو أمام الناس أنه زوجها، فلا يظنون فيها السوء، كانت العذراء بالفعل مخطوبة لرجل يعمل نجارا اسمه يوسف، ولكنه لم يكن قد تزوجها بعد، فحين حبلت بتلك الوسيلة الإلهية أراد الله لهذا الرجل أن يعلم بهذه الحقيقة حتى لا يظن هو أيضاً بها السوء، فأوحى إليه فى حلم أن ملاكا يحدثه قائلا له: يا يوسف من داود لا تخف أن تستبقى مريم امرأتك، لأن الذى سيولد منها إنما هو من روح القدس، وستلد ابنا وتسميه يسوع.
هكذا عرف يوسف بأمر الجنين، وأدرك حقيقة شخصيته الإلهية، فقد كان الرجل نبيلا فاضلا، فظل ملازما للسيدة العذراء كأنه زوجها، وبذلك قام بالدور الذى رسمه الله له فى شهامة وتقوى وتكريم، وظل اليهود طوال حياته يظنون أن هذا النجار المتواضع هو زوج السيدة العذراء، وأبو السيد المسيح.
وإذا كانت أسفار الكتاب المقدس لم تتضمن معلومات كثيرة عن السيدة العذراء إذ اقتصرت هذه الأسفار على الإشارة إليها إشارات مقتضبة عندما يقتضى ذلك سياق الكلام عن حياة السيد المسيح.
يوسف النجار
وإذا كان هيرودس الملك أراد أن يقتل السيد المسيح عندما علم من المجوس بميلاده، وإذ علم من فقهاء اليهود أن المسيح سيولد فى بيت لحم طلب إلى المجوس أن يبحثوا عنه هناك، ولكن لم يعودوا إليه وإنما انصرفوا عن طريق آخر إلى بلادهم، وقتها ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم قائلا: خذ الصبى وأمه واهرب إلى مصر، وامكث هناك حتى أقول لك، فإن هيرودس سيبحث عن الصبى ليهلكه، فأخذ الصبى وأمه وانطلق ليلا إلى مصر.
أما هيرودس فحين رأى أن المجوس قد سخروا به فاستشاط
غضبا وأرسل فقتل كل الأطفال الذين كانوا فى بيت لحم وفى كل نواحيها، من ابن سنتين فأقل، وفقا للزمان الذى تحققه من المجوس.
وقد أفاض المؤرخون فى وصف رحلة السيد المسيح فى طفولته مع أمة العذراء مريم وخطيبها يوسف إلى مصر، وتبين أنه كان ثمة ثلاثة طرق على الأقل يمكن أن يسلكها المرتحلون من فلسطين إلى مصر، بيد أن هذه الطرق كانت هى الطرق الطبيعية التى يمكن أن يسلكها المسافرون للتجارة أو السياحة، ولا يمكن أن يسلكها الهاربون من خطر يلاحقهم ويهدد حياتهم، كما هو الحال بالنسبة للعائلة المقدسة التى كانت هاربة بالطفل يسوع من فتك هيرودس الملك. ومن ثم كانت تجتهد أن تتجنب كل الطرق العامة المعروفة، لتسلك طريقا متوارية بعيدة عن الأنظار، متشعبة فى اتجاهات شتى، لكى لا يلحق بها ملاحقوها.
ومن هنا فإن الكنيسة القبطية تعتمد فى وصف رحلة العائلة المقدسة من فلسطين إلى مصر على الوصف الذى سجله البابا «تاؤفيلس»، وهو البابا الثالث والعشرون من باباوات الأقباط، وقد ورد هذا الوصف فى كتاب «النكسار» الذى يضم سيرة الأنبياء والرسل والشهداء والقديسين، والذى تقرأ الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية فصولا منه ضمن صلواتها فى يوم الأحد من كل أسبوع.
وبمطالعة النكسار يتضح أن العائلة المقدسة جاءت من فلسطين إلى مصر عن طريق صحراء سيناء وأنها مرت فى طريقها بمدينة الفرما، التى كانت تقع غربى مدينة العريش، ثم اتجهت إلى مدينة تل بسطة بالقرب من الزقازيق، ثم لم تلبث أن نزحت إلى مسطرد.
وقفت العائلة المقدسة بعض الوقت فى مسطرد، ثم رحلت إلى مدينة بلبيس، وكانت توجد فى تلك المدينة شجرة استظلت بها السيد العذراء مع ابنها وخطيبها، وقد سميت هذه الشجرة فيما بعد بشجرة مريم، وظلت تلك الشجرة منذ بداية العصر المسيحى حتى اليوم موضع التكريس والتكريم.
ثم غادرت العائلة المقدسة مدينة بلبيس متجهة إلى منية سمنود على شاطئ النيل المقابل لمدينة سمنود ثم عبرت النيل منها إلى سمنود ثم اتجهت إلى مدينة البرلس ثم إلى بلدة شجرة التين ثم إلى بلدة المطلع ثم إلى مدينة سخا.
ثم سارت العائلة المقدسة من سخا غربا نحو وادى النطرون، واتجهت فى محازاته نحو الجنوب مارة ببرية شيهات، حتى بلغت مدينة عين شمس وفيها استظلت العائلة المقدسة بالشجرة المعروفة اليوم بشجرة مريم فى ضاحية المطرية، وظلت هذه الشجرة كشجرة بلبيس موضع التكريم والتقديس. وبعد ذلك اتجهت العائلة المقدسة جنوبا نحو مدينة الفسطاط، المسماة اليوم «بابليون» بمصر القديمة، وهناك أقامت العائلة المقدسة فى مغارة لا تزال باقية حتى اليوم.
وقد أقيمت فوق هذه المغارة كنيسة القديس «سرجيوس» المعروفة حاليا بكنيسة «أبى سرجة» وهى من أقدم الكنائس فى مصر، وبعد أن أقامت العائلة المقدسة فى تلك المغارة بضعة أيام غادرتها متجهة إلى مدينة منف، وقد كانت فى موضع البلدة المسماة اليوم «ميت رهينة» ثم اتجهت بعد ذلك جنوبا إلى موضع يقع شرق «البهنسا»، ومن هناك عبرت النيل إلى ضفته الشرقية حيث جاءت إلى موضع بالقرب من سمالوط يسمى جبل الطير.
دير المحرق
ومن جبل الطير انتقلت العائلة المقدسة بقارب فى النيل إلى بلدة «الأشموين» ثم إلى بلدة ديروط الشريف، ثم إلى بلدة القوصية، ومن هناك اتجهت العائلة المقدسة إلى بلدة «مير» على بعد نحو ثمانية كيلومترات، من «نزالى جنوب»، ثم اتجهت من هناك إلى موضع فى جبل قسقام يقوم فيه اليوم دير السيدة العذراء الشهير بدير المحرق.
وفى ذلك الموضع أقامت العائلة المقدسة ستة أشهر وبضعة أيام، وهناك ظهر ملاك الرب ليوسف بعد موت هيرودس، وأمره بأن يأخذ الصبى وأمه ويعود إلى بلاده، فبدأت رحلة العودة من مصر إلى فلسطين، وبهذا تحققت النبوءة القائلة: «من مصر دعوت ابنى وكانت تلك هى نبوءة موشع الواردة فى أسفار العهد القديم».
وقد بارك السيد المسيح مصر بمجيئه فيها، وبذلك تكون قد تحققت أيضاً نبوءة أشعياء النبى الذى قال فيها: مبارك شعبى مصر.
وإذا كان المؤرخون قد اختلفوا حول المدة التى استغرقتها العائلة المقدسة إلى مصر، بيد أن الكنيسة القبطية تؤكد أن هذه الرحلة منذ أن قدمت العائلة المقدسة إلى مصر حتى تلقت من الملاك نداء بالعودة إلى فلسطين بلغت ثلاث سنوات وسبعة أشهر.
ويحكى أن العائلة المقدسة وهى فى الطريق من رفح إلى العريش تعرضت لاثنين من قطاع الطرق وأن الله لم يسمح لهما بالاعتداء، وقيل أن اللصين هما ديماس وتيطس اللذان صلبا فيما بعد مع السيد المسيح.
وقيل أنه أثناء سير العائلة من فاقوس إلى الزقازيق كان الجو شديد الحرارة فأوت العائلة إلى مغارة كان يعيش فيها تنين ضخم، فلما دخل الطفل يسوع إليها خر الوحش ساجدا، كما كانت هناك نخلة بها تمر رطب، واستظلت العائلة بها، فاشتاقت العذراء أن تأكل من بلحها، فنظر إليها الطفل يسوع فانحنت النخلة حتى مدت العذراء يديها وأكلت من بلحها.. ولما نظر يوسع إلى جوف النخلة خرج منها ماء للشرب.
ويروى البابا «تاوفيلس» أنه رأى فى رؤيا السيدة العذراء وأنها شرحت له أماكن رحلتها وأحداثها، وأنها لما وصلت إلى بسطا ظهر واستظلت بشجرة كانت هناك اتقاء لحر ذلك اليوم عطش الطفل يسوع إلا أن أهل المنطقة
رفضوا اعطاءها قليلا من الماء، بعد أن سقطت الأصنام أمام عظمة السيد المسيح، وأن آثار هذه الأصنام مازالت ملقاة حتى هذه اللحظة فى منطقة تل بسطا، ولما بكت السيدة العذراء رسم الطفل يسوع بأصبعه دائرة، وصار فى الحال داخل هذه الدائرة نبع ماء.
وفى مسطرد انبع الطفل يسوع نبع ماء شرب منه وباركه وغسلت السيدة العذراء من مائه ملابس الطفل، ولا تزال هذه البئر مملوءة بالماء حتى الآن ويتردد عليها المئات وأن الشجرة التى استظلت بها العائلة المقدسة فى مدينة بلبيس مازالت موجودة حتى هذه اللحظة وتسمى شجرة مريم ويبجلها المسيحيون والمسلمون ويزورونها تبركا.
عاش السيد المسيح منذ عودته من مصر، وطوال الفترة التى سبقت إعلانه عن ذاته فى مدينة الناصرة، وعندما كان يوحنا المعمدان يبشر ويعمد فى نهر الأردن، جاء السيد المسيح إليه واعتمد منه، وأثناء طواف السيد المسيح للتبشير فى بلاد اليهود بدأت خدمته العلنية.
والناصرة مدينة تقع فوق جبل مرتفع من جبال المنطقة التى كانوا يسمونها الجليل، وتبعد تلك المدينة عن أورشليم نحو ستة وثمانين ميلا، كما تبعد عن بحيرة طبرية المسماة بحر الجليل نحو أربعة عشر ميلا، وكانت الجليل جزءا من مملكة هيرودس الكبير الذى كان يحكم فلسطين، والذى حاول قتل السيد المسيح فى طفولته حين علم أنه سيكون ملكا، ثم بعد هيرودس قسم الرومان مملكته بين أولاده الثلاثة فكانت الجليل من نصيب ابنه المسمى هيروودس انتيباس وهو الذى كان يحكم الجليل فى عصر السيد المسيح.
كان جيش الجليل يتألف من مائة ألف مقاتل، فكانت تلك المنطقة حينذاك بمثابة دولة فسيحة الأرجاء ذات ملك طاغية وجيش قوى!
تلك هى مدينة الناصرة التى عاش فيها السيد المسيح معظم حياته، حتى قيل إنه ناصرى، وتلك هى مدينة الجليل التى نادى فيها السيد المسيح بمعظم تعاليمه، وصنع فيها معظم معجزاته.
حين بلغ السيد المسيح الثلاثين من عمره كان قد اعتزم أن يعلن ذاته للناس، فشرع فى أداء رسالته التى جاء من أجلها إلى العالم، وذلك ككاهن وكنبى فلم يكن يجوز له الخدمة الدينية وفقا للشريعة قبل أن يبلغ هذه السن، ومن ثم شاءت إرادته أن يبدأ هذه الخدمة بأن يعتمد من يوحنا ليتم فى معموديته أول إعلان للعالم عن شخصيته، وعن حقيقة طبيعته وهو الذى حبلت به أمه لا من بشر وإنما من روح القدس الذى هو الله ذاته، فلما جاء المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه، اعترض يوحنا قائلا: أنا محتاج أن أنال المعمودية منك، وأنت تأتى إلىَّ!
فأجاب يسوع قائلا له: اسمح بهذا الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نتم كل بر، ومن ثم طاوعه حتى إدا اعتمد يسوع صعد توا من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة ومقبلا عليه وإذ صوت يجىء من السماء قائلا: هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت.
وبذلك تحققت كل النبوءات التى أشارت إلى أن المسيح هو ابن الله، كما أنه بذلك تحققت نبوءة أشعياء النبى الذى قال فيها: السيد المسيح يحل عليه روح الرب، وتحققت نبوءته التى قال فيها بلسان السيد المسيح: روح الله على لأن الرب منحنى لأبشر المساكين.
النور الإلهى
وشاءت إرادة السيد المسيح بعد ذلك أن ينطلق إلى الجبال حين ظل هناك أربعين يوما متوحدا منقطعا عن الطعام انقطاعا كاملا، ومداوما على الصلاة والتأمل فى سكينة وهدوء قاصدا من ذلك أن يتيح للروح فى هيكله الإنسانى أن تقهر الجسد، وأن تزيح جانبا ما تحجبه كثافة الجوهر الجسدى من شفافية الجوهر الروحى، ومن ثم تتألق الروح بكل ما فيها من نور إلهى.
وقد أراد السيد المسيح أن يتعرض وهو فى صورة الناس لما يتعرض له كل الناس من هجمات الشيطان ويكسر من شوكته، فيحكى لنا انجيل متى أن المسيح لما صعد إلى البرية لكى يجربه إبليس، صام أربعين نهارا وأربعين ليلة، وأخيرا جاع، فجاء إليه المجرب قائلا: إن كنت ابن الله فامر أن تصير هذه الحجارة خبزا، فأجاب السيد المسيح: مكتوب ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله، فأخذه إبليس إلى المدينة وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت أنت ابن الله فألق بنفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب أن يوحى ملائكته بك فيحملوك على أيديهم لئلا تصدم بحجر قدمك، فقال له يسوع: مكتوب أيضاً لا تجرب الرب إلهك، ثم صعد به إبليس أيضاً إلى جبل شاهق وأراه كل ممالك العالم ومجدها، وقال له: أعطيك هذه كلها إن خررت وسجدت لى: فقال له يسوع: إليك عنى يا شيطان فإنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد، عندئذ مضى إبليس عنه.
وإن كان انجيل لوقا قد أفصح لنا أن السيد المسيح عندما أظهر نفسه وبدأ خدمته العلنية باعتماده من يوحنا المعمدان كان في الثلاثين من عمره، وقد قضى السيد المسيح فى أداء رسالته منذ أن بدأ خدمته حتى صلبه اليهود ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر، فإنه يكون قد قضى على الأرض ثلاثة وثلاثين عاما وثلاثة أشهر. فإن العهد الجديد لم يرد فيه أى أشارة إلى الصورة الجسدية للسيد المسيح، بيد أن ما ورد فى هذا العهد هو وصف لأعماله وأحواله وعاداته وتصرفاته، وتأثيره فى الناس وتأثر الناس به وانجذابهم إليه، وسرعة انقيادهم له، يدلنا على ما كانت تتصف به هيئته من هيبة وجلال ووقار وسلطان على النفوس، وبالرغم من تواضع مهنته وبساطة ثيابه، كما يدلنا كل ذلك على بهاء طلعته، ونبل محياه، وما كانت تنطق به ملامحه من البشاشة والوداعة مع مسحة من الألم الذى كان يعانيه من الناس ومن أجلهم.
ومن الوثائق التاريخية التى ورد بها وصف للسيد المسيح تقرير كان حاكم رومانى فى الجليل، قد رفعه إلى إمبراطور الرومان، وأورده عالمان من علماء القرن الثانى الميلادى، وقد جاء فى هذا التقرير:
إنه يوجد أيها القيصر فى عصرنا هذا رجل اسمه يسوع، يسير على مقتضى الفضيلة العظمى، ويتخذه الشعب نبيا، ويقول تلاميذه إنه ابن الله خالق السماوات والأرض، والحق يا مولاى أننا نسمع عن يسوع هذا أمورا عجيبة، فإنه يقيم الموتى ويشفى المرضى بكلمة واحدة وهو إنسان معتدل القامة، جميل الصورة، ذو هيبة كاملة البهاء، حتى ليضطر من ينظر إليه أن يحبه وأن يخافه، وقد استرسل شعره، مغطيا أذنيه ثم منسدلا على كتفيه فى لون رمادى، ولكنه يشع منه الضياء، وجبينه متسع أغر، ووجهه مستو، لا غضون فيه، وأنفه معتدل، وفمه بلا عيب، وعيناه تشعان كالشمس. فلا يمكن لإنسان أن يحدق فيهما، وإذا عنف أرهب، وإذا وعظ أبكى، وهو يبدو فرحا وإن كانوا يقولون إنهم ما رأوه ضاحكا قط، وبكلامه يأسر الكثيرين، وبه شبه كبير من أمه التى هى أجمل نساء هذه النواحى، فإن كنت تحب يا مولاى أن تراه فانبثنى وأنا أرسله إليه فى الحال، فضلا عن أنه أذهل أورشليم كلها بمعرفته، لأنه يستوعب كل العلوم، على الرغم من أنه لم يدرس منها شيئا البتة، والحق أن الناس ما سمعوا قط مثل ما سمعوا من يسوع هذا، ولذلك فإن كثيرا من علماء اليهود يعتبرونه إلها فى حين أن كثيرين يبغضونه قائلين إنه ينقضى شرائع جلالتكم، ولذلك أشعر بالقلق، فى حين أننى أسمع أنه ما أساء إلى أحد، وإنما على العكس يقول أولئك الذين عرفوه إنهم حصلوا منه على نعمة وصحة كاملة ذلك هو السيد المسيح الذى ولد اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.