استبدال الكتاب المدرسى بالتابلت مرحلة انتقالية «قيد الاختبار» الوزارة تواجه أزمة الكثافة ب«الفصول الذكية» وخطة لإنشاء 200 ألف فصل بحلول 2021 التوسع فى المدارس اليابانية و7 مدارس تدخل الخدمة فى العام الجديد الكل يعقد الآمال على إصلاح المنظومة التعليمية لكونها من أهم تحديات العصر، فبدون التعليم لن نتمكن من تحقيق النهضة فى أى قطاع آخر، وخلال العام الماضى بدأت وزارة التعليم تطبيق أولى خطوات بناء الإنسان المصرى، فالأمانى مازالت ممكنه لإنقاذ التعليم، رغم التحديات التى تواجه الخطط والرؤى لتصحيح الأوضاع السيئة التى أحاطت بنظام التعليم، فالدول تنهض بإصلاح التعليم، وتتحول من دول فقيرة إلى دول متقدمة، لذا تسعى الدولة لحل الأزمات، ووضع رؤيته للتطوير بحيث تعتمد على الأساليب الحديثة والمعايير الدولية، والتى تستهدف تطوير المناهج، والاعتماد على التكنولوجيا، إلا أن خبراء التعليم كانت لديهم مطالب وطموحات وضعوها أمام وزير التعليم على أمل أن تتحقق فى المرحلة، والتى كان أهمها تحسين أوضاع المعلمين، والقضاء على الدروس الخصوصية. فى سبتمبر 2018 كانت بداية أولى خطوات تطوير التعليم تحت اسم «خطة بناء الإنسان المصرى» وهو الاسم الذى أطلقه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى على النظام التعليمى الجديد، والذى بدأ تنفيذه بهدف تطوير المنظومة التعليمية، فاتخذ العديد من الإجراءات التى تسهم فى معالجة السلبيات والمشاكل، وكان على مسئولى التعليم التفكير خارج الصندوق، والسعى لاتخاذ خطوات جادة لرفع مستوى التعليم بكل مراحله، فقد عانى المعلم من تدنى الرواتب التى جعلت أغلب المدرسين يجدون فى الدروس الخصوصية وسيلة لتعويض رواتبهم المتدنية وتحسين دخلهم، فالمعلم هو العمود الأساسى الذى يرتكز عليه أى نظام تعليمى ومن الصعب إغفاله فى التطوير، فوضعت الوزارة الخطط والدورات التدريبية لتحسين قدرات المعلمين وتنمية مهاراتهم، فى وقت بدأت فيه الوزارة الارتقاء بكل المراحل التعليمية بداية من مرحلة رياض الأطفال، قررت وزارة التربية والتعليم استبدال الكتاب المدرسى بالتابلت، القرار الذى أثار حالة من الجدل بين الطلاب وأولياء الأمور، لكن المسئولين عن ملف التعليم رأوا أن تلك الخطوة بمثابة مرحلة انتقالية تهدف لتطبيق التكنولوجيا الحديثة بالتعليم المجانى، خاصة بعد أن اعتمد الطلاب فى جميع المراحل الدراسية على الكتب الخارجية كبديل لكتاب المدرسة. كان على وزارة التعليم البحث عن موارد جديدة لإنقاذ التعليم، الذى يحتاج لإمكانيات تفوق الخيال فى الوقت الذى لا تكفى فيه ميزانية التعليم حل مشكلة واحدة من مشاكل التعليم، فقرر إنشاء صندوق استثمارى خيرى لضمان استمرار مجانية التعليم على أن يبدأ برأسمال 200 مليون جنيه، المقترح جاء بعد العوائق التى واجهت الخطط التى وضعها المسئولون فى السنوات الماضية للنهوض بالمنظومة التعليمية، بسبب ضعف الميزانية المخصصة للتعليم، وتشير الأرقام الرسمية إلى أن مصر بحاجة لإنشاء 200 ألف فصل لحل أزمة كثافة الفصول، حيث تقدر تكلفة إنشاء الفصل ما بين 500 ألف إلى مليون جنيه، مما يعنى أن عدد الفصول المطلوب توفيرها لتغطية الاحتياج حتى نهاية عام 2021 بحسب تأكيدات المسئولين يبلغ نحو 259 ألف فصل، وفى ظل ضعف الميزانية المخصصة للتعليم والتى تصل فيها ميزانية الأبنية التعليمية إلى 8 مليارات جنيه، ولا تكفى لبناء الفصول، لجأت وزارة التعليم للاستعانة بالفصول الذكية، وهى عبارة عن فصل دراسى سهل التجميع، ومجهز بكل المتطلبات والأدوات التعليمية التى يحتاجها المعلم والطالب، مثل الشاشات الذكية للشرح، وأنظمة إضاءة عالية ومقاعد، والتى اعتبرها الخبراء بمثابة حلول مؤقتة تسهم فى توفير أماكن للطلاب، لكنها لن تقضى نهائياً على الأزمة الحقيقية التى تعانى منها المدارس. فى اتجاه آخر حاولت الوزارة محاربة الدروس الخصوصية وغلق السناتر، إلا أن تلك المحاولات لم تقض على الظاهرة نتيجة لعدم ثقة أولياء الأمور فى مجموعات التقوية، وعدم انتظام المدرسين بالحضور، فسعى الوزير لإدخال التابلت كوسيلة مساعدة وحتى يتمكن الطلاب من توزيع 708 آلاف جهاز على طلاب الصف الأول الثانوى فى 2530 مدرسة موزعة على جميع أنحاء الجمهورية، وبلغت تكلفة التابلت 3.5 مليار دولار، وتشير الأرقام إلى أن عدد مراكز الدروس الخصوصية يصل إلى 2250 مركزًا على مستوى الجمهورية، وتستنزف الدروس الخصوصية ما لا يقل عن 26 مليار جنيه سنوياً من جيوب أولياء الأمور. وتشير الدراسات إلى أن الدروس الخصوصية تلتهم ما يزيد على ثلث الأموال التى تنفقها الأسر على تعليم أبنائها سنوياً بنسبة تصل إلى 39.4%، يليها مباشرة الإنفاق على المصروفات والرسوم الدراسية بنسبة تصل إلى 30.9%، والباقى على الملابس والشنط المدرسية والكتب والأدوات الكتابية، وطبقاً لبيانات وزارة التعليم يصل عدد المدارس فى مصر لنحو 52 ألف مدرسة، (86%) منها مدارس حكومية يتم التدريس بها باللغة العربية، ويبلغ عددها نحو 45 ألفًا و279 مدرسة حكومية، فى حين يبلغ إجمالى عدد الفصول بالمدارس الحكومية 419 ألفًا و900 فصل بمدارس الحكومة، ويصل عدد المدارس الخاصة إلى 7385 مدرسة خاصة، وتمثل حوالى (12%) وعدد الفصول بها 62 ألفًا و700 فصل، أما المدارس التجريبية فتمثل (1%) حوالى (800) مدرسة، والمدارس الدولية يبلغ عددها حوالى (250) مدرسة فقط، ويصل عدد المدرسين إلى مليون و600 ألف مدرس، وتلتهم الأجور والمرتبات الجزء الأكبر من ميزانية التعليم، حيث بلغت موازنة قطاع التعليم هذا العام 115.667 مليار جنيه، بينما تبلغ قيمة الأجور والرواتب 68 مليارًا و479 مليونًا و153 ألف جنيه. ومؤخراً أعلن وزير التعليم الدكتور طارق شوقى، عن أنه تم بناء البنية التحتية الرقمية فى أكثر من 2500 مدرسة ثانوية، وأكثر من 11 ألف فصل، وتطبيق الامتحانات الإلكترونية والتصحيح الإلكترونى للصف الأول الثانوى، بالإضافة إلى بناء بنوك أسئلة متعددة الصعوبة بمعايير دولية لكل المواد فى الصفين الأول والثانى الثانوى، وبناء معايير التصحيح الإلكترونى للأسئلة، كما حققت الوزارة العديد من الإنجازات منها تشغيل 35 مدرسة يابانية خلال العام الماضى، وسيتم افتتاح 5 مدارس أخرى، وانطلق العمل بالمدارس المصرية اليابانية ب35 مدرسة، اعتباراً من العام الدراسى 2018/2019، إضافة إلى 7 مدارس سوف تدخل الخدمة العام الدراسى الجديد 2019/2020. وقد أكدت دراسة بعنوان «التعاون.. مفتاح النجاح لإصلاحات التعليم فى مصر» أعدتها الدكتورة أميرة كاظم، مسئول أول فى قطاع التعليم بالبنك الدولى، أن مصر تولى أهمية كبيرة لتطوير قطاع التعليم، حيث بدأت فى سبتمبر 2018 بتنفيذ إصلاحات تستهدف تحديث العملية التعليمية، وتحسين الاستعداد للمدرسة، وإعادة توجيه نظام التقييم فى المرحلة الثانوية الذى يحرك مسار التعليم بأكمله، وفى العام الثانى من برنامج إصلاح قطاع التعليم 2019/2020، عاد طلاب الصف الثانى الابتدائى ليواصلوا العملية التعليمية الجديدة التى بدأوها خلال الصف الأول فى السنة الدراسية 2018/2019 منهج دراسى جديد، ومعلمون تلقوا تدريباً على هذا المنهج الجديد، ونظام تقييم جديد، أما طلاب الصفوف الأقدم فينتقلون إلى نظام تعليم ثانوى جديد يقوم على رقمنة العملية التعليمية لإعدادهم لاختبارات جديدة تعتمد على التفكير النقدى والمهارات التحليلية، وعلى الرغم من الالتزام الجاد الذى أبدته الدولة بإصلاح نظام التعليم فى مصر، لا تزال هناك تحديات هائلة يتعين التصدى لها ولن تنجح عملية إصلاح التعليم فى مصر إلا بتعاون جميع الأطراف المعنية، ومن خلال هذه الجهود الجماعية والعمل الشاق سيتمكن المصريون من التحرر من شرك فقر التعلم وبلوغ كامل إمكاناتهم وطاقاتهم فى أن يحيوا حياة كريمة وأن يسهموا فى تنمية بلدهم. وأكدت الدراسة أن تحويل التركيز إلى أسلوب «التعلم» بدلاً من أسلوب «التعليم»، رغم ما تنطوى عليه هذه الإصلاحات من آمال ومزايا بالنسبة للطلاب، محفوف بالمصاعب ويحتم على الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع كله التكيف معه. خبراء: تغيير نمط الامتحانات أساس فى التطوير ومن جانبه يرى الدكتور محمد المفتى عميد كلية التربية الأسبق بجامعة عين شمس، أن العام الماضى شهد محاولات عديدة لتطوير التعليم، لكننا نحتاج لمجهودات كبيرة للقضاء على السلبيات الموجودة، حتى نتمكن من دعم التطوير، ونأمل أن يشهد العام الجديد مزيدًا من التطوير، فما زالت المدارس تعانى من أزمة كثافة الفصول، كما نحتاج حلولًا جذرية للقضاء عل ظاهرة الدروس الخصوصية التى لن يتم حلها إلا بعد تغيير نوعية الأسئلة والامتحانات، لأن الطالب يعتمد على حفظ الأسئلة وتوقعات الامتحان دون أن يهتم بالفهم. ويقول: نحتاج إلى تغيير نوعية الأسئلة فى ظل إدخال الوسائل الحديثة فى التعليم، ونحتاج إلى الأسئلة البحثية، والتى تعتمد على البحث والمعرفة وجمع المعلومات للوصول للهدف، كما نحتاج إلى تغيير أساليب التدريس لمساعدة الطلاب على تخطى الامتحانات بسهولة، وتجارب تسمى «الكتاب المفتوح» تطبق بالخارج، والهدف منها فتح آفاق جديدة أمام الطلاب للبحث فى وسائل المعرفة المختلفة للحصول على الإجابة الصحيحة، وهذا الأمر من شأنه القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية، كما نحتاج فى المرحلة القادمة أن نقضى على ظاهرة هروب الطلاب من المدارس، خاصة أنه لا توجد عوامل تحفز الطلاب على الالتزام بالحضور، ويناشد الدكتور محمد المفتى وزير التعليم الاستعانة بالخبراء فى مجال التعليم لاستكمال عملية التطوير والاستفادة من وجهة نظرهم. أما الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، فيرى أن التعليم يعانى من مشاكل عديدة، وهناك أولويات يجب مراعاتها خلال المرحلة القادمة. ويقول: لدينا عجز فى المعلمين يصل إلى 320 ألف معلم، وهذا يعنى أن هناك 320 فصلًا بلا معلمين، فيجب سد هذا العجز أولاً، ثم حل أزمة تكدس الفصول التى يترتب عليه الكثير من المشاكل فى المدارس، حيث وصل عدد الطلاب فى بعض المدارس إلى 100 طالب فى الفصل، مما يجعل هناك صعوبة فى التحصيل الدراسى، وهذا الأمر يعد من التحديات التى تواجه التعليم، كما نعانى من نقص العمالة والاعتماد على الطلاب والمعلمين فى تنظيف الفصول، ونأمل أن يحدث تغيير كامل لنسق التعليم، حتى نتمكن من حل كل المعوقات التى تعانى منها المنظومة، والتى أهمها الدروس الخصوصية التى تلتهم دخل الأسرة المصرية، وتحسين أوضاع المعلمين، فلا يمكن تطوير المنظومة دون تغيير المناهج التعليمية، وطرق التدريس التى تعتمد على الحفظ والتلقين ويجب أن يتم تغيير منظومة الامتحانات القائمة على حفظ المعلومات إلى البحث والمهارات العقلية العليا.