أصدرت المحكمة الإدارية العليا منذ أيام حكمين بعدم ولاية هذه المحكمة بنظر الطعن في حكم المحكمة الدستورية العليا، القاضى بعدم دستورية المواد الخاصة بالانتخابات بالقوائم الحزبية والفردية!!، وقد ووجه هذا الحكم بالرفض من «التحالف الإخواني السلفي» خلال الشهور الماضية، وكذلك بعشرات الانتقادات والحجج التي تزعم بطلان هذا الحكم وضرورة إلغائه. وقد أسست المحكمة الدستورية العليا حكمها المذكور، علي ما ثبت لديها من إهدار الأحكام الواردة في قانون مجلس الشعب بشأن الانتخابات بالقوائم لمبدأ المساواة، وتكافؤ الفرص بين المرشحين، وأثبت الحكم في أسبابه، بصراحة، ووضوح، وبصفة قاطعة، أن البطلان الذي يترتب علي عدم دستورية تلك المواد لا ينصب علي ثلث الأعضاء فقط، وإنما يشمل بقوة القانون أيضاً ثلثي الأعضاء!!، وبالتالي فإنه قد تعين القضاء ببطلان عضوية مجلس الشعب كاملة منذ انتخابه، وقد نص منطوق الحكم علي القضاء بعدم دستورية وبطلان المواد المذكورة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وانهمرت الاعتراضات والانتقادات علي حكم المحكمة بل على ذات المحكمة. فذهب البعض إلى أنها قد قضت في حكمها بما لم يطلب منها، لأن المرشح الذي أقام الطعن أمام القضاء الإدارى، قد اقتصر طعنه علي الانتخابات في دائرة واحدة فقط، وأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بما لم يطلب منها!! وهذا الزعم مردود بأن القضية الخاصة بالطعن في دستورية بعض أو كل مواد في قانون أولاً ثم ليست قضية تتضمن منازعة خاصة بين متنازعين مثل قضية الخلاف علي إيجار مسكن، أو شراء سيارة مثلاً والتي تتقيد بالصفة والمصلحة، بالنسبة للمتقاضين، ولكن الصحيح أن الطعن بعدم الدستورية، يمثل دعوى ترتبط بالنظام العام الدستوري والقانونى أي بالشريعة الدستورية والقانونية، وهي من النظام العام، ولذلك يجوز للمحكمة الدستورية العليا، عدم التقيد بالطلعات الموضوعية في الدعوى الأصلية بل إن للمحكمة أن تتصدى لعدم دستورية أي نص آخر في ذات القانون المطعون علي بعض مواده، ولها أن تتصدى أيضاً لأية نصوص أخرى ترتبط بالنصوص المطعون بعدم دستوريتها، ولو في قانون آخر لأن الشرعية الدستورية والقانونية لا تتجزأ، وبناء علي ذلك فقد صادف حكم المحكمة الدستورية العليا صحيح حكم الدستور فيما نصت به، وقد زعم بعض المعترضين علي حكم المحكمة بأنه لا حجية لهذا الحكم، إلا لمنطوقه، ولا قيمة أو حجية لما تضمنه من أسباب نصت علي البطلان الكامل لعضوية مجلس الشعب وهذا الزعم ليس له أساس في الدستور أو القانون لأن المبدأ الأساسي في حجية الأحكام القضائية يقرر أن هذه الحجية تشمل حتماً المنظومة وما يرتبط به من أسباب ارتباطها لا يقبل التجزئة من أسباب الحكم!! وزعم البعض أن هذه المحكمة لا يجوز لها أن تقضي إلا في الطعن بعدم الدستورية ولا شأن لها بموضوع الطعن في القضية الأصلية، التي تختص بها المحكمة الإدارية العليا وحدها، ولا قيمة لهذا المطعن لأن أحكام المحكمة الدستورية العليا بحسب نص الدستور المؤقت والنافذ من 30/3/2011 وقانون المحكمة - أحكام تصدر نهائية، وباتة، ونافذة بمجرد نشرها بالجريدة الرسمية، دون حاجة لأي إجراء، وهي غير قابلة للطعن عليها أمام أية محكمة، ولا يجوز وقف تنفيذ الحكم أو تعديله أو إلغاؤه من أية محكمة أو جهة أخرى، ولذلك فإنه عندما أصدر الرئيس د. مرسى العياط قراراً جمهورياً بوقف تنفيذ حكم المحكمة الدستورية وعودة مجلس الشعب للانعقاد قضت المحكمة الدستورية ببطلان وانعدام أثر هذا القرار، لعدم اختصاص الرئيس بإلغاء حكم المحكمة الدستورية أو بتعديله باعتباره تعطيلاً لنفاذ حكم المحكمة الدستورية المذكور دون سند من الدستور أو القانون، يعد جريمة طبقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة (123) من قانون العقوبات، كذلك ادعى بعض الرافضين لهذا الحكم أن المحكمة قد زورته بحجة أنه كان قد طبع في الجريدة الرسمية قبل النطق به بساعات، ولم تثبت هذه الواقعة المزعومة بأي وجه، واعترض آخرون بأن الحكم باطل لأنه «مسيَّس» ولم يثبت كذلك أي سند، وقيل إنه لا يجوز لسلطة أن تحل وتبطل سلطة أخرى، ويجب الالتزام بإرادة الشعب التي انتخبت المجلس، وأن إعادة الانتخابات تكلف الدولة ملياراً ونصف المليار جنيه، وهذه الحجج لا قيمة لها ويتعين إهدارها، فالحكم ببطلان مجلس الشعب ليس إلغاء نهائياً لمجلس الشعب ذاته فهو باق كسلطة طبقاً لأحكام الدستور وقانون تنظيمه فيما عدا المواد الباطلة منه، ويتعين لتنفيذ الحكم إعادة الانتخابات لمجلس الشعب الجديد طبقاً لقانون المجلس فيما عدا المواد المحكوم ببطلانها!! يضاف إلى ما سبق أن حكم المحكمة الدستورية العليا تترتب آثاره بقوة القانون ولا حاجة لتنفيذها إلي إجراءات خاصة، وإرادة الشعب الواجب احترامها هي الإرادة الشرعية المطابقة للشرعية الدستورية والقانونية، والمواد التي تم إبطالها تعبر عن إرادة غير شرعية ويتعين الحكم بانعدامها دستورياً!! ولم تتوقف الطعون والاعتراضات علي ما سبق ولكن تم التظاهر وحصار القضاء الإدارى والمحكمة الدستورية وترديد هتافات مهددة ومهينة للقضاء للأسف الشديد، وقد أثبت مجلس الدولة بحكمي المحكمة الإدارية العليا سالفى الذكر أن بمصر قضاء يلتزم بالشرعية الدستورية والقانونية، ويحمي الحريات والحقوق العامة للمصريين. رئيس مجلس الدولة الأسبق