أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية أو بطلان المواد المكملة فى الانتخابات بالقائمة الحزبية والقائمة الفردية فى القانون الحالى بمجلس الشعب، ومنذ صدر حكم المحكمة العليا الدستورية وضجة الفتاوى والآراء تحاصر هذا الحكم، وترفض تنفيذه، فمن يقول إنه لا يبطل سوى ثلث أعضاء مجلس الشعب الذين انتخبوا بالقوائم الفردية، ومن يرى أن هذا الحكم لا يجوز تنفيذه إلا بعد الاستفتاء عليه من الشعب المصرى الذى اشترك 30 مليوناً منه فى انتخاب أعضاء مجلس الشعب، ومن ثم فلا يجوز تغيير موافقة هؤلاء الناخبين بحل مجلس الشعب، كما قيل أيضاً إن الاختصاص بإبطال عضوية أعضاء مجلس الشعب منوط فقط بمحكمة النقض وحدها، ولا يجوز للمحكمة الدستورية العليا تجاوز هذا الاختصاص، والحكم بهذا البطلان بدلاً من محكمة النقض!! بل لقد زعم البعض أن المحكمة الدستورية لا تصدر أحكاماً وإنما تصدر آراء وفتاوى غير ملزمة، ولذلك وبسبب التكاليف الخاصة بانتخابات مجلس الشعب الباطل والتى تعدت المليار ونصف المليار جنيه، فإنه يتعين رفض ما ذهب إليه الحكم الذى أصدرته المحكمة الدستورية ببطلان انتخابات مجلس الشعب، خاصة لأن هناك خصومة بين المحكمة والمجلس بسبب الاقتراح بمشروع قانون الذى أعده أحد أعضاء السلفيين قبل بصور حكم المحكمة الدستورية والذى تضمن إعادة تشكيل المحكمة وتقرير الوصاية على ما تصدره من أحكام... إلخ!! والحقيقة أنه طبقاً لأحكام الدستور المؤقت، خاصة المادة (49) منه التى نصت على اختصاص المحكمة الدستورية العليا وكذلك وفقاً لنصوص قانون إنشاء هذه المحكمة رقم 48 لسنة 1979، وبخاصة المواد (1)، (2)، (27)، (46)، (47)، (48)، (49)، (51) فإن الأحكام التى تصدر عن المحكمة هى أحكام قضائية ونهائية وباتة ولا يجوز الطعن عليها، أو وقفها أو إلغاءها أمام أية جهة أخرى قضائية، أو غير قضائية، كما أن هذه الأحكام بمجرد نشرها بالجريدة الرسمية، تعتبر نافذة وحجة على الكافة أى على الدولة بجميع سلطاتها وعلى المواطنين، وبالتالى فإن ما قضت به المحكمة من عدم دستورية الأحكام الخاصة بالانتخاب بالقائمة الحزبية والفردية، يكون (عينياً) ومنصبًا على هذه المواد بذاتها ويكشف عن بطلانها منذ صدرت، بل وتكون هذه المواد باطلة بالنسبة لمجلس الشورى الذى تم انتخاب أعضائه وفقاً لها، فلا يمكن دستورياً وعقلاً أن تكون باطلة بالنسبة لمجلس الشعب، وصحيحة بالنسبة لمجلس الشوري!! فالبطلان عينى وعام!! وبناء على ما سبق، فإن كل المزاعم السالف ذكرها عن الحكم المذكور وعدم نفاذه، تكون بغير سند من الدستور أو القانون أو المعقولية، ويترتب على الطبيعة الصحيحة لهذا الحكم عديد من الآثار بينها أنه تم تنفيذه بالنسبة لبطلان مجلس الشعب، ولم يعد من ثم يوجد دستورياً أو قانونياً هذا المجلس بأكمله، ومثله فى ذلك مجلس الشورى كذلك، وقد برز نتيجة لذلك مشكلة تحديد الجهة التى يحلف أمامها الرئيس المنتخب اليمين الدستورية الواجب عليه أداؤها قبل أن يباشر اختصاصات منصبه، وقبل أن يحصل على أى مزايا عينية أو مالية أو غيرها تكون مخصصة لهذا المنصب، وقد حل هذه المشكلة الإعلان الدستورى المكمل، والذى نصت الفقرة الثالثة المضافة للمادة (30) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 والمعروف بالدستور المؤقت على أنه «إذا كان المجلس منحلاً يؤدى الرئيس اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا»، ورغم ذلك فإنه قد صدرت عدة تصريحات من قادة الإخوان المسلمين ومن بينهم د. البلتاجي، وأ.صبحى صالح... إلخ، بأن رئيس الجمهورية المنتخب د. محمد مرسى لن يقسم اليمين الدستورية إلا أمام مجلس الشعب ولا أحد يعلم كيف يمكن إعادة هذا المجلس بعد بطلانه بالحكم النهائى البات الواضح والقاطع للمحكمة الدستورية العليا الذى من المستحيل دستورياً أو قانونياً وقف نفاذه، كما يستحيل إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، ومن المقلق أن يبدأ تنصيب الرئيس المنتخب بهذه الآراء وتلك المزاعم التى تمثل إهدارًا للشرعية الدستورية والقانونية، واعتداء على استقلال القضاء، واحترام أحكامه، وأعتقد أن الرئيس المنتخب سوف لا ينساق إلى هذه الآراء، وسوف يؤدى اليمين الدستورية بالشكل والصورة التى حددها الإعلان الدستورى التكميلى. وقى الله مصر وشعبها من أى اعتداء على الشرعية والمشروعية الدستورية والقانونية. ---- رئيس مجلس الدولة الأسبق