من يمر بشارع محمد محمود الآن يتأكد بعلم اليقين أن مصر تشهد في هذه المرحلة صنفين من البشر ثواراً.. وأوغاداً، الثوار هم هؤلاء الذين آمنوا أن ثورة قامت وأن دماء شهداء أبرار وأطهار سالت وأرواح أمهاتهم المكلومة ستجدها شاخصة ومجسدة في رسومات هذه الفتية من شباب مصر الذين أبدعوا فناً حيوياً ومتألقاً رائعاً ورائقاً اسمه «الجرافيتي».. هذا الفن بهذه الصور والأشكال هو إبداع مصري خالص، لأن فن الجرافيتي نشأ عبثياً وكاريكاتيراً أشبه بفانتازيا تعبر عن تمرد الشباب وقدرتهم علي كسر الأنماط والقوالب المسبقة في العالم stereotype، أما عندنا فقد نجح هؤلاء الشباب في تلوين الجرافيتي بدماء الشهداء وغمسه في جروح المصابين وضحايا الثورة، وتطور هذا الفن ليعبر عن مواقف الثوار من السلطة الفاحشة سواء عسكرية أو ثيوقراطية سلفية أو إخوانية. اذهب وتأمل رسومات الجرافيتي علي الجدران ستجد الثورة والثوار والشهداء مينا دانيال بجوار الشيخ عماد عفت وخالد سعيد بجوار رحمة والصحفي أحمد محمود وستجد جداريات ساخرة من مبارك والمجلس العسكري ومرسي والمرشد، ولأن السلطة والحكومة في مصر لا تتعلم من أخطاء سابقيها ولم تع درس الثورة وتمرد الشباب فقد فعلوا - بغشم وغباء - ما فجر الثوار مرة أخري، مسحوا الجرافيتي من الجدران وما إن مضوا هانيئن بما فعلوه حتي عاد الشباب في تجمعات هادرة ومعهم أدوات الرسم وسلالم الصعود إلي أعلي الأسوار ودخلوا في معزوفة جماعية رائعة. إذن فأمام الثورة والثوار هناك أوغاد وانتهازيون، وهناك من التهم تفاحة الثورة - إن كان لها تفاح - وركب موجتها واعتلاها ومع «قرفي» وغضبي من هذا اللفظ بعد أن ردده الشيخ المدعو بدر وزميله أبوالإسلام بضمير مستريح وبرود مستباح كمن يأكل لحم الميتة.. هناك من الأوغاد من كان ينافق نظام مبارك ويتمرغ في بلاطه ويدعو له وينفق الملايين والمليارات علي حملاته الرئاسية ثم بعد أن «اعتلي» مرسي إذا به يتقرب ويتزعف ويصير إخوانياً أو متأخوناً ويقول أنا جدودي إخوان.. وهو نفس الشخص الذي بكي في حضرة مبارك وانحني لصفوت الشريف وبارك لأحمد عز سطوته وصولجانه، واعتبر ابناء مبارك أولاده وقال لهم: يمكن أن أفتح لكم شقة في أسوان علي شقة في الإسكندرية.. هذا وأشباهه الآن يركبون سفينة الإخوان ويدعون أنهم ثاروا علي فساد النظام السابق ومن يفتح درج مكاتبهم أو خزائنهم سيجد كارنيهات الحزب الوطني وكروت لواءات أمن الدولة الآن. هؤلاء في الواجهة ويطلق عليهم أبناء الثورة، بينما الثوار الحقيقيون يتم مسح شواهدهم من الجدران وصورهم من الجرافيتي والثوار الحقيقيون هم الضحايا الذين كانوا في ميدان التحرير يصرخون من قسوة الحياة والضنك والفقر ولا يزالون يقفون في وقفات احتجاجية وينتقدهم رموز الإخوان في الفضائيات بدعوي قيامهم بمظاهرات فئوية ويعطلون الإنتاج. وللأسف ينسي هؤلاء أنه لولا أولئك المتظاهرون والمحتجون ما كانت الثورة التي قطف ثمارها الإخوان والسلفيون وتربعوا فوق مناصبها وأصبحوا يملأون الشاشات وكل وسائل الإعلام. للأسف أشعر الآن أن نظام مبارك لم يسقط وأن رأسه فقط هو الذي طار بينما قاعدته وأركانه لا تزال تحكمنا وتحتلنا.. الأوغاد والانتهازيون والفاسدون يمسكون بدفة كل شيء والمحتكرون للثورة هم أنفسهم حلبوا ضرع مصر ويتحكمون في كل شيء والمحبطون يزدادون والمكتئبون يتكاثرون، والأرقام تقول: إن عدد المرضي النفسيين زاد بنسبة 30% بعد الثورة وهي نفس نسبة المدمنين بين الشباب وعدد المنتحرين ايضاً زاد وعدد المحتجين زاد بنسبة 1.600%، وفي المقابل الانتهازيون والأوغاد زادوا وغطوا الشاشات والفضائيات، والمصريون اليوم ضحايا الأوغاد، بينما الثوار يعتذرون وينزرون بحسرتهم، وربما تجد بعض ظلالهم علي جدران شارع محمد محمود في رسومات الجرافيتي.. سحقاً للأوغاد وعاش الثوار.. وصح النوم!