محافظ المنوفية يتفقد انتظام سير العملية التعليمية بمدرسة حسين غراب الإعدادية    يمامة ضمن قائمة المعينين بمجلس الشيوخ    التنسيقية تهنئ أعضاءها المعينين في مجلس الشيوخ    سعر الفضة اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025.. بكم عيار 925 الآن؟    الهلال الأحمر المصري يرفع درجة الاستعداد القصوى في العريش    حماس: لن نشارك بتاتا في المرحلة الانتقالية    باكستان تغلق حدودها مع أفغانستان عقب تبادل إطلاق نار عبر الحدود    موعد مباراة مصر وغينيا بيساو في تصفيات المونديال والقنوات الناقلة    محمد صبحي يفوز ببرونزية وزن 88 كجم ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    مصرع مهندس زراعي في تصادم دراجة نارية بسيارة نقل بمنطقة مساكن طابا ببنها    انطلاق مؤتمر مهرجان القاهرة السينمائي بحضور نخبة من نجوم الفن.. فيديو    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن أفلام مسابقة الأفلام القصيرة في دورته ال46    خالد العناني في تصريحات خاصة ل«البوابة»: اليونسكو ستعود إلى جوهر رسالتها الإنسانية    مدير المستشفيات يتفقد مستشفيي قويسنا وبركة السبع لمتابعة انتظام العمل وجودة الخدمات الطبية    "صحة الدقهلية" تعلن إجراء 41 ألف جلسة علاج طبيعي وتشغيل عيادة الأطراف الصناعية    آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع العواصم الأوروبية دعمًا للشعب الفلسطينى    هانى العتال عن تعيينه فى مجلس الشيوخ: شرف كبير أنال ثقة الرئيس السيسي    حسين فهمى: مهرجان القاهرة يرمم 10 أفلام أبرزها خان الخليجى    نقابة المهن التمثيلية تهنئ خالد جلال وياسر جلال لتعيينهما بمجلس الشيوخ    5 أبراج لا تعتذر عن أخطائها.. برج الحمل يعتبر كلمة آسف ضعف    رام الله: مستوطنون يقتحمون خربة سمرة بالأغوار الشمالية    البنك الزراعي يعلن انضمام محمد سويسي لرئاسة مجموعة المنتجات والخدمات الإلكترونية    محافظ المنوفية يدشن فعاليات المبادرة الرئاسية للكشف عن فيروس سي    سبورت: برشلونة لن يجدد مع ليفاندوفسكي ويبحث عن البديل    بحصة سوقية 6%.. "مصر" الخامس عالميا في صادرات الخضروات والفواكه المحفوظة بالخل    قرار عاجل من محكمة جنايات دمنهور بشأن المتهمين بقتل تاجر الذهب برشيد    عفت السادات بعد تعيينه بالشيوخ: فخور بثقة الرئيس السيسي    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    وفاة طفل بأزمة قلبية خوفا من كلب فى أحد شوارع قرية كلاحين أبنود بقنا    المؤشر الرئيسي للبورصة يواصل تراجعه بمنتصف التعاملات بضغوط هبوط أسهم قيادية    بالأرقام.. جهود الداخلية خلال 24 ساعة لتحقيق الأمن ومواجهة الجريمة    أسعار الفاكهة اليوم 12-10-2025 في قنا    امير كرارة ومصطفى قمر وشيكابالا في العرض الخاص لفيلم «أوسكار عودة الماموث»    مي فاروق: «ألبومي الجديد تاريخي.. والتكريم الحقيقي حب الجمهور»    تعرف على مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم فى كفر الشيخ    «التضامن»: 121 زيارة رقابية لدور الرعاية وتحرير 8 محاضر ضبط قضائي خلال سبتمبر    هولندا في مواجهة قوية أمام فنلندا ضمن تصفيات المونديال    ضبط 106074 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    أسبوع الانتصارات    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    الرئيس السيسى : حماية المياه تمثل قضية مصيرية ولم تعد شأنا محليا أو إقليميا    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    لليوم الخامس .. فتح لجان تلقى أوراق طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    وزارة التعليم تحدد 3 امتحانات بالفصل الدراسى الواحد .. اعرف المواعيد    بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة إرهابية.. محاكمة 56 متهمًا اليوم    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    العظمى في القاهرة 28 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    من انقلاب السيارة حتى النقل إلى المشفى.. تفاصيل حادث الوفد القطري في شرم الشيخ قبل قمة السلام    «الكهرباء»: الهيئات النووية المصرية تمتلك كفاءات متراكمة نعمل على دعمها    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ردود الفعل العنيفة تحقق هدف تشويه صورة الإسلام في الغرب
نحو أسس عقلانية لسياسات الغضب الإسلامى ضرورة تدشين جهد عملي لمواجهة عمليات ازدراء الأديان
نشر في الوفد يوم 23 - 09 - 2012

تفتح الاحتجاجات الجارية في الشارعين العربي والإسلامي على الفيلم المسىء للرسول (ص) وكذا الرسوم التي نشرتها مجلة فرنسية مؤخرا حول القضية ذاتها مجددا الحديث حول سبل التعامل مع الإساءات التي تحاول النيل من الإسلام ورموزه ومعتقداته.
وتبدو أهمية هذه القضية في ضوء حقيقة أنه مع انتشار الفضائيات والإنترنت أصبح من السهل انتقال أي أزمة الى جميع ربوع العالم لتصبح قضية كونية يتفاعل معها الملايين من البشر في مختلف البلدان. وفي ضوء حقيقة أن المرء قد يصاب بالدوار جراء متابعة تفاصيل مثل هذه الإساءات، نشير إلى أن الأمر أصبح يتطلب إزاء النمط الذي تتخذه هذه القضايا من تكرار وردود فعل متشابهة التوصل إلى ما نعتبره أسسا جديدة تتسم بقدر أكبر من العقلانية للتعبير عن الغضب من قبل المسلمين.
وننطلق في رؤيتنا هنا من الحقيقة التي لا يمكن تغافلها وتتمثل في أن الإساءات التي ستلحق بالدين – أي دين وبخاصة الإسلامي – في ظل ثقافة معولمة تنحو إلى توجهات أكثر علمانية أمر يبقى أحد الاحتمالات الأكثر حدوثا بين كل لحظة وأخرى وهو ما سيبقى كتحد يواجه المسلم في عالمنا المعاصر ويتطلب رؤية واضحة حتى لا يحدث ما حدث على صعيد أزمة الرسوم وأزمة الفيلم المسىء من عنف يضر دون أن ينفع.
وإذا أقررنا رؤية البعض والتي تقوم على اسس منطقية مفادها صعوبة التغاضي عن الإساءة الى الدين فإن السؤال يتحول ليصبح كيف يمكن لنا أن نعبر عن احتجاجنا بطريقة حضارية تليق بديننا وقيمنا وتعبر عنه أفضل التعبير؟ كيف يمكن لنا الرفض وضمان ألا يتحول هذا الرفض إلى عنف وقتل وضحايا تجعل الحصاد النهائي أسوأ من حصاد الصمت على الإساءة؟ كيف يمكن لنا أن نوفر الأجواء التي تجعل فلاحا مصريا في أقاصي الريف المصري أو عاملا اندونيسيا في أحد المصانع أو طالباً جامعياً في باكستان يخرج في مظاهرة تعبر سلمياً عن الاحتجاج دون أن يغلب العنف في النهاية؟ كيف يمكن لنا ضبط سيل الفتاوى التي تخرج في مثل هذه المناسبات حتى في ظل الاختلاف في الرؤى، بما يسمح بقبول الرأى والرأى الآخر وحرية كل طرف في التعبير عن وجهة النظر التي يراها؟
تتبدى أهمية هذه الأسئلة وضرورة الرد عليها من أن ردود الفعل التي تصدر في العالم الإسلامي، وخاصة الشعبية تتسم للأسف الشديد بقدر كبير من غياب العقلانية بالشكل الذي يسىء للإسلام ويحقق هدف تشويه صورته، وهو في أغلب الأحوال الهدف الذي يسعى إليه من يقدم على مثل هذه الإساءات ولعل الأزمة الأخيرة الخاصة بتفاصيل إنتاج والكشف عن الفيلم المسىء تؤكد هذا الجانب. فيما أن الواقع يقتضي حسبما ذهب الدكتور القرضاوي مثلاً الرد على المسيئين بما يليق برسالة الإسلام وتعاليم القرآن وأخلاق حضارته، باعتبار أن الوفاء للرسول يكون بتقديم سيرته ورسالته إلى العالم، وليس بقذف السفارات بالحجارة.
ونشير في هذا الخصوص إلى ثلاثة أمثلة تعزز ما نذهب إليه بخصوص طبيعة رد فعل قطاع كبير من الجماهير المسلمة يغيب عنها طابع الرشادة. يتمثل أولها فيما ذهب إليه المستشرق الأمريكي برنارد لويس في إحدى مقالاته من أن الاحتجاج على رواية «آيات» شيطانية للكاتب البريطاني الهندي الأصل في باكستان تضمنت مشاهد قام متظاهرون خلالها بحرق العلم الامريكي رغم أن الولايات المتحدة لم يكن لها دور مباشر في أزمة الرواية حيث كان من الأولى أن يوجه هذا الغضب إلى بريطانيا مثلا حال اعتبار ان دولة ما تقف وراء صدور الرواية.
أما المثال الثاني، فيتمثل فيما أشار إليه الكاتب الغربي أندرو هاموند في كتاب له حول نظرة العرب لأمريكا من أن جميع المظاهرات التي تشهدها مصر احتجاجا على قضايا خارجية تتحول في أغلب الأحوال إلى قضايا ضد النظام – السابق - ما كان يعكس قدرا من غياب النضج لدى الجماهير في التعامل مع التظاهر كوسيلة للتعبير عن الرأى بشأن قضية معينة يكون الخروج مقصوراً عليها.
يؤكد المثال الثالث على مظهر آخر من أزمة رد فعل الجماهير المسلمة حيث يكشف عن أن قطاعاً كبيراً منها يتحرك بمنطق عقلية القطيع حيث يلجأ الكثيرون إلى التعبير عن شعورهم الغاضب أيا كان مظهره، سلمياً أم عنيفا، دون دراية كاملة بالقضية موضوع الاحتجاج. ونشير هنا إلى تلك الواقعة المتعلقة بما أثير في السودان عن المدرسة البريطانية التي قيل إنها طلبت من تلاميذها إطلاق اسم محمد على دمية وهي الواقعة التي أدت إلى احتجاجات كبيرة في السودان وبشكل خاص أمام السفارة البريطانية حيث أشار الكثيرون ممن تم استطلاع رأيهم عبر إحدى الإذاعات إلى عدم درايتهم الكاملة بالسبب الذي خرجوا من أجله وأنهم إنما قاموا بذلك لسماعهم بأن هناك إساءة للنبي.
تكشف النظرة المتأنية في تفاصيل الأزمة الأخيرة بشأن الفيلم المسىء للرسول عن أن الموقف لم يتغير كثيرا إن لم يكن نسخة أخرى طبق الأصل لرد الفعل الجماهيري الذي يفتقد التأني والبحث عن الحقيقة. فلم يكد ينتشر على مواقع الإنترنت خبر الفيلم المشار إليه حتى اجتاحت العواصم الإسلامية وبشكل خاص التي انطلقت منها ثورات الربيع العربي حمي المظاهرات المنددة بالفيلم والتي تضمنت أعمال عنف أسفرت في ليبيا عن مقتل السفير الأمريكي وفي مصر عن إلحاق أضرار بالسفارة الأمريكية فيما تتواصل المظاهرات حتى اللحظة في بلدان عربية وإسلامية عديدة.
لقد انطلقت هذه المظاهرات وبهذه الدرجة العالية من الغضب رغم أن الفيلم كان مجهولاً في الولايات المتحدة ذاتها التي تم إنتاجه فيها ولم يحظ بالمعرفة به إلا بعد المظاهرات ضده وضد منتجيه. ومن الجوانب المثيرة للسخرية حقيقة الزيادة الهائلة في المشاهدين لهذا الفيلم من 22،000 قبل الاحتجاجات إلى أكثر من 3،300،000 في أقل من 24 ساعة مما يجعله الفيلم الأكثر مشاهدة على يوتيوب في هذا الفاصل القصير من الزمن.
الأكثر من ذلك مدعاة للسخرية، مما يستدعي التساؤل حول منطقية غضب الجماهير العربية والمسلمة، ما يشكك به البعض من وجود فيلم مسىء للرسول من الأصل. فالفيلم لم يظهر اسمه في مواقع الأفلام المستقلة، والمواقع المهتمة بأخبار السينما، أو حتى تصاريح التصوير وغيرها من الأوراق الرسمية، وبعبارة أخيرة لا يوجد أثر على الإطلاق لأي فيلم يحمل اسم «براءة المسلمين». ليس ذلك فقط بل إن الدقائق التي تم عرضها من الفيلم، بغض النظر عما إذا كان مزعوما أم غير مزعوم، حسب خبراء شديد الرداءة في أسلوب التصوير والإضاءة، ويستخدم خدعاً سينمائية شديدة السذاجة.
وحسبما نشرت بعض المواقع نقلا عن وسائل إعلام أمريكية فإن الفيلم لم يجر عرضه سوى مرة واحدة فقط، في إحدى سينمات هوليوود، لجمهور محدود للغاية، بل إن ذلك الأمر تحيط به الشكوك في ضوء تأكيد البعض عدم وجود الفيلم من الأصل، وترجيح أن الأمر لا يتجاوز اقتطاع مشاهد من فيلم رخيص التكلفة لا علاقة له بالإسلام، جرى عليها مونتاج لبضع دقائق، وتركيب صوت يحوي سباباً للرسول، لنشر المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «يوتيوب» بهدف إثارة الجماهير المسلمة. وهذا هو السيناريو الأرجح في ضوء ما تشير إليه الأنباء حتى الآن من أن أحد أقباط المهجر يقف وراء إنتاج الفيلم تعبيرا عن ضيقه وحقده الشديد على المسلمين.
تؤكد هذه الأمثلة وغيرها الكثير أن أساليب التعبير عن الغضب الإسلامي تتطلب قدرا أكثر نضجا واتساما بالعقلانية عن تلك المتبعة حاليا، الأمر الذي يمكن العمل على رسم إطار مبدئي له يتمثل في مجموعة من الأسس نقدم هنا لمحة عن بعضها وتتمثل في:
أولا: الابتعاد عن العنف :
وهو ما يمثل الأساس الأول الذي يجب ترسيخ العمل به في إطار التعبير عن الغضب الإسلامي باعتبار أن هذا السلوك يقدم صورة مغلوطة عن الإسلام والمسلمين، فضلا عن فشله في غالب الأحوال في تحقيق الأهداف المرجوة منه. ومن هنا يجب ان تختفي في إطار أي عمليات تعبير عن الاحتجاج او الغضب على ما قد يمس الإسلام ما نشهده من عمليات هجوم قد تصل إلى حرق سفارات وقنصليات الدول الغربية والولايات المتحدة بشكل خاص في الدول العربية والإسلامية وكذا تحطيم واجهات المراكز الثقافية أو التجارية التي تمثل الدولة التي ينسب إلى أحد أبناء جنسيتها ارتكاب الإساءة. وذلك على نحو ما جرى في أزمة الرسوم المسيئة حيث وصلت حدة الغضب إلى حد إحراق مبنى السفارة الدنماريكة في دمشق حتى أتت على المبنى كله وإلقاء محتويات المبنى وكذلك إحراق الطابق الأول من مقر القنصلية الإيطالية في بنغازي. وهو سيناريو يتكرر مع بعض الاختلافات في أزمة الفيلم المسىء.
ولا ينفي ذلك بالطبع اعتماد مختلف الأساليب الممكنة للتعبير عن الاحتجاج مثل التظاهرات السلمية التي لا يشوبها العنف أو التخريب، وكذا إمكانية اللجوء إلى أسلوب المقاطعة الاقتصادية على النحو الذي قد يلحق الخسارة بالدولة مصدر الإساءة ويدفعها إلى العمل على الحيلولة دون وقوع هذه الإساءات.
وتقدم أزمة الرسوم المسيئة للرسول والتي حدثت علي خلفيتها مظاهرات مماثلة في بعض جوانبها نموذجا لما نود الإشارة إليه رغم بعض المظاهر السلبية التي أحاطت بأسلوب الاحتجاج من قبل الجماهير المسلمة عليها. كما يمكن أن تشمل الاحتجاجات مختلف الوسائل المشروعة للتعبير عن ذلك بما في ذلك إنشاء مواقع على الإنترنت للتعبير عن الاحتجاج وتشكيل مجموعات افتراضية للتكاتف من أجل تحقيق الهدف المنشود.
ثانيا – التناسبية في رد الفعل :
بمعنى أن مستوى الغضب الإسلامي يجب أن يتحدد بناء على مستوى الإساءة. فقد تتطلب بعض الإساءات التغاضي عنها بل والمساعدة في العمل على تجاهلها. وقد يتطلب أخرى الوقوف عندها واللجوء إلى أقصى مظاهر التعبير عن الغضب للاحتجاج عليها. ولمزيد من التحديد نشير إلى أن حالة مثل حالة الرسامة التي تنسب نفسها إلى الإسلام وحاولت لفت الأنظار إليها في بريطانيا بادعائها مواجهتها تهديدات بالقتل من قبل متشددين إسلاميين على خلفية رسوم وصور رأى فيها البعض إساءة للإسلام قد تتطلب التجاهل.
ونشير هنا إلى ما ذهب اليه البعض – أنس التكريتي الناطق باسم المبادرة الإسلامية البريطانية – من أن كل من يريد أن يشتهر يكتب رواية لشتم الإسلام فيجد رواجا أو يرسم لوحة تؤذي المسلمين. ولعلنا لا نكون مبالغين إذا أشرنا إلى أن أديبا مثل سلمان رشدي إنما نال شهرته من موقف المسلمين تجاه روايته وأنه لولا فتوى الخميني بإهدار دمه والتي رتبت كل هذه التداعيات لكان رشدي الآن في غمار المجهولين دون أن يعني ذلك حكما على موهبته الأدبية من عدمها.
ثالثا – المؤسسية :
ففي ضوء حقيقة تراجع مستوى الوعي لدى الجماهير المسلمة في ذات الوقت الذي تنمو فيه لديها الحمية الدينية فإن ذلك يفترض العمل على مأسسة الغضب الإسلامي من خلال تعزيز المرجعية المؤسسية ممثلة في العديد من الهيئات والمنظمات الدينية والعلمية التي يمكن أن توفر إطارا تستهدي به الجماهير في التعبير عن رد فعلها الغاضب.
ونقصد بذلك الحرص على دعوة المسلم إلى الاسترشاد برأى المؤسسة الدينية بشأن القضية محل الجدل التي قد ينتج عنها سلوك احتجاجي. وهنا فإن العالم الإسلامي لا ينقصه مثل هذه المؤسسات التي يجب العمل على تعزيز دورها في توجيه الجماهير ومنها مؤسسة الأزهر ومنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العمل الإسلامي والاتحاد العام للعلماء المسلمين.
ورغم ما قد يورده البعض من تحفظات على ارتباط بعض هذه المؤسسات بتوجهات النظام الرسمية وهو ما قد يعني سعيها الى التهوين من شأن أي عمل ينال من الإسلام على شاكلة موقف شيخ الأزهر السابق بشأن الجدل الذي ساد حول قضية الحجاب في فرنسا، فإن تعدد هذه المؤسسات يمكن أن يوفر إطارا يوجه سلوك المسلم بشكل أو بآخر خاصة في ظل وجود العديد من المؤسسات المستقلة التي من الصعب أن ينالها التشكيك على شاكلة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين مثلا.
رابعا – تشكيل لجنة خاصة لمتابعة الإساءات الغربية :
ويندرج ضمن الإطار السابق وفيما يمثل تعزيزا لنهج ينطلق من قيم الإسلام والمعاصرة في الوقت ذاته قد يكون من المطوب تشكيل لجنة تختص بمتابعة مثل هذه القضايا تلحق بمنظمة أو بمؤسسة إسلامية مستقلة تقوم على تمويلها. ومن المتصور أن يكون دور هذه اللجنة بمثابة عمل «الإنذار المبكر» الذي قد يساعد علي احتواء مثل هذه القضايا قبل تفاقم آثارها كما قد تساعد في الوقت ذاته على دعم الحشد والمساندة للعمل الاحتجاجي حال كون القضية محل الجدل تستحق مثل هذا الأمر على شاكلة قضية الرسوم الدنماركية وهي القضية التي يمكن القول إنها مثلت مرحلة فاصلة في نوعية الإحتجاجات المسلمة على الإساءات الغربية بفعل رد الفعل الشديد من قبل الجماهير المسلمة وهو رد الفعل الذي قد تفيد دراسته في تعزيز المفاهيم والأسس التي ندعو إليها من خلال هذا الموضوع.
ولنا في ذلك أن نستفيد حتى ولو من الخصوم، فقد أنشأ الكاتب الأمريكي المتشدد دانييل بايبس والذي يتخذ موقفا معاديا للإسلام والمسلمين موقعا إلكترونيا على الإنترنت أسماه «كامبوس ووتش» لمراقبة أساتذة دراسات الشرق الاوسط والإسلام في الجامعات الأمريكية وتقييم كتاباتهم ومحاضراتهم بحيث تجري إدانتهم بسرعة إن ارتكبوا ما قد يسىء إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. وإن كان منطق إنشاء مثل هذه اللجنة مختلفا حيث لا يستهدف سلوكيات عدائية، وإنما إحتواء الأزمات في ذات الوقت العمل على دفع أي إساءة للإسلام بمنطق يتسم بالتحضر والرقي.
خامسا – تدشين جهد عملي لمواجهة الإساءة للإسلام :
يرتبط بما سبق ضرورة العمل على تكثيف الجهد من أجل توفير إطار قانوني دولي يوفر مناخا يحرم المساس بالأديان والإساءة إلى رموزها . ولا يجب أن يرتبط هذا الجهد بنشوب أزمة وينتهي بخمودها على غرار ما حدث مع قضية الرسوم المسيئة للرسول. فالاقتراح الذي قدمه القرضاوي في 3 فبراير 20006 بالضغط على الهيئات الدولية لسن قوانين تحمي المقدسات والأنبياء ومقاطعة حكومات الدول لم يلق المتابعة الكافية لكي يجد طريقه الى التطبيق. وعلى هذا ينبغي الاستفادة مما يجري الآن من أجل وضع رؤية الأزهر وغيره من المؤسسات بشأن الوثيقة المبدئية لتحريم ازدراء الأديان،تمهيدا لتقديمها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى، للتصديق عليها.
سادسا : تقدير التباين الحضاري مع الغرب :
يحتل هذا الجانب مكانة محورية على صعيد مكانة والنظر لقضية حرية التعبير في السياقين الحضاريين الغربي والإسلامي حيث انها فيما تعتبر مقدسة في الأول ينظر إليها بتحفظ في العالم الإسلامي حيث المبدأ الحاكم يقضي بعدم المساس بالمعتقدات والرموز الدينية للأديان كافة. وعلى ذلك فإننا في كل أزمة نجد الغرب يقدم مبدأ حرية التعبير باعتباره مبدأ مقدسا لا يجوز المساس به. وهو ما انعكس مثلا في موقف البرلمان الأوروبي بشأن قضية الرسوم الدنماركية حيث اتخذ قرارا في 16 فبراير 2006 بضرورة حماية حرية التعبير والرأى ورفض فرض قيود على هذه الحرية أو على وسائل الإعلام المختلفة، ورغم التأكيد على وجود نوع من التشوه والتحيز في الرؤية الغربية بشأن حرية التعبير فإن الفهم الكامل لأبعاد الموقف الغربي لا يمكن أن يتم إلا مع الأخذ في الاعتبار الاختلاف الثقافي والحضاري هناك عنه في العالم الإسلامي .
لقد وصل الغرب إلى مرحلة تاريخية تجاوز معها المقدسات الدينية ونزع عنها كل صفات التقديس بغض النظر عن إنشائه لمقدسات أخرى غير دينية على رأسها محرقة اليهود أو غيرها. وفي ظل هذه الأجواء فإن الأديان أو الأنبياء ليس لهم نفس المكانة التي يحظون بها في العالم العالم الإسلامي ... فإنه ليس لله او الأنبياء او الشعائر الدينية المهابة نفسها التي يقوم على الأمر في ثقافة المسلم. ويؤكد ذلك تناول المسيح في الغرب وهو أكثر قداسة لديهم من النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصل الأمر بتشويه صورة المسيح إلى حد تقديمه على المسرح والسينما ك»سوبر ستار» يرقص ويغني ويشرب والحديث عن غرامه بمريم المجدلية وغير ذلك الكثير.
سابعا – الحد من الانطلاق من نظرية المؤامرة:
فليس كل عمل يمس الإسلام والمسلمين ينطلق من مؤامرة تقف وراءها الدول الغربية وقد يكون بعضها عملا فرديا لا تقف وراءه أجهزة أو خلافه. وما الفيلم المسىء في حدود ما تم الكشف عنه حتى الآن سوى نموذج لذلك، فليس للإدارة الأمريكية علاقة به وهذا ليس دفاعا عنها وإنما توضيح للحقائق، وكما ذهب وزير الدفاع الأمريكي نظيره المصري فإن الفيلم لا يعبر إلا عن رأي من صنعه. والخلاصة أنه من الصعب قبول أن كل الإساءات تأتي في إطار مفهوم الحملة المنظمة فبعضها يأتي عفويا ويعبر عن رؤى وانطباعات شخصية تمس في مجملها الصورة الذهنية في الإدراك الغربي عن الإسلام والمسلمين وهو ما يعني أن جانبا من الإساءات إنما يعود إلى الجهل بالإسلام في الغرب.
يجعلنا ذلك نأمل أن تكون أزمة الفيلم المسىء بمثابة فرصة لاعادة صياغة تعاملنا مع أنفسنا ومع العالم الخارجي تحديدا .. وأن نستفيد من الدروس التي نواجهها .. الأمر الذي يبدو غير متحقق حتى الآن في ضوء ما نراه من انطباق المثل القائل بما أشبه الليلة بالبارحة .. فلقد كانت معركة الدفاع عن حرمة الرسول في الفيلم المسىء على شاكلة معركة الدفاع عنه في الرسوم المسيئة .. حيث لم تقدم لنا كمسلمين غير أسوأ صورة عنا بوصفنا لا نعرف الدفاع عن رموزنا ومقدساتنا إلا من خلال الاعتداء على رموز ومقدسات غيرهم من اتباع العقائد الأخرى ومعتنقيها فكانت النتيجة النهائية تحويل المسلمين من ضحايا إلى معتدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.