أنا من اسعد المصريين باستعادة ميدان التحرير.. وتحريره من البلطجية الذين وضعوا أيديهم علي هذا الميدان الذي ارتبط بثورة شباب مصر في يناير 2011.. وإذا كان الخواجة الفرنسي «هوسمان» أو «أوسمان» كبير مهندسي بلدية باريس هو الذي خطط هذا الميدان وجعله شبيهاً بميدان النجمة أي الاتوال في قمة شارع الشانزيليزيه اذ تلتقي عنده أو تتفرع من عدة شوارع اصبحت هي مع الميدان «سرة» ميادين القاهرة.. فإن التاريخ نفسه يحفظ لنا اسم الخديو إسماعيل الذي جدد شباب القاهرة التي كانت قد تجمدت عند مجرد «القاهرة الفاطمية» فأضاف إليها مع مهندسه الأول علي باشا مبارك وزير الاشغال هذه الواجهة الحديثة، أي القاهرة الخديوية.. وظل هذا الميدان يحمل اسم «ميدان الإسماعيلية» نسبة إلي الخديو إسماعيل.. بل وتم وضع قاعدة علي الطراز الروماني وسط هذا الميدان وكان مخططاً أن يوضع تمثال للخديو اسماعيل فوق هذه القاعدة.. ولكن التمثال كان كما كان صاحبة سيئ الحظ فوصل إلي القاهرة بعد قيام ثورة يوليو 1952 بأيام.. فلم يتم تركيبه أو وضعه فوق هذه القاعدة التي تمت إزالتها عندما تقرر تحويل المنطقة تحت هذه القاعدة إلي محطة لمترو الانفاق.. وراح التمثال كما راحت القاعدة.. كما رحل صاحبهما إلي عالم النسيان.. المهم أن هذا الميدان الذي تحول إلي اسم ميدان التحرير لا يتذكر الناس ان اسمه الرسمي هو ميدان أنور السادات تحول إلي مركز لثورة يناير بحكم موقعه المتوسط في العاصمة المصرية.. وبحكم انه - ايضاً - اكبر ميادين القاهرة بحكم طوله وامتداده من أول شارع قصر العيني عند قصر جناكليس مقر الجامعة الأمريكية جنوباً.. وإلي ميدان عبدالمنعم رياض شمالاً خلف المتحف المصري.. تحول هذا الميدان إلي مقر للثورة المصرية واصبح في شهرة ميدان سجن الباستيل وسط باريس، غير بعيد من متحف اللوفر وحدائق قصر التويلري في العاصمة الفرنسية. ولكن ميدان التحرير - بعد فترة من اندلاع الثورة - تحول إلي مركز للباعة الجائلين.. بعد أن رحل عنه الثوار الشباب.. ولم يعد يحمل من اسم الثورة إلا الذكري الطيبة.. وأمنياً اصبح الميدان مركزاً للبلطجة.. الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود.. وكان لابد من تحريره من سطوة البلطجية والباعة الجائلين، خصوصاً بعد ان تحول إلي بؤرة تقلق رجال الأمن وتهدد استقرار العاصمة.. إلي أن وقعت أحداث الفيلم المسيء للرسول الكريم وتحركت الجماهير وتجمعت في هذا الميدان.. وهاجمت مقر السفارة الامريكية وكان ما كان.. واستغل الأمن هذا الحدث.. فتحرك، وشهدت ساعات الفجر التحرك الأمني الضروري تحت اشراف وزير الداخلية واشتراك محافظ القاهرة ومدير الأمن بها وتمت عملية تحرير الميدان الذي تحول إلي ساحات لبيع حمص الشام، وغرز لتدخين الشيشة وتقديم أكواب الشاي.. وصحون الكشري.. والاهم صار الميدان ساحات للمعارك بين أصحاب المحلات من جهة والباعة الجائلين من جهة أخري.. وعاد «التحرير» ميداناً يجمل العاصمة بعد أن كان قد اصبح مكاناً للعصابات.. كانت تعيش علي «حس» الثورة والثوار وعاد الميدان لمهمته الاساسية ويبقي أن تبدأ عملية تجميله من جديد وزراعته بالاشجار والزهور.. وهذه أعتقد انها لن تتأخر طويلاً.. المهم الا نسمح مرة أخري باستعادة البلطجية للميدان لتتحول العملية إلي كر وفر.. والأهم هنا هو أن نتحرك بمجرد وقوف أي بلطجي أو وضع أي «نصبة» فيه.. أي علينا أن نتحرك مع أول تحرك للبلطجية حتي لا نواجه مشاكل الازالة الجماعية التي تحتاج إلي قوات وأمن ودعم من كل السلطات. وهنا علينا أن نعي الدرس أي إذا أردنا الاحتجاج علينا أن نشاهد كيف يتظاهر أو يحتج أي شعب في أوروبا أو أمريكا.. أي تقف أو تتحرك المظاهرة فوق الرصيف والويل كل الويل أن ينزل متظاهر من الرصيف إلي نهر الشارع.. هناك يكون الأمن بالمرصاد.. وإذا كنت أتابع عمليات إزالة الباعة الجائلين من الشوارع رغم أنها بطيئة ربما خوفاً من وقوع اصابات أو أي تعاطف جماهيري معهم.. إلا أنني أري حزماً بدأ بميدان التحرير كم أتمني ان يمتد إلي أي منطقة اخري، بكل حزم وحسم وسرعة.. وان يعودوا من حيث جاءوا مستغلين انسياب الأمن وضياع هيبة السلطة أو الشرطة وبشرط الا ننقلهم إلي حديقة الازبكية التاريخية أو إلي فناء متحف المركبات الملكية في بولاق أبو العلا. وكم أتمني أن تمتد هذه الحملات التي تعيد الأمن للشوارع إلي كل مدن مصر، صغيرها وكبيرها.. وان نتذكر أن كل الأسواق التي عرفتها مصر كانت تتم خارج المدن بل وخارج القري.. وتذكروا اسواق القري لتعرفوا الحقيقة. مرة أخري أري ضرورة وضع قوة أمنية - ولو مؤقتاً - في ميدان التحرير لمراقبة الموقف أولاً بأول.. منعاً لإعادة تكدس البلطجية في الميدان بطريقة أو بأخري. نريد عودة الأمن.. وان نحفظ للميدان هيبته وتاريخه ولا يتحول إلي ما تحول إليه ميدان السيدة عائشة بالقاهرة أو حتي سوق الامام الشافعي كل يوم جمعة.