حفظ اللسان من الغيبة والنميمة من الاعمال التى يحبها الله سبحانه وتعالى وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، وإِنَّ شِرَارَكُمُ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ". وإذا كان الثرثارون أقبح الناس أخلاقا كانوا من شرار الناس؛ وإذا كانوا من شرار الناس، كانوا أقبح الناس أخلاقا لقبح صفاتهم، وسوء أفعالهم. ومن أسباب الحسرة يوم القيامة أن يجلس العبد مجلسا ثم يقوم ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شئ من الكلام الحرام، فكيف الحال إذا كان المجلس كله خوض في الباطل، أو وقوع في الغيبة والنميمة والبهتان، والسخرية والاستهزاء نسأل الله تعالى السلامة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".[16]. وكما لا يجوز الخوض في الباطل لا يجوز سماع الباطل، ومجالسة من يخوض فيه، فإن المستمع شريك المتكلم. قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾. و من أسباب دخول النار عياذًا بالله أن يخوض العبد مع الخائضين، فإذا تكلموا في الدنيا تكلم معهم، وإذا ولغوا في أعراض الناس ولغ معهم، وإذا سخروا واستهزؤوا سخر واستهزأ معهم، وإذا خاضوا في آيات الله تعالى خاض معهم، فاستحقوا بذلك النار؛ لأن هذه صفات المجرمين. قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾.[18]. قال الطبري رحمه الله: أي وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه. وقال ابن كثير رحمه الله: أي نتكلم فيما لا نعلم. وقال قتادة رحمه الله: كلما غوي غاو غوينا معه. عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي". وإنما كان الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب لأن القلب لا يلين إلا بذكر الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.[4] فذكر الله تعالى هو غذاء القلب، ومصدر قوته، وترياقه الشافي له من الشهوات والشبهات، وبل هو حياة القلب، فإذا انقطع ذلك عنه ضعف القلب وتمكنت منه أمراض الشهوات والشبهات فقسى، فاستحق البعد عن رحمة الله تعالى، أعاذنا الله من الخزي والخذلان. وروى مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ: "يَقُولُ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ. وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ".[5]