منذ سنوات عديدة تسعى وزارة التربية والتعليم لإصلاح المنظومة التعليمية في مصر؛ للخروج من حيز التأخر في تطوير المنظومة التعليمية، والانطلاق للعالمية، وذلك للحاق بركب الدول المتقدمة تعليمًيا، وتماشيًا مع التوجه العام للقيادة السياسية في مصر بشأن النهوض بالتعليم لبناء جيل قادر على مواكبة المتغيرات في محيطه العالمي. ومنذ أن تولى الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، الحقبة الوزارية، عكف على تبنى منظومة جديدة للتعليم عُرفت إعلاميًا ب"منظومة التابلت"، حيث تقرر عمل تغيير جذري في شكل ونظام التدريس، علاوة على تغيير نهج أسئلة الامتحان لتعتمد على خلاصة الفهم بدلًا من الحفظ والتلقين، وتقرر تطبيق النظام الجديد بداية من العام الدراسي المنقضي على طلاب الصف الأول الثانوي بشكل تجريبي؛ وذلك للتعرف على المنظومة الجديدة على أرض الواقع. وبين مؤيد ومعارض للنظام، انطلقت وزارة التربية والتعليم في طريقها نحو تطبيق المنظومة الجديدة التي عُرفت فيما بعد ب"النظام التراكمي"، الذي يتلخص في جمع درجات سنوات الدراسة لطلاب الثانوية العامة وأخذ متوسطهم كمجموع لدخول الجامعة، وذلك للقضاء على فكرة "بعبع" الثانوية العامة عند الطلاب والأهالي بحسب ما أعلنته الوزارة قبيل تطبيق المنظومة الجديدة. وبعد مرور سنة دراسية كاملة على المنظومة الجديدة ظهر عدد من الإيجابيات جعلت البعض يتيقن من مزايا المنظومة، وبرزت أيضًا عدد من الثغرات التي كانت من شأنها إفساد جهود وزارة التربية والتعليم على مدار سنة كاملة جاء في مقدمتها: وقوع منصة الامتحانات"السيستم"، وعدم تدريب المدرسين على الشكل التدريسي الجديد بشكل كافٍ، مما جعل البعض على شك من نجاح هذه المنظومة بل وصل الحال بالبعض لتوقع فشلها ووقف العمل بها. وفي هذا السياق، علق أحمد سامح، طالب في الصف الثاني الثانوي على النظام الجديد، قائلا:" إن نظام التعليم الجديد الخاص بالثانوية العامة المعروف ب"نظام التابلت" يُعد فكرة جيدة للتطبيق العملي التي تعتمد بشكل كبير على الفهم أكثر من الحفظ والتلقين ولكن لديه بعض المشاكل التى جعلته يظهر بصورة سلبية لدى طلاب دفعته، مشيرًا إلى أن المنصة المخصصة للإمتحانات تعطلت كثيرًا أثناء الإختبارات أكثر من مرة وهو ما جعلهم في حالة اضطراب وقلق دائم من وصول إجابتهم وتولد لديهم مخاوف من استمرار النظام على هذا النهج. ووصف كريم الخولي، طالب في الصف الثاني الثانوي، نظام التعليم الجديد، بأنه جيد للغاية ولكنه يحتاج إلى بعض التعديلات التى تجعله أكثر يسرًا وتسهيلًا على الطلاب، قائلًا "النظام كويس بس عايزين نعرف المصادر اللي نذاكر منها ايه لأن المذاكرة من الكتب طبعا مش هتنفع وعلشان كدة بنقول النظام صعب لأن مذاكرة الكتب ملهاش علاقة باللي بيجي في الامتحان والمناهج محتاجة تعديل". وذكرت نوران مصطفى، طالبة في الصف الثاني الثانوي، أن النظام الجديد سيكون له دور كبير في إصلاح منظومة التعليم في مصر لكن بشرط أن يتم معالجة كافة المشكلات التي ظهرت خلال العام التجريبي المنقضي، مشيرة إلى أن المشكلة الأبرز خلال العام الماضي تتمثل في عدم جاهزية منصة الإمتحانات الإلكترونية مما أدى لحدوث خلل كبير. وطالبت "مصطفى"، وزارة التربية التعليم بضرورة إصلاح مشاكل "التابلت" وعيوب "السيستم" المخصص لإداء الأمتحان بالإضافة إلى التخفيف من صعوبة الأسئلة وجعلها في مستوي الطالب المتوسط، لافتة إلى أنه في حال حل هذه المشكلة سيكون لهذا النظام شأن كبير في المستقبل القريب. فيما قالت منه السيد، طالبة في الصف الثاني الثانوي، إن نظام التعليم الجديد غير جيد على الإطلاق خاصة وأنه يعتمد على الفهم في ظل عدم تعديل المقررات التي تعتمد على الحفظ والتقلين فقط مما يجعل هناك اختلاف دائم بين المقرر وبين الاختبارات الموضوعة من قبل الوزارة. وأضافت " السيد"، أن المدرسين غير مؤهلين للتعامل مع التابلت على الإطلاق، لافتة إلى أن بعض المعلمين القائمين على تدريسها يُطالبون منهم مساعدتهم في استخدام التابلت وليس العكس كما هو مطلوب". وأضاف نور الدين، طالب في الصف الثاني الثانوي، أن نظام التعليم الجديد يعمل بصورة عشوائية نظرًا لتعدد القرارات التى اتخذتها وزارة التربية والتعليم خلال هذا العام بشأن منظومة التابلت، منوهًا إلى أن جميع القرارات غير مرضية لهم وأخر هذه القرارات ضم علمي علوم وعلمي رياضة معًا بالإضافة إلى جعل مجموع الصف الثاني الثانوي مقياس لدخول الكلية. ورأى محمد إبراهيم، أحد طلاب الصف الثاني، أنهم غير مؤهلين للسير مع هذه المنظومة المعروفة ب"منظومة التابلت"؛ نظرًا لكونهم اعتادوا على الأسئلة المعتمدة على الحفظ والتلقين، منوهًا أن المعلمين غير قادرين على استيعاب أو توقع مثل الأسئلة التي كانت بالورقة الإمتحانية في نهاية العام. وبدوره، استنكر بسام علي، ولي أمر، الحالة التي كان عليها الطلاب العام الماضي، قائلًا:"أنا لا أعلق على النظام بشكل عام لأنني لست بخبير ولكني أتحدث عن حال عدد من الطلاب من بينهم ابني الذي كان لا يدرس كما كان من قبل وكان دائمًا يردد أن الأمتحانات ستكون سهلة عليه دون وعي كامل بأن هذه السنة هي للتأسيس وسيُبنى عليها السنوات المقبلة". وأضاف إبراهيم محمد، ولي أمر، أنه يريد فقط أن يطمئن على مستقبل ابنته وأن يضمن لها حقها في الحصول على درجات عادلة، وأن يتفادى أخطاء التصحيح الورقي التي عانى منها الكثيرون في السنوات الماضية. وعلق مدرس لغة عربية رفض ذكر اسمه، أن التدريب الذي خضعوا له، ليس بكافٍ لمواكبة التطوير الذي يحدث في منظومة التعليم، قائلًا:"العام الماضي شعرنا أننا مكتفوين الأيدي لا ندرك ماذا نفعل ولا ندرك كيف سيكون شكل الورقة الأمتحانية أخر العام والطلاب جميعهم كانوا في حالة كبيرة من الرفاهية". وقال آخر، إن المنظومة الجديدة ستكون خطوة قوية نحو إحداث نقلة نوعية في التعليم بمصر، ولكن هناك عدد من الثغرات مثلت عائق في العام الماضي، مطالبًا الوزارة بوضع حلول لكافة المشكلات التي ظهرت وعمل دورة تدريبية متكاملة للمعلمين حتى يستطيعوا التأقلم مع النظام الجديد. ومن جانبه، قال الدكتور محمد عبد العزيز، الخبير التربوي، إن نظام الثانوية الجديد يفتقد للعديد من العناصر الهامة التي قد تُساعد في تطويرالمنظومة التعليمية؛ نظرًا لعدم وجود رؤية واضحة للمنظومة، علاوة على عدم وجود خطة متكاملة للإعلان عن ما سيتم في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أن النظام الجديد يمثل تغير سطحي للنظام السابق فقط من خلال تغير نمط التقييم والأمتحان للطلاب دون تغيير فعلي في المناهج أو أساليب التدريس التقليدية التي اعتاد عليها المدرسون والطلاب منذ سنوات. وأوضح " عبد العزيز"، أن تطبيق المنظومة الجديدة كان له أضرار متعددة جاء في مقدمتها فرار خريجي الإعدادية من الالتحاق بالثانوية العامة خوفًا من المستقبل غير المعلوم مع هذه المنظومة التي لما تحقق نجاحًا بارزًا -على حد تعبيره-، بالإضافة إلى نشوب حالة من التوتر بين الطلاب وذويهم من هذه السنة التي تعتبر سنة تجريبية مما جعل عدد كبير من الطلاب يستهونون بها، لافتًا إلى أن المعايير التي تم من خلالها وضع الاسئلة الخاصة بامتحانات الصف الأول الثانوي هذا العام على النظام الجديد ب"التابلت"، تفتقد الكثير من العناصر المهنية الهامة. وأضاف الخبير التربوى، أن معاييرالورقة الامتحانية تتضمن وضع أسئلة من داخل المنهج الدراسي المقرر على الطلاب، علاوة على الاعتماد على بعض الأسئلة التي تقييس القدرات العقلية لهم بالطريقة التي تم التدريب عليها خلال السنة الدراسية كاملة، على عكس ما تم هذا العام فالطلاب والمدرسين لما يكونا على استعداد لتطبيق هذه المنظومة، مؤكدًا أن وزارة التربية والتعليم أغفلت في إعلانها عن نجاح المنظومة الجديدة رأي الخبراء والمتخصصين في مجال تطوير التعليم، بالإضافة لإغفالها آراء أولياء الأمور والطلاب الذين طالبوا بوقف هذه المنظومة في الحال والعودة للطريقة القديمة. وأشار، إلى أن هناك العديد من المشاكل التي ظهرت خلال العام الدراسي المنقضي والتي على رأسها اعتماد الطلاب على الغش داخل لجان الامتحانات ليس سرًا فحسب بل بمعرفة كافة المراقبين وبمعرفة الوزارة بحد ذاتها، بالإضافة إلى زيادة الدروس الخصوصية، قائلًا:"الطلاب لما عرفوا أنهم هيدخلوا اللجان بالكتب وبعض المدارس سمحت لهم بالدخول بالملازم الخاصة بهم حدث لهم حالة من اللامبالاة وأضاعوا على أنفسهم عامًا كاملًا كان من المفترض أن يكون أساس للصف الثاني والثالث". وتابع:"دورنا كخبراء تربويين والمتخصصون في شأن تطوير المناهج والتعليم بشكل عام أن يحددوا لوزارة التربية والتعليم ثغرات هذا النظام والطرق المثلى للارتقاء بالمنظومة ككل"، مؤكدًا أنه إذا استمر الحال كما هو عليه ستفشل المنظومة الجديدة وتأخذ بيد التعليم في مصر وتسقط به إلى الهاوية -على حد وصفه-. بينما رأت الدكتور ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، أن وزارة التربية والتعليم اتخذت خطوة للأمام في حل العديد من المعوقات التي تعاني منها المنظومة التعليمية من خلال تطبيق نظام الثانوية العامة الجديد على الطلاب هذا العام، مشيرة إلى أن المنظومة الجديدة لم تُحقق نجاحًا كبيرًا وبها العديد من الثغرات التي يجب أن نسعى لحلها في أسرع وقت. وأفادت "نصر"، أن أبرز ثغرة ظهرت في العام المنقضي هي عدم جاهزية البنية التكنولوجية والتي بدورها أدت لحدوث خلل أثناء أداء الأمتحانات على التابلت لدى بعض الطلاب مما جعلهم يضطرون للامتحان بالشكل القديم، لافتة إلى أن الوزارة تعلم هذه المشكلات ومن المتوقع أن تضع لها حل جذري قبل انطلاق ماراثون عام 2019 /2020. وطالبت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، من وزارة التربية والتعليم بتحري الدقة والمهنية في معالجة هذه الثغرات حتى لا يتكرر سيناريو العام المنقضي، مشيرة إلى ضرورة العمل على توقع الأزمة قبل حدوثها ووضع حلول لها حتى إذا حدثت يتم التعامل معها بالشكل الأمثل. وذكرت، أن المعلمين يحتاجون لفترة تدريب على أسئلة امتحانات النظام الجديد التي أصبحت تعتمد على الفهم أكثر من الحفظ والتلقين، علاوة على توفير عدد أكبر من المدرسين بكافة المدارس ليتم حل هذه المشاكل، حتى وإن كانت بشكل جزئي التكدس الطلابي بالفصول، مؤكدة أن تدريب المعلمين على طريقة التدريس و طرق وضع الامتحانات الحديثة سيحقق نجاحات كبيرة ويُساهم في نجاح المنظومة الجديدة بنسبة أكبر مما هي عليه الآن. وتواصلت "الوفد" مع الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، للتعليق على كل هذه الأمور، وصرح أن الوزارة اتخذت عدة إجراءات لتفادي مشكلات السيستم وإنه تم وضع حلول جذرية لكافة المشكلات التي برزت في العام الماضي، مؤكدًا أنه تم دراسة كافة العيوب وإصلاحها حتى يخرج هذا العام بالشكل المرغوب الذي يرضى الطلاب وأولياء أمورهم. وأشار "شوقي"، إلى أن هناك تطور كبير في شكل الأمتحانات ومنظومة التصحيح الإلكتروني جعلت نسبة الدقة في النتائج أكبر بكثير من الورقي، موضحًا أن الإجراءات التي تم اتخاذها تتمثل في: زيادة القدرة الاستيعابية للسيرفر، بالإضافة إلى حظر أي شخص خارج مصر من الدخول على منصة الامتحانات، وإتاحة خطط بديلة لطريقة عمل الامتحانات مثل الحصول على الامتحان من خلال السحابة الإلكترونية. وأكد وزير التربية والتعليم، أن الوزارة وضعت خطة واضحة منذ أول يوم لتطبيق المنظومة الجديدة، قائلًا:"وضعنا خطة لنسير عليها في تطبيق النظام الجديد ووضعنا خطط بديلة في حالة حدوث أي خطأ مثل ما حدث في العام الماضي علاوة على عقد مؤتمرات ومناقشات مع المجتمع والآن وقت التنفيذ ووفينا بجميع ما وعدنا به". وأوضح، أن الطلاب يتعلمون سريعًا وأنهم قدموا مستوى جيد في العام الماضي، مشيرًا إلى أنهم سيتدربون على النظام بشكل أكثر هذا العام، وعندما يفهمون فلسفة هذا النظام المعدل المبني على الفهم سيجدون فيه متعة التعلم. وبخصوص المصادر البديلة للكتب المدراسية، نوه على أن هناك ما يقرب من 7 آلاف فيديو على بنك المعرفة يستطيع الطالب أن يطلع عليهم في أي وقت يريده، علاوة على وجود عدد من المناهج والبرامج التفاعلية. وفيما يخص بعدم الاستعانة برأي الخبراء علّق "شوقي"، قائلًا:"الوزارة تستعين بكبار الخبراء في التعليم من مصر ومن دول أخرى لها شأن كبير في هذا المجال وذلك بهدف إعداد النظام الجديد وتقويمه والخبراء الأجانب منبهرين بالنظام الإلكتروني وأشادوا بخطة مصر في تطوير التعليم". واختتم:"نطمئن أولياء الأمور أننا نبذل قصارى جهدنا لمصلحة أبنائنا الطلاب وأننا لا يمكن أن نضرهم بأي شكل من الأشكال ونحن نتحمل أي أخطاء، وندرس أي شكوى تأتي من قبل الطلاب للتغلب عليها "، موضحًا أنه تم الاستجابة على الفور من شكوى الطلاب من ثقل القلم الإلكتروني وتم استبداله بقلم آخر هذا العام. وبدوره، علق الدكتور محمد عمر، نائب وزير التربية والتعليم والتعليم الفني لشئون المعلمين، على ما قيل بشأن عدم تلقي معلمو الصف الاول الثانوي التدريبات اللازمة، قائلًا:"يتلقى معلمو الصفين الأول والثاني الثانوي تدريبات بشكل مستمر على مدار العام الدراسي سواء على آلية استخدام التكنولوجيا الحديثة في المنظومة التعليمية الجديدة حتى يتمكنوا من التعامل مع السبورة الذكية المتواجدة في الفصل أو التابلت، أو على طريقة التقويم الجديدة المعتمدة على أسئلة تقيس مدى فهم واستيعاب الطالب ويتدربون على طرق الشرح الجديدة في ظل تلك الفلسفة". وتابع في تصريحات خاصة ل"الوفد"،:"الوزارة تؤمن تمامًا أن واجبها تأهيل المعلم وتدريبه بشكل يليق بنظام التعليم الجديد، لأن من حق الطلاب وجود معلم مؤهل جيدًا داخل الفصول، وبالفعل بدأت التدريبات للمعلمين لهذا العام من 14 سبتمبر الجاري".