فجأة، وبعد أحداث رفح المأساوية التى عجلت بإقالة المشير وجنرالات الجيش هطلت المليارات فجأة من الحكومة على أهالى سيناء، وكأن الأموال وحدها هى التى ستنقذ أرض السلام والفيروز والشهداء من براثن الارهاب والجماعات المسلحة التى نجحت على مدار السنوات الماضية فى سكن جبال سيناء واتخاذها مواطن لنشر أفكارهم المسمومة تحت وطأة السلاح واستغلال فقر البدو واهمال الحكومة لهم.. فهل ينجح مال الحكومة فى محو عار إهمال هذا الجزء الغالى من البلاد وتركه فريسة لأعداء الوطن طيلة كل هذه السنوات أم أن حرب استعادة سيناء الى حضن الام الحنون ستستمر لسنوات حتى يمكن تخليصها من بؤر تجار السلاح والمهربين والمرتشين والخائنين والجاهزين للتعامل مع «الموساد»؟ وإلى متى تستمر النظرة المقصورة تجاه ابن سيناء على أنه جاسوس أو مهرب مخدرات أو تاجر بشر ولا يستحق أن يمتلك الأرض التى ولد فوق رمالها وجبالها ويعرف جيداً كل دروبها؟! وما حجم الفاتورة التى ستدفعها الدولة الآن لاستعادة سيناء أو بالأحرى اعادتها الى ما قبل أن تغزوها وتعشش بها غربان الإرهاب؟! فقبل أيام تابعنا جميعاً التدفقات المالية التى ضختها القوات المسلحة لتنمية سيناء وانشاء خمس محطات لتحلية المياه وحفر 50 بئرا وغيرها من المشروعات التنموية. ورصدت حكومة الدكتور هشام قنديل ثلاثة مليارات لإقامة 4 مشروعات اقتصادية عاجلة بها وخطط لتوطين نحو أكثر من مليون مواطن بها وتطوير المجرى الملاحى فى قناة السويس واستصلاح الاراضى وتجديد الخامات التعدينية بسيناء. وبحسب العديد من الخبراء فإن مختلف السلطات الأمنية والسياسية التى تعاملت مع سيناء على مدى العقود الماضية لم تفهم سيناء ولا عادات اهلها كما ان نظام الرئيس السابق حسنى مبارك قد اخضع سيناء طيلة حكمه لتوجهات الأجندة الأمريكية والاسرائيلية والتى كانت ترى ضرورة الابقاء على سيناء خالية وتفريغها من البشر والحجر حتى تكون أرضا للمساومات والصفقات ومن الممكن ذات يوم أن تكون وطنا بديلا للفلسطينيين كما تريد اسرائيل. ويرى د. سعد الدين ابراهيم عالم الاجتماع ومدير مركز ابن خلدون أن العبرة فيما يحدث فى سيناء ليست فى الوقت الذى تأخرناه لكى نفتح ملف سيناء ولا فى الوقت الذى تستغرقه الحملة العسكرية عليها لاستعادة سيطرة الدولة وضمها للأراضى المصرية، ولكن كعالم اجتماع درس سيناء ومشاكل أهلها يقول: العبرة الرئيسية فيما يتم هو التعامل مع جذور مشكلات أهل سيناء والتى تجعل أرضها بيئة صالحة دائما للعنف والإرهاب فأهل سيناء لهم مظالم تاريخية بدءا من الاعتراف بمصريتهم قولا وفعلا وتمليكهم الأراضى وتعريف المصريين بما قدمه أهل سيناء من تضحيات، فلم ينجح محافظ واحد فى التعامل مع أهل سيناء وفهم مشكلاتهم الحقيقية إلا رجل واحد فقط هو اللواء المرحوم منير شاش. ولا يزال أهل سيناء يذكرونه بالخير ولو لم نفهم طبيعة أهل سيناء فلن يستطيع أحد التعامل معهم ولن يستطيع أحد أن يخضعهم ولو كانت قوات الناتو ذاتها ربما تستطيع أن تخضعهم سطحيا لكن بعد مرور الوقت سنكتشف أننا لم نفعل شيئاً فلابد من دراسة طبيعة أهل سيناء حتى يكون ولاء أهل سيناء لمصر الدولة قولا وفعلا وليس فى شكل شعارات تتردد فى المناسبات. وأوضح سعد الدين ابراهيم ان ارض سيناء تشبه تماما ارض اليمن بالوديان والجبال الموجودة بها والعناصر التكفيرية التى استوطنتها تريد ان تتحول الى يمن أخرى أو افغانستان ولا يمكن لأى قوات مسلحة أن تخضعها بالكامل ولابد من تعاون البدو وأهل سيناء بشكل تام ولابد من تغيير النظرة الامنية لهم فالبدوى السيناوى من وجهة نظر الأمن إما انه جاسوس أو مهرب مخدرات أو تاجر بشر. ويشير محمد زارع رئيس المنظمة العربية للاصلاح الجنائى الي ان سيناء كانت خارج اهتمامات مبارك وكان يختصرها فى طابا وشرم الشيخ واعتبرها طيلة حكمه مخزن رؤوس الأموال له ولأصدقائه مثل حسين سالم وغيره وحتى الشرطة التى كانت موجودة هناك كانت لها مهمتان رئيسيتان إما حماية مبارك نفسه أو حماية السياحة فى طابا وشرم الشيخ وبعض الأماكن الأخرى لكنه لم ينظر اليها نظرة استراتيجية ووطنية فلم يهتم بزراعة سيناء أو توطين المصريين فيها هذا مما ساعد على انفلات الوضع الأمنى فيها حتى قبل الثورة بكثير. لافتا الى أن سيناء لها خصوصية كبرى وهى بوضعها الحالى مثال فج لغياب الدولة لذلك أضحت مكاناً خصباً للعنف وتجارة المخدرات والارهاب مطالبا بإعادة صياغة شكل العلاقة مع اهل سيناء ومع سكانها وإلا تكون تحركاتنا فيها مقصورة على الشكل الأمنى فقط. وقال محمد بيومى القيادى بحزب الكرامة: منذ سنين طويلة تتعرض سيناء لحالة من الاهمال الشديد أمنيا وسياسيا واقتصاديا وعلى كل الاصعدة مشيرا الى ان اللوم الحقيقى اليوم يوجه فى الأساس الى مبارك وعصابته الذين حكمونا 30 سنة دون ان ينظروا بشكل جاد الى سيناء ومتطلباتها الحقيقية ولم يهتموا بها ولا بالعمل على تغيير الاتفاقيات المذلة التى انتقصت السيادة المصرية على أرض سيناء. والمطلوب الآن من وجهة نظر بيومى تطهير سيناء من كل البؤر الإجرامية والإرهابية الموجودة بها مهما تكلف ذلك أو أخذ من وقت, مع احترام حقوق الانسان وعادات وتقاليد أهل سيناء ولابد من اعادة النظر فى الملاحق الأمنية واتفاقية كامب ديفيد ووضع المنطقة (ج) كما لابد من خطة واضحة المعالم ومحددة لتطوير سيناء مشيرا إلى أنه يصعب الآن وفى الظروف الحالية أن نستبعد عدم تكرار ما حدث فى رفح أو تكرار الهجوم على القوات المسلحة والشرطة. وأشار محمد بيومى إلى أننا لو تعاملنا مع المسألة على اننا نحارب جهاديين أو بمعنى أوضح بعض المنتمين للتيارات الاسلامية وتساهلنا فى ذلك نتيجة الوضع الموجود ما نجحنا فى شىء ولابد أن يكون الأمن القومى المصرى له الأولوية الكبرى بغض النظر عن أى انتماءات دينية أو سياسية. وأضاف الخبير الأمنى والاستراتيجى اللواء طلعت مسلم إلى أن المهم فى موضوع الحملة العسكرية على سيناء لا يرتبط بحجم القوات المسلحة المشاركة فى الحملة او حتى تكلفتها وهى بالقطع مئات الملايين من الدولارات فى حال إن استمرت شهرين حسب تصريحات وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى وإن كان تقديرى أنها ستستمر 6 أشهر لكن المشكلة الحقيقية أننا نتعامل مع عدو يضرب ويجرى.. نوع من حرب العصابات فى بيئة صعبة للغاية فيها وديان وجبال وكهوف يصعب اختراقها بالاضافة الى المساحة الشاسعة التى يتحرك فيها هؤلاء التكفيريون والارهابيون الذين يمتلكون أسلحة حديثة جدا فالمهمة فى سيناء صعبة جدا جدا، كما أن بعض الارهابيين الذين ينتمون للبدو من الممكن أن يختفوا تماما بعد أى عملية ارهابية. وأشار طلعت مسلم إلى أنه لا يستبعد أن يقدم بعض هؤلاء الارهابيين فى حال اشتداد الحملة عليهم علي ضرب بعض المدن أو يقومون ببعض الأعمال الارهابية داخل الوادى والدلتا، مؤكدا أن بعض الموجودين هناك عادوا من أفغانستان والعديد من مناطق الصراع التى كانت ملتهبة فى العالم ويتمتعون بخبرة ارهابية وقتالية قوية. وهو ما أكده الخبير الأمنى اللواء محمد الحسينى – عضو الهيئة العليا بحزب الوفد- مؤكدا أن البؤر الارهابية الموجودة فى سيناء تفوق الخيال وهناك قسم من هؤلاء يتبعون اسرائيل وقسم آخر يتبع التنظيمات الارهابية، ونظام مبارك كان يعلم تماما بوجود هؤلاء لكنه كان يتركهم حتى يمكنه أن يستخدمهم فى ظروف معينة. ويطالب الخبير الاقتصادى د. طارق شعلان أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية والمتحدث باسم اللجنة الاقتصادية لحزب النور – بسرعة تعمير وتنمية سيناء معتبراً ذلك الحل الأمثل لتطهيرها من بؤر الإجرام والإرهاب. مشيراً إلى أن هناك استثمارات كورية وماليزية تريد أن تفتح خطوط انتاج جديدة لها فى مصر وخصوصا فى سيناء لكن بشرط تطهيرها من البؤر الاجرامية ومن المليشيات التى استوطنتها بعد الثورة مستغلة الفوضى والانفلات الأمني.