انعدام الثقة بين المواطن ورجل الشرطة أحد الموروثات التى خلفها النظام السابق الذى سخر جميع أجهزة الأمن لحمايته وبسط نفوذه فى الحكم وأهدر كرامة الشعب وتخلى عن حمايته، حتى ظهر العداء جليًا بين الشارع والأمن فى أحداث ثورة 25 يناير وتصدى قوات الشرطة بكل غطرسة للمواطنين العزل حتى تحول الأمر إلى ثأر شخصى بين المواطن والضابط فانهارت المنظومة الأمنية ومعها غاب الأمن عن الشارع وحلت الفوضى والبلطجة وحوادث السرقة والاغتصاب محل رجال الأمن فى الشارع وبالتالى لا سبيل للقضاء على العنف والانفلات إلا بإعادة بناء جسور الثقة بين رجال الشرطة والمواطنين حتى يطمئن كلاهما على سلامته حيال الآخر ومن ثم يعود الأمن مجددًا. يرى العقيد محمد محفوظ، منسق حركة ضباط شرفاء أن وزارة الداخلية مازال بها قيادات كبرى تديرها كما فى السابق قبل الثورة الأمر الذى أدى إلى عدم اكتراث الضباط والقيادات بخطورة غياب الأمن وما يسببه من انفلات واضح يؤدى حتما إلى تصاعد وتيرة العنف ويخدم مصالح البعض المدافعين عن الفوضى وعدم الاستقرار وعزز من شعور اللامبالاه لدى الضباط البراءات الكثيرة التى حصل عليها رجال الشرطة فى قضايا قتل المتظاهرين بخلاف براءة مساعدى العادلى الستة الذين حازوا البراءة أيضًا الأمر الذى أشعر الضباط بأن الثورة هى السبب فيما آلت إليه الأوضاع فى مصر وأن تعاملهم مع المواطنين قبل الثورة هو التعامل الأمثل، يضاف لما سبق خوف الضباط من التعرض لمطالب الأفراد والأمناء الفئوية الراغبين فى زيادة مرتباتهم تجنبًا لإعلان تمردهم وهو ما يؤدى إلى تفاقم الأمور وأشار إلى أنه لو تمت محاسبة المخطئين من رجال الشرطة على أفعالهم لما حدث تقصير البتة فى اداء جهاز الشرطة هذا إلى جانب عدم اطمئنان المواطن إلى ضابط الشرطة واعتباره عدوًا يجب اجتنابه، مشيرًا إلى ضرورة إعادة بناء جسور الثقة بين رجل الشرطة والمواطن البسيط لأن مساندة رجال الأمن ودعمهم أمر حتمى تفرضه أولويات المرحلة الراهنة فى مصر حتى نتجنب مخاطر جمة لا قبل لنا بتحملها إذا ما أدرنا ظهورنا لهم وتخلينا عن مسئوليتنا تجاه وطننا وأوضح العقيد مصطفى حسن أن الانفلات الأمنى فى مصر مسئولية مشتركة بين الشرطة والشعب الذى يتحمل عبء عدائه لرجال الأمن وذلك رغم وجود نماذج مشرفة لمواطنين يساعدون الأمن فى تحقيق الاستقرار المنشود، ولكن الغالبية من المواطنين يتخذون موقفًا من الأمن لدرجة أوقعت الشرطة فى حيرة من أمرها فإذا تصدوا بحسم وجرأة لمظاهر العنف تخرج الأصوات التى تستنكر أداء الشرطة وأنها لم تتعلم مما حدث لها فى الثورة وإذا تعاملت بشىء من المرونة تتعالى الأصوات التى تتهم الشرطة بالتقصير، وأضاف أن ما يزيد من احتقان رجال الشرطة عدم اعتراف المجتمع بشهدائها الذين سقطوا ضحية الانفلات الأمنى لدرجة جعلت الضباط يخشون الوفاة خلال أداء عملهم لأنه ليس هناك من يعوض أسرهم وكأنهم غير مصريين. ويؤكد المقدم محمد عفيفى، رئيس مباحث أن الشرطة تعمل فى ظروف صعبة للغاية باعتبار أنهم الطغاة المستبدون الذين ارتكبوا الجرائم التى شهدتها مصر مشيرًا إلى أن الشعب المصرى قد تناسى أن النظام الذى كان يستبدهم قد زال وأنه يجب إعادة النظر فى الموقف من الشرطة لأنهم جزء من نسيج الشعب وأنه كجهاز أمنى قد طاله الفساد كما طال مختلف المؤسسات فى الدولة وأنه قد آن الأوان لتصحيح المسار ومساعدة رجال الشرطة على القيام بالمهام الموكلة إليهم. ويوضح العقيد أحمد جلال أن هناك زيادة غير مبررة فى السلوك الإجرامى وتصاعد العنف لدرجة أن الجرائم التى يجرى التحقيق فيها وتم القبض على مرتكبيها تفوق كثيرًا القضايا التى كان يحقق فيها فى السنوات الماضية وأشار إلى أن الدولة بجميع مؤسساتها مسئولة عن الانفلات الأمنى وليس الداخلية بمفردها لأن الانفلات تجاوز حدود الأمن إلى مرحلة جديدة من الانفلات تعرف ب«الاخلاقى» لأنه بالنظر إلى معظم الجرائم التى ترتكب حاليا هى جرائم قطع طرق ومشاجرات وهذا النوع لا يتم ايقافه إلا بوجود دولة قوية قادرة على الحزم وشدد على أن وزارة الكهرباء مثلاً مسئولة ومرفق المياه مسئول بشكل أو بآخر والحكم المحلى أيضا مسئول وليس الداخلية بمفردها المسئولة عن الفراغ الأمنى. ويؤكد الدكتور محمود أغا أستاذ علم النفس أن هناك أزمات نفسية يعانى منها رجال الشرطة يقع على عاتق المسئولين ايجاد حلول عملية لها قبل مطالبتهم بالنزول إلى الشارع ومنها ضرورة معالجة آفة اشعار القيادات لهم بأنهم سادة البلاد والكافة من بعدهم عبيد لديهم هذا بخلاف شعور الضباط أنفسهم بأن الثورة قامت ضدهم وبالتالى فهم أول ضحايا الثورة، وأشار إلى عدم تفاؤله بتغييرات جذرية فى الشرطة إلا إذا تغير النظام الدراسى بالكلية وأنهم فى خدمة الشعب كونهم مواطنين مصريين.