الأخضر الإبراهيمي هذه المرة كمبعوث أممي في سوريا. وهنا يكمن اللغز من الأمين العام للجامعة العربية العربي ونائبه بن حلي اللذين يعرف القاصي والداني مواقفهما من محنة الأشقاء السوريين. ليس أقلها دعوة العربي الشهيرة إلى إحكام البند السابع لكن مع تشديده على عدم استخدام القوة ضد حكم الأسد. ولا يمكن لعاقل أن يتوقع أن يخرج الإبراهيمي كما لم يخرج عنان عن هذه المواقف مهما كان. عليه لا بد أنهما أخذا في الاعتبار عند ترشيح الإبراهيمي تصريحاته السابقة التي رفض فيها التدخل في سوريا. وهذا يُفسر بدوره تكفل بن حلي وقل انفراده في الحديث عن اجتماع طارئ للوزراء العرب للمصادقة على ترشيح الإبراهيمي . مع أن التجارب السابقة تفيدنا بأن الاجتماعات «الأكثر طارئة» بشأن مأساة السوريين كانت لا تقل عن شهر في أقرب بعد زمني لها. لكن في المقابل وبحسن الظن قد يكون الرجلان قد أدركا أهمية العامل الزمني. و «إن الوقت قد داهمنا» . لا بد هنا من التنويه بدور مشابه محموم قام به بن حلي «باسم العرب» وبذات العجالة في التأسيس لما سمي حينها ب «مجلس الحكم الانتقالي» في العراق بعد الاحتلال. والذي أسس عمليا لمبدأ المحاصصات الطائفية والعرقية التي فُرضت من قبل الدخلاء على أصلاء العراق فرضا. ثم تهافته مع الإرادة الإيرانية لعقد القمة العربية في العراق. للإبراهيمي كانت صولات وجولات في الأزمات الدولية. آخرها في العراق. ففي هذا البلد المنكوب يُحسب للرجل دور بعد الاحتلال في وضع أسس النظام السياسي الحالي الذي يعني عمليا «تسليم العراق إلى إيران على طبق من ذهب» كما اشتكى البعض وإن كانوا مشاركين في هذا الفعل منذ البداية. لكنها «حسرة الخائب» لا أكثر. لكن في الحقيقة الإبراهيمي لم يكن إلا ما رضي لنفسه أن يكون أولا منفذا لمخطط معد مسبقا من قبل الاحتلال وأعوانه. وثانيا أن يكون متعاطفا مع توجهات إيران وأتباعها في العراق. وهذا ما يجب على أهلنا السوريين أن يحذروا منه. وقد يُفسر سبب اختيار «زعيمي الجامعة العربية» له. سواء بإرادة الفلول ورجال أعمال نظام مبارك وما يوعدون بهم من صفقات إعمال في العراق أو تمشيا مع الموقف الرسمي للحكومة الجزائرية المؤيد لحكم عائلة الأسد الدموي. فيما يتعلق بمخطط الاحتلال لم يكن للإبراهيمي أي رؤية خاصة به عند بدء مهمته في العراق. والحقيقة بناء على هذه التجربة وغيرها يمكن القول إنه ليس للرجل بشكل عام رأي فيما يخوض به «وسيطا» من أزمات بقدر التزامه بتنفيذ أجندة سابقة. وهي في الغالب أجندة الأقوى. بما يتيح له بناء مجد دبلوماسي من خلال السباحة مع التيار. وهذا ما أقر به بشكل ضمني. عندما يشترط توافقا مسبقا في مجلس الأمن على مهمته. لا أن يضع هو الخطة ويضع الأطراف الدولية بشأنها أمام مسؤولياتها. هذا ما تجسد وبشكل عملي في حالة العراق. فقد كان مجرد منفذ لما يعرف ب «اتفاق أربيل» سيء الصيت الذي توافق عليه أعوان الاحتلال تحت رعايته، تمهيدا له. بناء عليه لم يأبه الإبراهيمي لحقيقة أن القوى المحركة لهذا الاتفاق إيرانية الأصل والمرجع الديني والسياسي. ومن يدور في فلكها مصلحيا هم من هوامش العراقيين. وبهذا ألغى عمليا دور أهل العراق الأصليين وتجاهل مصالحهم. رغم عقده بعض اللقاءات الشكلية معهم. قد يبرر بأنه تصرف بواقعية سياسية. لكن ذلك تدحضه حقائق الواقع العراقي. فتركيزه مثلا على التعامل حينها مع ما كان يعرف ب «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» على أنه الممثل الأكبر إن لم يكن الوحيد الأهم لتمثيل سكان جنوب العراق «باسم طائفي» لم يكن له أساس من الواقع. لأن الحجم الحقيقي لهذا المجلس الذي أفرزته الانتخابات اللاحقة لا يتعدى أصابع اليد من النواب في البرلمان بما يعكس تمثيلهم أقلية إيرانية في المجتمع العراقي. فضلا عن أن المجلس تأسس في إيران وجل أعضائه من الإيرانيين. لكن الإبراهيمي تجاهل حينها هذه الحقائق وإن كان يدركها. وأخذ بمدى قرب هؤلاء من المحتل وإيران على حد سواء. واستعدادهم للتنازل عن كل العراق مقابل تمكينهم السلطة فيه. وفي كل هذا رجح الإبراهيمي مصلحته الشخصية في بناء المجد الدبلوماسي وإن ظل العراق وأهله حتى اليوم يدفعون ثمن هذا المجد بأرواحهم وأموالهم ومستقبلهم. إلى ذلك أسهم هذا التعاطف مع الرؤى الإيرانية. والتغاضي والتعامل السطحي للإبراهيمي مع ملف العراق في التأسيس لما ترتب لاحقا من نظام ودستور أُلغيَ بمقتضاهما وجود العراق ك «دولة أصالة» لسكان تمتد جذورهم بغض النظر عن تنوع معتقداتهم إلى بدء الخلق في هذا البلد. وتحويله بإرادة حاقدة لمن يعرفون ب «العراقيين الجدد» إلى «عراق جديد-عراق المكونات». ما أتاح لهؤلاء الدخلاء تسيده من خلال إخفاء هوياتهم الحقيقة والتماهي في المجتمع تحت مسميات وعناوين طائفية فئوية. وفي ذات التوجه أسست مهمة الإبراهيمي لما تم في الدستور لاحقا من إلغاء لهوية العراق العربية مع أن العرب يشكلون أكثر من %85 من سكانه. والاكتفاء فقط بالإشارة إلى أن العراق عضو في الجامعة العربية. وأن «المكون العربي» جزء من الأمة العربية. وحتى هذه العبارة الأخيرة رغم مظهرها المهدئ للبسطاء. إنما تعني في الحقيقة سلب العرب حقهم الشرعي في أراضيهم التي هي واقعا معظم أرض العراق. ما يؤسس قانونيا لإمكانية تهجيرهم من قبل أية قوة «إيرانية إذا ما أخذ في الاعتبار المخططات الجارية». كل هذا مرره لهم نائب الرئيس في عهد الاحتلال بموافقته المعلنة والموثقة على الدستور. لكن لم تكن هذه خدمة كافية على ما يبدو للإبقاء عليه في منصبه. وهكذا بقيت معاناة كل العراقيين قائمة مع هذا الدستور الذي رسخ عمليا وجود «الدولة الصفوية الموسوية الجديدة» في العراق. وكانت بداياتها مع الدورين المحوريين لابن الحلي والإبراهيمي. نقلا عن صحيفة العرب القطرية