ثقبتنى قشعريرة الفزع.. لا شىء مبرر.. لا القتل ولا السحل ولا تلك الكراهية العمياء التى أدار بها الجنرال معركته ضد شباب الثورة. فى نوفمبر الماضى، كنت هناك أناشد بقايا إحساس لدى رفقاء الثورة من جماعة الاخوان أن يساندوا شبابا سلميا خرج غاضباً على العسكر. كنت أراهم يسقطون مخضبين بدمائهم ويلقون فوق القمامة فلا يحمر وجه، ولا يتوارى أناس خجلا من لامبالاة الانتهازية. كنت ومعى فئة من الشباب نخاطب المروءة الإسلامية فى شارع محمد محمود لنوقف سفح دوارق الدم المصرى على الأسفلت ولم نجد مغيثا. ذكّرت أحدهم بحديث النبى عليه الصلاة والسلام القائل: «لا يقف أحدكم بموقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه». لكنه أعرض وناء بجانبه. قلت لهم إن الله يقول فى حديثه القدسى: «وعزتى وجلالى لأنتقمن من الظالم فى عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم يفعل» لكنهم كانوا أقرب للالتزام بأوامر مولاهم مرشد الجماعة. وقتها صمتوا على الظلم طمعاً فى مقاعد البرلمان، بينما رضت أرواح الشيخ عماد عفت، وانس بما عند ربك، فهو خير وأبقى. ورغم اتساع مسافة الشك، وتعدد نقاط الاختلاف، وشعورى باللارتياح تجاه الحاكمين الجدد فقد فرحت بشدة بقرار إقالة المشير وصحبه. شعرت بالطمأنينة لخروج العسكر من حلبة السياسة. وكنت أقول ومازلت إنه ما أفلح قوم ولوا عساكرهم، لكن هالنى أن يقلد الرئيس «مرسى» قلادة النيل الى المشير طنطاوى.. أن يمنحه هو ورجاله صكوك البراءة المسبقة.. أن يفتح له طريق الخروج الآمن.. أن يسلمه حصانة المعتزل المكرّم.. أن يدفع له ثمن تحالفه معه ومع جماعته من دم الشهداء والمصابين. فى يوم محمد محمود كان المسئول المباشر عن المعركة اللواء حمدى بدين، قائد الشرطة العسكرية، كان الرصاص يصطاد محاجر المعتصمين فى سادية مخيفة.. كانت الغازات السامة تخنق الميدان دون هوادة.. كان الخوف يدفعنا أن ننكر بلادنا ونفقد أى تعاطف مع عساكرها. وفى ظل رئاسة المشير طنطاوى لمصر لم يحاسب الرجل على تعرية فتياتنا، ولم يسئل عن شباب الورد الذى قطف، ولم يحقق معه حول تلك المجزرة. خرج حمدى بدين إلى الظل دون مساءلة، وكرم أعضاء المجلس العسكرى كأبطال. والآن آن الأوان أن يكفّر الرئيس مرسى عن خطايا جماعته، وأن يهيئ لنا القدرة أن نغفر لهم تخاذلهم وتجاهلهم للدم المسفوك فى معارك الثورة والذى لولاه ما جلسوا فى مقاعدهم. إننى أطالبه بما لديه من صلاحيات أعتقد أنها مطلقة أن يحاكم المسئولين عن مذبحة محمد محمود، وأن يقدم لشعب مصر قربان الندم على جريرة سكت عنها قادته ومناصروه. والله أعلم