يشير عقرب الساعة إلى الساعة الواحدة ظهرًا ، ويقترب اليوم من نهايته داخل محكمة الأسرة بزنانيرى، الجميع يلملم أوراقه استعدادًا للرحيل، متنازعون، محامون، موظفون، والعمال يتأهبون لترتيب القاعات ومحو ما أصابها من فوضى طوال اليوم، لكن حال "تامر" صاحب الثلاثين ربيعًا كان مختلفًا، فالرجل الثلاثيني ذو الوجه الشاحب والشعر المجعد والهندام المرتب لا يزال في مستهل رحلة بحثه عمَّن يساعده في إنهاء إجراءات إنذار زوجته العشرينية بالدخول في طاعته بعد تركها لمسكن الزوجية لرفضه تدهينها وتعاطيها للمواد المخدرة بحسب روايته، وظل لفترة يتنقل بجسده الذي يحارب عوامل الزمن والتعب بين المكاتب حتى وصل فى نهاية سعيه إلى مبتغاه. يقول الزوج الثلاثيني في بداية روايته: "تزوجتها منذ ما يقرب من عام، وقد سبق لها الزواج قبلي، فهي ابنة عمي وأنا أولى الناس بها، وأكثرهم حفاظًا عليها وإكرامًا لها، وتكبدت بمفردي تكاليف تأثيث مسكن لها كما لو كانت عروسًا لم يسبق لها الزواج من قبل، لأفاجأ بعد أن جمعنا بيت واحد أنها تدخن السجائر وبشراهة، وحدثتها مرارَا وتكرارًا بأن تكف عن التدخين، لكنها ضربت بكلامي عُرض الحائط، واستمرت في ممارسة عادتها المشينة، ولم أكن أعلم وقتها أن الأمر ليس فقط مقتصرًا على التدخين وأن ماتخفيه أعظم ، حتى شاء القدر أن يفضح أمرها وأكتشف أنها تتعاطى الموادة المخدرة أيضًا". تسيطر علامات الغضب على ملامح الزوج الثلاثيني وهو يتحدث عن تفاصيل الليلة التي قصمت ظهر زواجه القصير:"يومها عدت إلى البيت فى ساعة مبكرة على غير العادة، منهكًا من عناء يوم عمل طويل، وطوال الطريق كنت أمني نفسي باللحظة التى ألقى بها بجسدى المتعب على السرير وأغرق فى سبات عميق، ولكن ما كان ينتظرني جعل النوم يخاصم جفونى للأبد، فما إن خطت قدمي عتبة الباب حتى فوجئت بدخان كثيف يعبأ أرجاءه، وبقايا مواد مخدرة، ولفافات أوراق بيضاء وأعقاب سجائر متناثرة على الطاولة، وزوجتى جالسة بمفردها تنفث دخان سجائرها المحشوة بلحظات سعادة زائفة باستمتاع وتبدو غير واعية لما يدور حولها". يحاول الزوج السيطرة على الارتعاشة السارية في أوصاله وهو يقول: "لم أتمالك نفسي أمام هذا المشهد المخزي، وانفجر بركان غضبي في وجه زوجتي الشاحب، وسألتها منذ متى وهي تتعاطى المخدرات في بيتى، وكيف تمكنت من خداعي طوال هذة المدة، ألهذه الدرجة هي امرأة تتقن إخفاء حقيقتها القبيحة، فأجابتني بنبرة متبجحة: "أنا حرة وأعمل اللي أنا عوزاه"، ثم أدارت ظهرها لي ولملمت أغراضها ورحلت إلى بيت والدها، وقتها فقط أدركت سبب عدم رغبتها في مرافقتي لأداء العمرة رغم إلحاحي عليها، وإصرارها على البقاء بمفردها طوال الوقت في غيابي، كانت تريد أن يخلو لها الطريق كي تتعاطى ما تريد وتفعل ما تريد دون أن يفتضح أمرها أمامي، وتظل في عيني المرأة المظلومة المغلوبة على أمرها، والتي عانت سنوات وسنوات، وذاقت المرار على يد زوجها السابق، وتنازلت عن حقوقها لتتخلص منه". يطلق الموظف الثلاثيني ضحكة ساخرة وهو ينهي روايته: "هرعت إلى بيت والد زوجتي كي أشكو له أفعالها وألقي على مسامعه خبر تعاطي ابنته للمخدرات واهمًا نفسي بأنه سينصفي وسيقوم سلوك ابنته، لكن فوجئت به يوبخني على اعتراضي وانفعالي عليها، ويردد نفس كلماتها بصوت يسكنه البرود وكأنه كان على علم بالأمر: "هى حرة تعمل اللي عاوزة تعمله"، فتسمرت في مكاني من هول ما سمعت، وطلبت منه أن ننهي هذه الزيجة بهدوء وبشكل ودي، لكن بشرط أن تتنازل زوجتي عن كافة حقوقها من مؤخر ونفقة متعة وعدة وكذلك منقولاتها الزوجية التى لم تشترِ منها سوى مطبخًا باليًا نظير خداعها لي طوال عام، فرفض وثار عليَّ وطردني، لتحرك زوجتي بعدها دعوى طلاق للضرر، وتتهمني فيها بإهانتها وعدم الإنفاق عليها وطردها من البيت على غير الحقيقة، فلم أجد أمامى سبيلًا آخر سوى أن أنذرها بالدخول في طاعتي وأنا على استعداد أن اسامحها إذا وعدتني بأن تكف عن تعاطي المخدرات والسجائر، فخراب البيوت ليس أمرًا سهلًا".