نعم !!! إنهم " فى كوارثكم مذبوحين وفى فرحكم منسيين" ، إنهم شباب مصر الذين لا نتذكرهم و لانستحضرهم الا فى الكوارث والمصائب لتسفك دمائهم وتزهق أرواحهم، يموتون ويحيا سواهم، فنحن شباب جيل يدفع منذ ميلاده على هذه الأرض ضريبة انتمائه لها. لن أتحدث بلغة السياسة وأتناول مجزرة رفح وقضية الحدود فهناك من هم أكثر منى دراية وقدرة على الحديث فى هذا الموضوع، ولن أتحدث بلغة علم النفس لأن النفس قد ضاقت عليها الدنيا بما رحبت، ولكنى سأتحدث بلغة نفهمها ونجيدها جميعا إلا من خلا قلبه منها وهى لغة الإنسانية. إن كل ما يحدث فى مصر من كوارث لا يذهب ضحيتها سوى الشباب، وكأن قدر شباب مصر وزهرة أحلامها أن تقدم دماؤهم قربانا على مائدة المنتفعين والطامعين والمتناحرين على السلطة. وليتنى أجد أى أحصاء لعدد من فقدنا من شبابنا من العام الماضى وحتى الآن فى أحداث كهذه. إنهم يدفعون الثمن ولا يحصلون على شىء سوى القهر والإحباط فى كنف وطن يتفنن فى سلبهم أحلامهم وشبابهم، وطن يشعرون فيه بالقسوة والحرمان والظلم. هناك أمم تعانى من الشيخوخة وتحتضر وتتمنى لو لديها كنز مثل شبابنا لتستثمره وتبنى به مستقبل أفضل لها، ونحن بدلا من أن نبنى لشبابنا مستقبل نحفر لهم قبورا ونلقي بهم فيها ثم ندير لهم ظهورنا. قدر هائل من الألم والحسرة يعتصرنى ويعتصر كل من لا زال لديه قدر من الإحساس عندما يشاهد صور هؤلاء الشباب الذين أهدرت دماؤهم وأصبحت أرخص ما يباع فى وطن فقدنا فيه آدميتنا. وطن دفعنا دماءنا فيه ثمن لرفاهية من باعوه رخيصا. سوف يمر حادث رفح وسوف ننسى مثلما نسينا شهداء مجزرة بورسعيد وغيرها من المجازر الصغرى والكبرى التى أصبحت جزءا من أحداث حياتنا اليومية، وسنواصل حياتنا ونتمادى فى تهاوننا بأرواح أبنائنا حتى يقع حادث جديد نفقد فيه شاب جديد، وتزهق فيه روحا جديدة لم تستنشق بعد عبير الحياة.إن ثأر هؤلاء الشباب ليس فقط القصاص بل إن ثأرهم – لو أردتم بالفعل أن تثأروا لهم – فى أن تشعروا بوجودهم. عفوا أيها المسئولين الكرام كلكم ذاهبون لأنكم ماضى وهؤلاء الشباب هم المستقبل، هم القادم ، افسحوا لهم الطريق، كفوا عن كتم أنفاسهم ، اسمحوا لهم بمساحات للتهوية. إن مشكلتكم الكبرى هي أنكم تنظرون لهم على أنهم أعباء تجلب المشكلات وهم فى الحقيقة وقود الحياة ونور المستقبل. إننا للأسف شعب ذاكرته ضعيفة وسرعان ما ننسى كوراثنا وخيباتنا، ولا نتذكرها الا عندما تحترق أجساد غالية أخرى مثل تلك التى أكلتها نيران الإهمال والإستهانة فى قطار الصعيد. نثور ونصرخ ونلعن ثم لا نلبث أن نصفق ونطبل ونهلل عندما يخرج علينا أحد المسئولين ليتعهد أنه لن يتهاون أبدا ، وكم من عهود قطعوها على أنفسهم ثم قطعوا بعدها رقابنا. يا من تتعهدون بتعقب الجناة عليكم أن تتعقبوا أنفسكم قبلا، والله لو لديكم أدنى درجات العدالة لحكمتم على أنفسكم حكما رادعا قبل حكمكم على القتلة. وفى النهاية نداء لمسئولينا فى كل عهد وكل نظام ... رفقا بنا رفقا بشباب مصر فدماؤنا أغلى من سعر زجاجة المياه المعدنية التى تروى ظمأ النفوذ لدى الطامعين فى السلطة.