( إذا ضاقت الدنيا بالرجل فللمرأة يلجأ؛ لا ليحتمي بها، ولكن ليحمي نفسه بنفسه في ظلها وبمدد قلبها، وكأن دقات قلبها هذه حجر الزاوية في صموده، فإن لم يجدها كانت الويلات) هل هذا هو الحب حقًا؟! هل هو موجود بالفعل؟!! أم محض خيال!!!! هل نثق بوجوده أم هو( شوية هوا بردين يردوا الروح في بلكونة ساعة عصاري)..... هذا ما يرد عليه وحيد في رواية ( رائعة العذاب) للكاتب ( عمرو يس)، والصادرة عن دار المثقفون العرب. تدور الرواية في إطار رومانسي اجتماعي. وحيد بطل روايتنا شخصية غريبة الأطوار، موظف يكره وظيفته، يميل للتحرر من قيودها، أب لثلاثة أبناء أقربهم (طاهر) لقلبه، تزوج زوجته عن حب، قابلها في أحد الأعراس ووجد فيها ضالته. وحيد شخص ذو فلسفة خاصة، مشاعره تبحث عن الكمال، عن الحب بصوره مختلفة( أنا معرفش ابقى لوحدي، السعادة أصلا واحدة ست أشاركها أحلامي وطموحاتي، طيشي وجنوني، راحتي وهدوئي، السعادة إنك تقسم كل حاجة علي اتنين، إني أبدأ الضحكة وهي تكملها، أزرف الدمعة فتمسحها، إني أفكر الفكرة فتفهمها، حياة تختلف كثيرًا عن حياة البهايم، وحياة الأكل والشرب) ولا يجد تلك الحياة مع زوجته فيظل يبحث عن ذاته. لوحيد صديق واحد( فهد)، يسافر ويتركه فيشعر بالغربة وحيدًا، فلكل منا نصيب من اسمه( تمر اللحظات بطيئة كئيبة بين الروح الواحدة المتفرقة علي جسدين؛ تتنازع أحدهما الهواجس وتنازع الآخر الأمنيات، فما أجمل أن يكون لديك صديق يشعر بك يتقمصك.. يلبس إحساسك ويلمس جراحك بيد شافية.. ناعمة.. رقيقة) كانت تلك اليد هي فهد الذي رحل وتركه. يعيش وحيد حالة من العزلة فيقابل ياسر ويتقرب منه، ويأخذه لمكتبة مصر الجديدة( مكتبة الحاج أشرف)، وتنشأ بينه وبين المكتبة علاقة حب، ولكنه يتعرض لحادث كبير يظل علي إثره بالمشفى لفترة طويلة؛ فيطلب من والده أن يستعير له بعض الكتب لتؤنسه في وحدته ليلًا، وهناك يتعرف ( عم سامي) والده على حنين، التي تختار لوحيد بعضًا من الكتب الرومانسية مخالفةً لطبيعته ولكنه يُعيب علي الكتاب تلك الرومانسية غير المنطقية، يرتبط وحيد بتلك الأنثى الشيكولاته . يرى وحيد في أحلامه تلك المحبوبة التي يغوص معها في الحب، ثم تضيع منه في قاع البحر مخالفة وعدها له بالبقاء، هل أخذك الحب حقًا وحيد؟!! نعم... ولكن أين محبوبتك؟!! يخرج وحيد من المشفى وقد أحب تلك التي ترسل له الروايات وتشاركه ذوقها؛ فيقرر الذهاب لرؤيتها، تأخذه بجمالها وحضورها الطاغي وحسنها وإشراقة وجهها، يتحدث إليها ثم يخرج وتنشأ بينهما في اللقاءات التالية قصة حب كبيرة لا يسعها الكون هكذا كان إحساس وحيد فعشقه لها يأخذه من نفسه ومن العالم من حوله. يرسل وحيد لحنين خطابًا بل خطابات تحمل ما بداخله من مشاعر وأحاسيس، يقرر أن يطلق زوجته؛ ليرتبط بحب عمره، الذي يُصدم فيه حين يعرف بأمر زواجها. يرفض وحيد مساعدة حنين في طلب الطلاق، فيجب أن يكون ذلك قرارها، النابع منها لا من حبها له. ( حنين) تلك الشخصية التي حيرتني كثيرًا وحيرت كل من قرأ الرواية، رومانسية حالمة( متمثلة في وحيد)، عاشقة للمظاهر المتمثلة في زوجها الثري والسيارة والشقة التمليك بمصر الجديدة تحب كمال وحياته المرفهة، وتتمني الخيال والرومانسية مع وحيد، تريد كل شيء، استعصت في فهمها علي الجميع بل أعتقد علي الكاتب نفسه، فقد كانت فرسة جموح، أجاد حقًا تصويرها وذلك حين جعلنا نتعاطف معها في بداية الرواية؛ حين شعرت بانتقاص حياتها وأحبت من زوجها الحياة الكاملة؛ وأخذت تدفعه نحو الكمال ليكون كاملا حقا، كما جعلنا نحب الحب معها ونطير في آفاق الكون الواسع ولا يسعنا من فرحتنا رغم براحه واتساعه حين تكون مع وحيد في عالمهما الخاص، وجعلنا تارةً أخرى نكرهها كرهًا شديدًا كما كرهها فهد بل ربما شاركنا فهد خطته لتخليص وحيد من وهم حبها، كذلك أشفقنا علي وحيد منها وفي نفس الوقت نتمنى أن يكون حبها له حقيقةً لا وهمًا. أبدع ( عمرو يس ) حقا في نقل كل تلك المشاعر مما جعل منها (رائعة العذاب). عاش وحيد وهو يعرف أن حنين لم تحبه يومًا، ولم تشعر به، فقد تركته لتعيش مع زوجها حين وجدت معه ما أرادت، فقد فضلت الحياة المرفهة علي الحب، ومن رحم عذاب وحيد ولدت رواياته، التي أهلته للترشح لجائزة البوكر العربية، إلا أنه مازال يعيش معها في عالمه الخاص، في حياته التي يراها رغم عذابه رائعة، ولأن (مأساتنا تكمن في السطور الأخيرة) فالفرحة لا تكتمل؛ حيث يقع وحيد لحظة تسلمه الجائزة ويفقد بصره نهائيًا، رغم كونه في قمة نجاحه، فدائمًا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. لم تعرف حنين ذلك الخبر، فقد خاف علي قلبها الرقيق أثر الصدمة، أو ربما خاف علي نفسه من فقدان بذرة الحب النابضة بقلبه، فقد عادت تحدثه وتهاتفه بعد أن قابلها صدفة من قبل سفره في أحد المولات، وذلك بعد أن ساءت العلاقة مرة أخري مع زوجها ولكنها عودة غير كاملة فلم تكن سوى اتصالات للاطمئنان وبث الحنين والحب من جديد رغم أنه لم يمت بقلب وحيد لحظة واحدة، وكان هذا الأمر مما اعترض عليه فهد وبشدة، بعد عودته حين ساءت حاله ورجع لمساعدة وحيد الذي أصبح كاتبًا مشهورًا، ولكن وحيد يصر علي حبه لها ( صالحت نفسي بيكي، كنت نستها ورجعت عرفتها، أنا كنت خلاص بصالح الدنيا كلها بيكي كان ناقص خطوة وارضى عنها). يعمل فهد في مجال المقاولات، ويفتتح شركة ( المسلم)، ويعمل معه (ممدوح)، الذى تتوثق علاقته بفهد ويعملا معًا، ويقابل فهد أسرة ممدوح، وتكون المفاجأة فممدوح كان طوقًا ذهبيًا في يد حنين كان زوجها كمال كانت صدمة فهد شديدة، كمن سقطت عليه مطرقة من السماء السابعة دون سابق إنذار أفقدته القدرة علي الحياة. كره فهد تلك الحنين، تحدث معها؛ عرف حقيقتها حين تحدث معها حديثًا مطولا عن الحب والزواج، وأخبرته حنين أن الحب يأتي بعد الزواج، وأن حب الشوارع ( مرحلة طيش وجنون) فالحب أكبر من كلمتين الحب أفعال كما يقول زوجها ممدوح. قرر فهد أن يكتب قصة حياة وحيد وما عاشه معه لحظة بلحظة، فسجل كل ما مر بهما من لحظات، ولكن وحيد يطلب منه كتابة كل شيء حتي ما كان بينه وبين حنين( افهم .. حنين دي واحدة رجعتني لنفسي في يوم. يذكر أن الكاتب "عمرو يس" من مواليد القاهرة عام 1984، وهو كاتب وروائي ومدرب تنمية بشرية، واختصاصى الصحة النفسية، ومستشار العلاقات الأسرية، وخبير فى علوم الإدارة الحديثة، وباحث في علوم التفكير الإبداعي. صدر له ثلاثة أعمال وهي: رواية " وهكذا اهتديت " ورواية " رائعة العذاب " وآخر أعماله كتاب " اكسبي جوزك ".