في رمضان من كل عام نترحم علي كبار مطربينا الذين تركوا لنا ميراثاً، وتراثاً كبيراً من الأغاني الرمضانية، والدينية، التي نعيش عليها الآن، عشرات من الأغاني والأدعية الدينية قدمها نجوم هذا الزمن مثل عمرو دياب وإيهاب توفيق ومصطفي قمر وحمادة هلال وجنات وشيرين، لكن هذه الأسماء لم تستطع رغم نجوميتها الكبيرة أن تنافس تلك الأغاني التي قدمها عمالقة الغناء مثل «رمضان جانا» لعبدالمطلب، تلك الأغنية التي تحمل كل مفردات الإبداع، التي جعلتها تعيش أكثر من نصف قرن، فالصوت الذي يؤديها من الأصوات التي خلقت مدرسة فريدة من الغناء لها خصوصيتها، وحضورها فهو ليس بالصوت الناعم الذي اعتدنا عليه في عالم الغناء العربي، لكنه صوت جهوري يتميز بخشونة الرجال، وترك العزوبة والنعومة لإحساسه الخاص، عبدالمطلب صاحب مدرسة غير تقليدية، فهو بمقاييس الشكل ونعومة الصوت لا يصلح، لكن هناك أموراً أخري جعلته لا ينافس، وصاحب شكل خاص الأداء فريد، وفي اختيار الكلمة لا يشبه أحداً، لذلك بقي وسيبقي أبد الدهر، وكلما جاء رمضان سوف يقدمه لنا بصوته «رمضان جانا» فالفرحة بهذا الشهر الفضيل تكتمل بهذا الغناء الجميل، هذا هو عبدالمطلب الذي عجزنا عن إيجاد بديل يمتعنا غيره، والذين حاولوا أن ينافسوه سقطوا، وذهبت أعمالهم إلي عالم النسيان بعد لحظات من عرضها، وبالمناسبة هذا العيب ليس في الأصوات هذه لكن العيب في عقولهم، هناك مناطق في الغناء لا يجب أن يقتربوا منها مهما حدث، ومهما كانت المغريات، فالمطرب ليس صوتاً أو شعبية أو نجومية، لكنه مجموعة عوامل منها حسن الاختيار ماذا يغني، ومتي يغني، ولمن يغني؟.. هناك صوت آخر لا يجب أن نتجاوزه، وهو أحمد عبدالقادر صاحب أغنية «وحوي يا وحوي» هذا الصوت الذي اشتهرت أغنيته أكثر من اشتهار اسمه بين عموم الناس، وحوي يا وحوي أغنية غير تقليدية بالمرة، عمرها الفني تجاوز أيضاً النصف قرن، ورغم ذلك فهي الأغنية المفضلة للصغار والكبار، ولو أن هناك عدلاً في توزيع حقوق الأداء العلني، لأصبح مبدعو هذه الأغنية من أكثر الفنانين ثروة، فهذا العمل يذاع علي كل القنوات المصرية والعربية، وتم تحويلها إلي رنات علي الموبايل، واستخدمت في الفوانيس الصينية الصنع، ولو هناك عدل لأصبح أحمد عبدالقادر أحد أهم مطربينا علي الإطلاق، وإذا كنا كدولة دائماً لا نحترم الرموز فهذا الفنان تحقق له الكثير، ويكفي الناس تترحم عليه، وعلي صوته حتي ولو كانوا جاهلين باسمه. أما «مرحب شهر الصوم»، فهي لصوت عبدالعزيز محمود مطرب له شكل في الأداء الغنائي، ظهر في عصر كبار المطربين، وصمم أن يكون لنفسه مدرسة خاصة فتحقق له ما يريد، لأنه كان يعي تماماً أن للغناء أرضاً شاسعة، وملعباً خصباً، يتحمل الكثير من اللاعبين، المهم أن يحتفظ كل لاعب بوظائفه داخل الملعب، هكذا كان هذا الجيل من المطربين كل صوت منهم يعي إمكانيات وحدود صوته ويعي ما الكلمة التي يمكن أن تلقي عليه، والموضوعات التي يمكن أن يتناولها والشكل الموسيقي الذي يتناسب مع قماشة صوته، لذلك الكل في هذا العصر كان ملكاً في منطقته، نحن كان الاهتمام الأكبر بحليم وأم كلثوم وعبدالوهاب لكن باقي العمالقة لا يمكن لأحد أن يتجاهلهم. ومن بين الأمور التي تحسب للتليفزيون المصري هذا العام أنه أفرج عن مجموعة من الأدعية الدينية لكبار المطربين منهم فايزة أحمد ومحرم فؤاد وأصالة في لحن لحلمي بكر، وهذا مؤشر جيد خاصة أن الكثير من المهتمين بالموسيقي والغناء كانوا قد طالبوا بخروج هذه الأدعية إلي النور في ظل التراجع الفني للأدعية التي كانت تقدم في توقيت الذروة، وهو ما بعد أذان المغرب مباشرة، فكان يغني في هذه التوقيتات الأصوات النشاز التي كان يدعمها أنس الفقي الذي كان يري فيها الموضة، فظهر «الأخنف» و«الألدغ» وغيرهما، لذلك العودة للكبار سواء من الراحلين أو الذين علي قيد الحياة، هو نوع من إعادة المكانة لأصحابها.