قبل انطلاق تنسيق المرحلة الأولى للجامعات ..طب الأسنان خارج كليات القمة فى زمن الانقلاب    ديمقراطية العصابة..انتخابات مجلس شيوخ السيسي المقاعد موزعة قبل التصويت وأحزاب المعارضة تشارك فى التمثيلية    تحركات فورية.. مدبولي يستعرض نماذج استجابات منظومة الشكاوى الحكومية لعدة حالات    أوقات الصلاة في مرسى مطروح اليوم الاثنين 28 يوليو 2025    ارتفاع مؤشر داكس الألماني بعد اتفاقية الرسوم الجمركية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة    المشاط: السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية توفر إطارا شاملا لمواصلة مسيرة الإصلاح الاقتصادي    مبيعات عربية تقود هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف تعاملات جلسة الإثنين    وزير قطاع الأعمال يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات التطوير العقاري والمقاولات وإدارة الأصول    الجيش التايلاندي ينفي استخدام أسلحة كيميائية خلال العمليات العسكرية    خبيرة اقتصادية ألمانية تصف رسوم واشنطن الجمركية ال15% بعبء ثقيل    تقرير: سقوط مسيرتين في أربيل بشمال العراق    الكرملين لا يستبعد لقاء بين بوتين وترامب في سبتمبر في الصين    بعد حسم الصفقة.. الكشف عن موعد إعلان بايرن ميونخ لضم لويس دياز    الأهلي يواجه إنبي وديًا الثلاثاء استعدادًا للموسم الجديد    «مشكلة بدون داعٍ وبيراميدز عنده حق».. شوبير ينتقد قرعة الدوري    فيفا يعقد اجتماعا تنسيقيا مع بيراميدز استعدادا لمباراة أوكلاند سيتي بكأس الإنتركونتيننتال    موعد جلسة محمد يوسف مع أليو ديانج لفتح ملف تجديد التعاقد    حملات الدائري الإقليمي تضبط 18 سائقا متعاطيا للمخدرات و1000 مخالفة مرورية    40 مئوية في الظل.. «الأرصاد» تكشف مدة استمرار الطقس الحار وتوصي بهذه النصائح    انتظام امتحانات النقل للدور الثاني في الغربية للعام الدراسي 2024- 2025    تحت تهديد السلاح.. تفاصيل واقعة تعدي عامل خردة على تيك توكر بمدينة 6 أكتوبر    رغم أنباء دخولها حالة صدمة شديدة.. فيروز تشارك في جنازة توديع ابنها الأكبر زياد الرحباني    مراسل القاهرة الإخبارية: استمرار دخول المساعدات المصرية يحد من معاناة أهالى غزة    150 عنوانا للقومي للترجمة في معرض الإسكندرية ال10 للكتاب بخصم 25%    نورا ناجي تفوز بجائزة رضوى عاشور للأدب العربي في دورتها الأولى    يوسف معاطي يكشف سبب اختيار سميحة أيوب ل «تيتة رهيبة»    الصحة: لجنة متخصصة للوقوف على جميع التفاصيل المتعلقة بوفاة طالبة في مستشفى خاصة    محافظ أسيوط يتفقد مبادرة إعادة تدوير رواكد الأخشاب إلى مقاعد دراسية    تصعيد خطير ضد الوجود المسيحي بفلسطين.. مستوطنون يعتدون على دير للروم الأرثوذكس    النصر ورونالدو.. بوابة جواو فيليكس نحو كأس العالم    كشف ملابسات قيام أحد الأشخاص بإلقاء مادة حارقة على سيدة بالقليوبية    خروج جثمان زياد الرحباني من المستشفى وسط حشد كبير من الجمهور (صور وفيديو)    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 28-7-2025 في محافظة قنا    السّم في العسل.. أمين الفتوى يحذر من "تطبيقات المواعدة" ولو بهدف الحصول على زواج    حكم استمرار الورثة في دفع ثمن شقة بالتقسيط بعد وفاة صاحبها.. المفتي يوضح    مقتل 4 أشخاص جراء أمطار غزيرة وفيضانات في شمال الصين    تمرين ينظم نسبة السكر في الدم لدى مصابي السكري.. احرص عليه    "بطاقة لكل عبوة".. مصدر يكشف موعد تطبيق منظومة "التتبع الدوائي"    وكيل الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في غزة مدمرة    أمين الفتوى: الصلاة بالبنطلون أو "الفانلة الداخلية" صحيحة بشرط ستر العورة    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    حسين الشحات يكشف كواليس تجديد عقده ويعلق على شائعات رحيله وخلافه مع محمد يوسف    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    الصحة العالمية : مصر أول بلد بالعالم يحقق المستوى الذهبي للتخلص من فيروس C    طلاب الأزهر يؤدون امتحانات الدور الثاني في مواد الفرنساوي والجغرافيا والتاريخ    الأرز والعدس.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية اليوم الإثنين 28 يوليو 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 28-7-2025 بعد ارتفاعه الأخير في 5 بنوك    هدي المفتي تكشف علاقتها ب ويجز لأول مرة: "مش مقربين"    بالصور.. اصطدام قطار بجرار أثناء عبوره شريط السكة الحديد بالبحيرة    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    "خرج عن مساره".. وفاة 4 أشخاص في حادث قطار بألمانيا    بالأسماء.. 5 مصابين في انقلاب سيارة سرفيس بالبحيرة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 28 يوليو    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    إدريس يشيد بالبداية المبهرة.. ثلاث ميداليات للبعثة المصرية فى أول أيام دورة الألعاب الإفريقية للمدارس    الباذنجان مهم لمرضى السكر والكوليسترول ويحمي من الزهايمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد محمود عجاج يكتب :سورية والمستقبل: إشكالية الديموقراطية
نشر في الوفد يوم 23 - 07 - 2012

أصبح موضوع الديموقراطية في سورية واحداً من القضايا المسكوتِ عنها، على اعتبار أنه من المسلَّمات التي لا خلاف عليها في الظاهر. لكن هذا الإشكال، بحكم الواقع وبسبب ارتباطاته بمستلزمات داخلية ومتطلبات خارجية، تتزايد أهميته يومياً، ويحمل مخاطر جمة، ليس فقط على تطورات الأحداث المؤلمة فحسب، إنما على مستقبل سورية. هذا الموضوع نوقش في ندوة عقدت في قطر، دعا إليها مركز العلاقات العربية والدولية، الذي يرأسه الدكتور محمد الأحمري.
يعرف كل المتابعين للأحداث، أن الشعب السوري ينادي في كل تظاهرة وتجمُّع ومناسبة، بالحرية والعدالة، لدرجة ان الثورة أصبحت تسمى بثورة الحرية والعدالة. هذه المطالبة الجماهيرية البسيطة تقابلها مطالبة نخبوية بالديموقراطية كعلاج وحل للواقع السوري. المفارقة ان هذه المطالبة بالديموقراطية تفرز إشكاليات تتعلق بالمفهوم وتطبيقاته وتناقضاته في الواقع السوري، فالديموقراطية كما نعرف، ليست مفهوماً فارغاً من المحتوى القيمي والأخلاقي، بل لها دلالات فلسفية وتاريخية، وتشكل ناظماً لحياة المجتمعات التي تبنتها، وعلى وجه الخصوص المجتمعات الغربية. هذه الإشكالية أفرزت في الحالة السورية ثلاثَ فئات يحمل كل منها نظرات متباينة الى الديموقراطية: الإسلاميون، والليبراليون (العلمانيون) والأقليات الدينية والعرقية. وبالفعل، أدت نظرات هؤلاء المتباينة للمستقبل السوري، الى انفراط عقد اجتماع القاهرة في الثلاثين من حزيران ( يونيو) الماضي.
الديموقراطية في تعريفها المبسط، هي حكم الشعب بنفسه ولنفسه، وهو تعريف مضلِّل، لأنه يجسد الفترة اليونانية، التي تُعتبَر المُولدَ الحقيقي للفكرة الديموقراطية. فالديموقراطية في مهدها الاول اليوناني، كانت بعيدة من الشمول، بمعنى ان الممارسة الديموقراطية آنذاك كانت محصورة بفئات ومحرَّمة على أخرى.
ومع توسع قاعدة الناخبين، أصبح من الصعب إعطاء صدقية لمبدأ حكم الشعب لنفسه بنفسه، وأصبح لزاماً البحث عن بدائل واختراع أدوات وأصول إجرائية من أجل معرفة إرادة الناخبين. إن تبيان إرادة الناخبين هي المعيار في التحديد الديموقراطي، وهي البداية التي تفترق عليها أطراف اللعبة السياسية في المثال السوري، فالإسلاميون، والمقصود هنا الإخوان المسلمون، الذين يُعتبرون الفصيل الأقوى في المعارضة السورية، قبلوا بالدولة المدنية التي لا تفرق بين أبنائها، والتي يعامَل فيها الجميع على قدم المساواة.
ولا شك في ان كلمة الدولة المدنية، بقدر ما تحل إشكالاً تثير آخر، فما هو المقصود بالدولة المدنية عند طرف لا يصح عند آخر، وذلك لأن هذا المفهوم يضاعف من تعقيد الإشكالية الديموقراطية، فالدولة المدنية تعني أولاً، أن دور الدين سيكون ثانوياً، وهو ما يتناقض تماماً مع تكوين الجماعات السياسية الاسلامية، ومع فكرها ومعتقداتها، فالديموقراطية تعني الاستجابة اولاً لإرادة الناخبين، والإخوان بقبولهم مدنية الدولة يخالفون في أبسط المظاهر تكوينَهم العقائدي، ويحبطون أجيالاً تربت على فكر حزبي سعى، ولا يزال، الى تطبيق أفكاره عند وصوله الى السلطة، فالأحزاب بمفهومها الأساس هي العمل الجاد للوصول الى السلطة بهدف تطبيق ما تحمله من افكار، وإذا كان الإخوان قد تخلوا عن تطبيقها، عكس ما تؤكد أدبياتهم الحزبية، فإن هدفهم البحت أصبح الوصول الى السلطة من اجل السلطة وليس لتحقيق اهداف ومُثُل ومبادئ. فإذا ما صح هذا الافتراض، فإن الديموقراطية التي يحملها هذا الطرف لن تستجيب لإرادة الناخبين، بل الى متطلبات السلطة، وهو بالتمام ما كان يفعله النظام السوري الذي يثور الشعب عليه، ويريق دمه لإزالته.
هذا التحول الجذري، والآني، هو الذي شكك في صدقية التحول الإخواني، ودفع الطرف الليبرالي الذي صفق لهذا التحول، إلى التفكير ملياً في طروحات الإسلاميين، فالليبراليون -والمقصود بهم المنادون بعلمانية الدولة، مع الاعتراف بأن هذا المصطلح واسع جداً- يرون ان الديموقراطية الحقة هي تلك التي تنص صراحة على غياب دور الدين في السلطة، ويحاولون من خلال طرحهم إعادة تشكيل المجتمع، إدخال قناعات جديدة واعتقادات طارئة تؤدي في نظرهم الى تثقيف المجتمع وتأهيله ليكون مجتمعاً ديموقراطياً، فالفرد برأيهم قادر على تغيير قناعاته التي اكتسبها خلال نشأته وتطوره، وقادر على تغيير قناعاته الفكرية والنفسية، والتخلي عن كل ما كان يحمله، وهم يرون في الدين الذي يحمله الإسلاميون خطراً على هذا التشكل النخبوي، ولذلك يسعون الى استباق الخطر الإسلامي ويطرحون تقييد العمل الديموقراطي، بمناداتهم بشروط تؤكد على الفصل بين الدين والدولة، فالديموقراطية التي تؤمن بها هذه الفئة هي نافية لتحكيم معتقدات الأغلبية الساحقة للمجتمع، وبتقييدها هذا الحق الأكثري، تكون عملياً مستبدة، لأنها تحمل الأغلبية، دونما أي استفتاء، على فكرها الذي هو بنظرها الحل المثالي، وبذلك تقوم الليبرالية بعمل غير ديموقراطي.
اقليات ترى الديموقراطية خطراً
بالمقابل، ترى الأقليات الدينية والتي ينضوي معظم أهلها في أحزاب ليبرالية، او على الأقل يؤيدون فكرها، ان الديموقراطية بمفهومها العام خطر عليها، لأنه يعيدها مرة اخرى لحكم الاكثرية. وتعتقد هذه الاقليات، التي عاشت قروناً طويلة في ظل حكم اسلامي، أن عودة الديموقراطية بمفهومها الاكثري هو إحياء للهيمنة الاسلامية وجَرِّها مرة اخرى الى مفهوم الذمية الذي عاشت تحت وطأته عقوداً طويلة جداً. ولكي تتجنب هذا الإشكال الديموقراطي تؤيد بشدة، وتصر على ضرورة وضع شروط على العمل الديموقراطي يضمن لها حقها، فالدولة المدنية لتلك الاقليات تعني أنه لا مجال أبداً لعودة الحكم الإسلامي، وأن الدستور يجب أن ينص صراحة على ذلك، بل قد تطالب مستقبلاً، كونها أقلية، بأن تخصص لها حصص انطلاقاً من مبدأ التمييز الإيجابي الديموقراطي. فما هو ظاهر في الإشكال الديموقراطي السوري، أن الأقليات الدينية تخشى عودة الأكثرية، وبالتالي فهي تخشى الديموقراطية، وتحاول تقييدها لما فيه مصلحة لها. ومما يؤسف له، أن تلك الأقليات تخدع نفسها بالمثال الديموقراطي، لأنها عبر أربعين عاماً من حكم عائلة الاسد كانت هي المشاركة بفاعلية في حكم أقلوي استبدادي نافٍ أيَّ مظهر ديموقراطي.
وإذا استبعدنا الأقلية الدينية ونظرنا إلى الأقلية العرقية، فإن الإشكالية تتعقد أكثر فأكثر، لأنها تنطوي على تشطير الوطن السوري. والمقصود هنا بالطبع العرق الكردي، الذي يعتبر نفسه محروماً من حقه في التعبير عن نفسه، ولذلك يصر هو الآخر على الديموقراطية المشروطة التي تعطيه الحق بأن ينفصل عن الكيان السوري ويؤسس كيانه المستقل، ليحاكي بذلك التجربة الكردية في العراق. وتشكل الديموقراطية للأكراد في سورية نقطة البداية، لا بوصفها آلية تعبير عن الإرادة الجامعة لأكثرية الناس، كما هو المفترض، بل لأنها تَسمح، وفق شروط تُفرض عليها، لفئة عرقية بأن تفرض رأيها على الاكثرية.
هذا الفهم المبسط للديموقراطية يعكس فطرية الحياة السياسية لدى تلك الفئة، وينسيها تعقيدات الواقع السياسي، ومتطلبات الديموقراطية، ويحول الديموقراطية من مطلب مشروع الى إشكالية صعبة التفكيك. إن الناظر لهذه الفسيفساء الديموقراطية السورية يجد فيها وصفة جاهزة لإشكالية كبرى قد تعقِّد أكثر الحياة السياسية، ولربما تَشطُرها إذا لم تحسم الاطراف موقفه ا من الديموقراطية، وتقبل بها كآلية تعبير عن إرادة الأكثرية، والكف عن النظر الى الاكثرية على أنها تنتمي إلى طائفة معينة، فالديموقراطية لا يمكن ان تُفعَّل ما لم يقبل الجميع بها، ويسلموا أيضاً أنها مجرد آلية إجرائية، ولا يمكن ان تكون في الواقع السوري إلا حاملة لقيم المجتمع التي هي بالضرورة قيم اسلامية، تؤمن بها الاكثرية. وتصبح الديموقراطية بلا معنى إن اصرت الأقليات على تحميلها مضامين فكرية غريبة عن الواقع السوري، وتتحول الى شروط تفرضها أقلية على أكثرية. لقد آن الأوان للمتخوفين من الاقليات وغيرهم ان يخرجوا من شرنقة التخوف، واستجلاب القراءة التاريخية المجتزأة للواقع الثقافي الإسلامي، ويقبلوا بغد ديموقراطي يعترف الجميع بأن لكل حدوده، وان الوطن يتسع للجميع، وان الخطوة الاولى تكمن في التخلص من الاستبداد،.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.