ليس غريبا على الجمهور أن يرى الفنان الكبير محسن محيى الدين فى دور مختلف ومميز، فسجله الفنى يحفل بالعديد من الأعمال الفنية الهادفة، كما أنه وصل لمرحلة النضح الفنى التى تؤهله للاختيار من بين الأعمال الفنية التى تعرض عليه. يبحث «محسن» عن النص الجيد، الذى يقدمه للجمهور بشكل مختلف ويتمكن من خلاله تفريغ ما لديه من شحنات فنية، فهو يدقق جيدا قبل الإقدام على المشاركة فى أى عمل درامى، ربما يكون هذا وراء عدم تواجده بكثره فى السوق الدرامى، لأنه يبحث عن العمل غير التقليدى، وهذا ما وجده فى سيناريو «قمر هادى» عندما اطلع على نصه، فقد أعجب بالتشويق وفكرة الألغاز الذى تناولها مؤلف العمل إسلام حافظ فى السيناريو، فمشاهد العمل تعتمد على التعبير بالأداء أكثر من الحوار على حد تفسيره. وأشار محسن إلى أنه نجح بشخصية «عصام» الذى يجسدها فى المسلسل، في الخروج من إطار النمطية والاستسهال وهى السمة الغالبة على معظم الأعمال الدرامية. تحدثت «نجوم وفنون» مع الفنان الكبير محسن محيى الدين للوقوف معه على أهم الصعوبات التى واجهته أثناء تصوير «قمر هادي»، وتحضيره للشخصية، وحلقنا معه فى سرب آخر من الحوار، وتحدثنا عن أزمة الدراما بشكل عام، والخطوط الحمراء فى حياته الفنية.. وإلى نص الحوار... ● «قمر هادى» مسلسل صعب فى مجمله ويتطلب فئة معينة من الجمهور لاستيعابه؟ - أتفق معك العمل صعب ومركب لأنه يبحث فى الجوانب النفسية فى صُناع العمل، ومختلف بجميع المقاييس الفنية، ولكننا راهنا على نجاحه، لأننا كفريق كنا حريصين على تقديم فكرة جديدة خارج الصندوق، وبذلنا مجهودا جبارا للخروج بالعمل بهذا الشكل، وسعيد بالصدى الواسع الذى حققه المسلسل ومدى تأثر الجمهور به، ونجاح العمل يؤكد أن الجمهور متعطش لرؤية أفكار مختلفة وحالات وشخصيات جديدة وأسلوب مشوق. أعتقد أن المسلسل جمع بين هذه العناصر. ● ولكن أعمال السيكو دراما تتطلب جمهورا واعيا ومدركا لهذه النوعية من الأعمال.. هل أثر ذلك على نسب المشاهدة؟ - إطلاقا، لأن جمهور السينما والدراما أغلبه من الشباب، وهو شغوف برؤية أعمال جديدة وأفكار مختلفة خارج الصندوق، وخير دليل على صدق قولى، عندما ذهبت إلى سينما كريم لمشاهدة أسبوع أفلام يوسف شاهين، وجدت جمهورا غفيرا يصطف على طول شارع عماد الدين أغلبه من الشباب، لمشاهدة فيلم «اسكندرية ليه» رغم مرور أكثر من 40 عاما على إنتاجه، تيقنت حينها أن العمل الجيد هو الذى يعيش مع الجمهور والأجيال المتعاقبة، فهذا المشهد يعكس مدى تقبل الجمهور وتعطشه للأفكار المختلفة التى تحمل قدرا كبيرا من التشويق والإثارة، وتخاطب وجدانهم فى ذات الوقت. ● تعاونت مع كبار المؤلفين.. هل ترى أنها مجازفة منك التعاون مع كاتب شاب؟ - ليس لدى مشكلة فى التعامل مع مؤلفين شباب، فهم لديهم فكر وأسلوب مختلف فى الكتابة، فعندما اطلعت على سيناريو «قمر هادي» وجدته مشوقا فمشاهد العمل أشبه بالسينما، فقد ركز إسلام على الأداء والتعبيرات أكثر من الحوار ما يمنح العمل ثقلا فنيا، لأن هذه النوعية من الأدوار تتطلب فنانين من نوع خاص يجيدون فن صناعة الأداء. ● شخصية بهذه المواصفات هل أجبرتك على تحضيرات معينة؟ - ليس بالضبط فعملى كممثل هو أن أقدم جميع الأنماط والأشكال المختلفة من التمثيل، وتحضيرى لكل الشخصيات التى قدمتها أو سأقدمها واحد، سواء كانت مركبة أو خفيفة، حتى وإن كنت سأظهر كضيف شرف فى عدد من الحلقات، فأنا ادرس الشخصية وأطلع على أبعادها النفسية والظروف المحيطة بها وعلاقاتها بالآخرين، ثم أخلق لنفسى حالة العيش بها. وهذا ما فعلته مع شخصية عصام التى اجسدها فى العمل. ● هل كان لك تعديلات أو ملاحظات على الشخصية؟ - لا، فأنا أحترم الأوراق وصاحبها وأعتبر التدخل للتعديل هو انتهاك لحقوق المؤلف ولكن بالطبع يكون هناك تعليقات ولكن للفهم وليس للتغيير. ● وماذا عن أصعب مشاهد العمل؟ - أعتقد أننى وصلت لمرحلة كافية من النضج الفنى التى تجعلنى قادرا على أداء الشخصيات الصعبة والمركبة، فلا يوجد مشهد صعب بالنسبة لى، لأننى حضرت للشخصية بشكل جيد وتقمصت فى معانيها وتفاصيلها وروحها. ● بم تفسر تكرار واقعة مشهد دفن الأبناء بنفس التكنيك فى الحلقات الأولى من مسلسلى «قمر هادى» و«أبوجبل» و«حدوتة مُرة» أيضاً.. هل هى بالفعل مجرد توارد خواطر كما يردد البعض؟ - تضاحك وقال: شاهدت تعليقات الجمهور على «السوشيال ميديا» على تكرار واقعة مشهد وفاة الأبناء فى أكثر من مسلسل، فى الحقيقة تعليقاتهم أضحكتنى كحال الجمهور العادى، فى رأيي هى ليست مجرد توارد خواطر، ولكن ورش الكتابة التى باتت سائدة الآن فى الدراما هى السبب فى ذلك، فالمؤلفون الذين يعملون مع الكاتب إسلام حافظ هم أيضا يتعاملون مع مسلسلات أخرى ويتم نقل الأفكار بين مسلسل وآخر، وفى النهاية الله أعلم ربما تكون بالفعل مجرد توارد خواطر. ● أفهم من ذلك أنك ضد ورش الكتابة؟ - لست ضدها، كما أن ورش الكتابة ليس فكرة مستحدثة، ولكنى أرفض طريقة تطبيقها المتبعة الآن، فقديما كان صُناع العمل يعملون على قلب خط درامى واحد، لكن ما نشاهده الآن تضارب فى الفكرة والخطوط كل شخص يعمل بمفرده، فاحيانا هناك حلقات يتم كتابتها خلال أيام التصوير. ● ما الآلية التى تعتمد عليها فى اختيار أدوارك ؟ - لم أقل لكِ مثل أغلب الفنانين، البحث عن الشخصية الجديدة والمختلفة لأننى قدمت مختلف الأنماط والشخصيات، ولكنى ابحث عن النص الجيد الذى يخاطب عقل الجمهور ويؤثر فى سلوكه وتوجهاته، بمعنى أدق أن يكون من العائلة ويحاكى الواقع، فأنا أحب الموضوعات العائلية التى تعبر عن طبيعة البيوت المصرية. ● حدثنا عن كواليس العمل مع الفنان هانى سلامة فى مسلسل «قمر هادى»؟ - فى الحقيقة استمتعت بالعمل مع النجم هانى سلامة، فهو شخصية رائعة على المستوى المهنى والشخصى كما أنه مهذب فنيا، ففى كواليس العمل كنت أشعر أننى وسط عائلتى خلال فترة التصوير. ● وماذا عن ردود الأفعال التى جاءتك على دورك؟ - جميعها كانت إيجابية، فقد أراد الله ألا يضيع مجهودنا هباءً، نحن جميعا كفريق اجتهدنا كثيرًا تحت قيادة المخرج رؤوف عبدالعزيز، حتى يظهر العمل بهذا الشكل، كما أننى احترمت الدور الذى أقدمه ومن يحترم عمله وجمهوره لا يقلق من رد فعل الجمهور. ● ما الأعمال التى تحرص على متابعتها فى رمضان؟ - فى الحقيقة لا أتابع أى عمل درامى فى السباق الرمضانى الحالى، لانشغالي بتصوير المشاهد المتبقية بمسلسل «قمر هادى». ● خُضت شوطا كبيرا فى مجال الفن، ما الدور الذى تحلم بتقديمه؟ - أعتقد أن هذا السؤال يُذكر عندما يكون لدينا أسلوب فنى عال، أو دراما تحتوى وتعبر عن جميع الفئات العمرية، ففى الخارج يحرص صُناع الفن على تناول موضوعات تتحدث عن مشكلات مرحلة منتصف العمر، والشباب، والأطفال الصُغار، لكن صُناع الفن فى مصر لا يخاطبون سوى الشباب بغية كسب نسب مشاهدة عالية لأن الجمهور أغلبه من الشباب. أتمنى أن يكون هناك اهتمام بجميع المراحل العمرية من جانب صُناع السينما والدراما، والتعبير عن مشاكلهم بشكل موضوعى. ● وما الأدوار التى ترفض تقديمها؟ - أرفض تقديم العنف، فأنا بطبعى أميل للأعمال الإنسانية وتقديم ما يمس الناس ويعبر عن مشكلاتهم الاجتماعية والإنسانية. ● هل توافق على تقديم عمل فنى مأخوذ من فورمات أجنبية؟ - الاقتباس سواء من رواية أو من فيلم آخر مشهور وشائع جدا فى عالم السينما والدراما، فهناك العديد من الأفلام المصرية والمسلسلات التلفزيونية الشهيرة التى حققت نجاحا يُذكر فى مرحلة الستينات والثمانينات مقتبسة من فورمات أجنبية. وهذا يرجع لحالة الكسل فى البحث عن فكرة جديدة أو قضايا شائكة من قلب الشارع المصرى، من جانب الكاتب أو المؤلف الذى بات يستسهل العملية بتمصير عمل أجنبى بدلا من البحث عن قضية تمس مجتمعه. ● وكيف ترى غياب المسلسلات الدينية عن المشهد الرمضانى؟ - ليس بالضرورة أن نقدم عملا دينيا بشكل صريح، فالدين موجود فى حياتنا وعلاقتنا بأزواجنا وفى تربية أبنائها وتعاملنا مع الآخرين، كما أن «قمر هادي» فيه جانب روحانى ودينى، فالعمل ربط بين الأحداث الموجودة فى الواقع وبين الآيات القرآنية لسورة «القمر»، فحلقات العمل كتبت متضمنة هذه الآيات، التى تريد أن تخبر الناس بأن الساعة وهى القيامة اقتربت وآن أوانها، وحان وقت مجيئها، ومع ذلك، فهؤلاء المكذبون لم يزالوا مكذبين بها، وغير مستعدين لنزولها. ● بحكم أنك فنان مسرحى كبير.. ما رأيك فى الطفرة الذى شهدها المسرح مؤخرا؟ - سعيد بحالة الانتعاش الموجودة فى المسرح والتى كان السبب فيها دكتور يحيى الفخرانى والفنان محمد صبحى وأشرف عبدالباقى وغيرهم النجوم الكبار، فهؤلاء حريصون على فن المسرح ومؤمنون بأهميته ورسالته. ● ولكن متى نرى محسن محيى الدين على خشبة المسرح؟ - أحضر لعمل مسرحى جديد، أرفض الافصاح عن تفاصيله فى الوقت الحالى، أتمنى أن يحظى على إعجاب الجمهور. ● وأين السينما من خططك المستقبلية ؟ - أقرأ فى الفترة الحالية عددا من السيناريوهات وأفاضل بينها، وحتى الآن لم استقر على عمل محدد. ● ما الخطوط الحمراء فى حياة محسن محيى الدين الفنية؟ - عاهدت نفسى منذ بداية دخولى مجال الفن، أنه لا أقدم عملا مبتذلا، فأنا حريص على تقديم عمل فنى يخاطب العقل وليس المشاعر والأحاسيس فقط، لأن الفن ليس مادة للتسلية وإنما مادة لتقويم السلوك.