يذهب الفريق المناهض لحكم المحكمة الدستورية المتعلق بمجلس الشعب السابق إلى الإلتفاف عن طريق إستخدام وسيلة الإستفتاء الشعبي عليه ....وحجتهم في هذا تقول : إن مبدأ الفصل بين السلطات لايسمح لأي سلطة أن تقوم بحل السلطة الأخري, ولأن الرئيس هو الحكم بين السلطات والشعب هو مصدر السلطة لابد من الاحتكام للإرادة الشعبية, لذلك تقرر الاستفتاء الشعبي لاحترام رغبات الشعب كما يقول الدستور, أي لايستطيع رئيس الجمهورية بمفرده حل مجلس الشعب.. وكنا نتمنى أن قائل هذه الحجة ... يقرأ الحكم جيداً ... حتى يقول مايقوله عن بينة ...كى لا يتهمه أحد ..بأن رأيه هو رأي سياسي ...يرتدى ثوب القانون ...فالحكم لم يتحدث عن ( حل البرلمان ) ...لأن (الحل ) ببساطة لا يقع إلا على شئ كان موجوداً ....في الواقع ...والحياة القانونية ...ثم يأتي ..الحكم قاضياً ...ب ( حله ) ...والأمر على غير ذلك بالنسبة لمحلس الشعب المنعدم ...فهو ...من الناحية القانونية والدستورية ليس له وجود ..فهو العدم سواء ..فالمعدوم لا يحتاج إلى قرار بإعدامه ... ولقد صاغت المحكمة الدستورية هذا المعنى بقولها إن "انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها، ومؤدى ذلك ولازمه على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلاً منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتباراً من التاريخ المشار إليه دون حاجة إلى اتخاذ أى اجراء آخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة، وإنفاذاً لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة طبقا لصريح نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا، إلا أن ذلك لايؤدى البتة إلى إسقاط ما أقره المجلس من قوانين وقرارات، وما اتخذه من إجراءات خلال الفترة السابقة، وحتى تاريخ نشر هذا الحكم فى الجريدة الرسمية، بل تظل تلك القوانين والقرارات والإجراءات قائمة على أصلها من الصحة ، ومن ثم تبقى صحيحة ونافذة ، وذلك مالم يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً ، أو يقضى بعدم دستوريتها بحكم من المحكمة الدستورية العليا إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير مابنى عليه هذا الحكم". أما فيما يتعلق بالمطالبة بضرورة الاستفتاء علي حكم المحكمة الدستورية بشأن بطلان مجلس الشعب, فذلك القول مردود عليه, ففي سنة87 تم حل البرلمان بقرار سياسي, وهو ما يعد حلا سياسيا, بمعني أن رئيس الجمهورية استخدم سلطته التقديرية في حل البرلمان قبل صدور حكم الدستورية, وكان قرار الحل بسبب تقرير هيئة مفوضي الدستورية الذي انتهي إلي عدم دستورية القانون, فأراد الرئيس استباق الحكم وقرر حله سياسيا, والحل السياسي يوجب الاستفتاء. كما أن بدعة الإستفتاء الشعبي ...على حكم المحكمة الدستورية ...ليس لها محلاً من الأعراب ...فأول مرة يقال ذلك ...لأن أحكام المحاكم لا تقبل مثل هذا الهُرَاءُ السياسي – و الهُرَاءُ هو الكلام الكثير الفاسد الذي لانظام له- إذ أن معنى اللجوء للإستفتاء ...هو الشك في عدالة حكم المحكمة الدستورية العليا ...وهو أمر غير جائز ..وغير مقبول ...بل ممجوج ...وسيفتح باب ...عدم إحترام الأحكام على مصراعيه ...فقل جهة لا يعجبها حكم المحكمة الدستورية ...تنادى بضرورة الإستفتاء عليه ...حتى يطمئن قلبها ...ثم ...أليس هذا تجريد ...لوظيفة المحكمة الدستورية العليا ...وإلتفاف حول أحكامها ..وفتح باب التلاعب بأحكامها ... وملاك القول فيما تقدم إن الإستفتاء لا يكون إلا إذا كان الأمر يتعلق ب ( حل مجلس الشعب ) ...حلاُ سياسياً ....والموضوع ليس كذلك فلا ... حل أصلاً ... بل حكم بإنعدام المجلس منذ وجوده ...ولا هو سياسياً ... بل هو ...( أمر قضائي ) ...وأحكام القضاء تسعصى على الإستفتاءات ...لأن القضاء يعلن الحقيقة ....وأحكامه عنوان للحقيقة التي لاتقبل الجدل ... ولا اللف والدوران ....لإيجاد ثغرة هنا ..أو ثغرة هناك ...للنفاذ ....من الشرعية الدستورية ....والدخول في ...دولة الفوضى والهمجية ... ثم كيف يكون سلوك رجال التشريع والقضاء ...قدوة لغيرهم ...وهم ...يجتهدون ليل نهار ...في فتح ثغرة ...لتمرير الإلتفاف على حكم أعلى محكمة في مصر ... رغم أن الحكم واضح وضوح الشمس ...في قضائه بإنعدام مجلس الشعب السابق .. فلم المهاترات حول هذا الحكم !!!! فأحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها بالتفسير ملزمة لكل سلطات الدولة, ومن ثم يلزم الانصياع لحكم المحكمة وعدم التعريض به, لما لذلك من مظاهر لهدم دولة القانون . **** وتبقى كلمة : المحكمة الدستورية العليا .... المصرية ... هي ثالث محكمة دستورية في العالم .... والمساس بها أو تعطيل عملها ... أو الالتفاف على أحكامها ... هو بداية إنهيار دولة القانون ...وردة حضارية إلى عصر ماقبل الدولة .. عصر الفوضى والهمجية ... * أستاذ القانون الجنائي ورئيس قسم القانون العام - كلية الشريعة والقانون بطنطا - والمحامي أمام محكمة النقض والإدارية العليا والدستورية العليا