لشبكة الإنترنت عالمها الخاص، ولها أيضاً عملتها التى يتم التعامل بها، ومؤخرا قامت الصين بمنع التعامل بهذه العملة التى تسمى البيتكوين، فى الوقت الذى اكتفى فيه البنك المركزى المصرى بالتحذير من هذه العملات الافتراضية، فيما أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بتحريم التعامل بها وأصدرت السعودية فتوى مماثلة. ورغم ذلك ما زالت محاولات راغبى الثراء السريع مستمرة للحصول عليها من خلال شبكة الإنترنت، خاصة أن قيمة عملة البيتكوين تصل إلى حوالى 5.1 ألف دولار، أى ما يعادل حوالى 89397 جنيهاً مصرياً. البيتكوين أصبحت عملة عالمية يتم تداولها عبر الشبكة العنكبوتية وتعترف بها حوالى 100 ألف شركة حول العالم منها مايكروسوفت وديل وآى فوركس وغيرها، لذلك فالإقبال عليها كبير، وهناك برامج تتيح للشباب الحصول عليها مقابل الدخول فى ممارسة بعض الألعاب الإلكترونية، ومن ثم يسعى هؤلاء للحصول عليها، بل إنها أصبحت وسيلة للمضاربات والاستثمار عبر شبكة الإنترنت، وأصبحت كبرى شركات الاستثمار العالمية تعترف بها، وهو ما اعتبرته الصين مهددا لاقتصادياتها ومنعت تداولها مثلما فعلت السعودية من قبل، فهل تفعل مصر؟ والبيتكوين هى عملة افتراضية ظهرت فى شهر نوفمبر عام 2008، على يد شخص يدعى ساتوشى ناكاموتو، والذى قام بنشر مقال على حسابه الشخصى تناول فيه طرق استخدام «نظام للمعاملات الإلكترونية دون الاعتماد على الثقة»، وفى شهر يناير عام 2009، دخلت البيتكوين إلى حيز الوجود وقام ساتوشى باستخراج أول بيتكوين لتظهر عملته إلى النور، ووقتها قدر ساتوشى عملته بأقل من عشرة سنتات، حتى إن بعض المنتديات قدرت قيمة 2 بيتزا ب10 آلاف بيتكوين وقتها. ورغم اختفاء مخترع البيتكوين تماما من ساحة الإنترنت وعدم تعامله بعملته الجديدة، إلا أن نجمها أخذ فى الصعود، حتى وصلت قيمتها لأكثر من 21 ألف دولار، وهو ما أغرى الكثيرين بالتعامل بها ومحاولات الحصول عليها، خاصة بعد أن ظهرت مواقع تتيح لروادها الحصول على العملة من خلال ممارسة بعض الألعاب الإلكترونية، وهناك مواقع أخرى تسمح ببيعها مقابل عملات أخرى على غرار مكاتب الصرافة، والأمر لا يتطلب سوى وجود محفظة مالية على الإنترنت ليتم إيداع البيتكوين فيها، وبعد الوصول لعدد معين من البيتكوين تقوم بعض المواقع بتغييرها للدولار مقابل نسبة معينة، ويتم تحويل الحساب لصاحبه لسحبه من أى من البنوك الوطنية التى يمتلك حسابا بها، وهو ما أدى لزيادة الشبهات الموجهة لهذه العملة كاستخدامها فى عمليات غسيل الأموال، أو من قبل الجماعات الإرهابية، حيث نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية تقريرا أكدت فيه أن تنظيم داعش يجند أتباعه من خلال شبكة الإنترنت، كما يجمع آلاف الدولارات عبر عملة البيتكوين الرقمية، ثم يقومون بتحويلها لأموال سائلة بعد ذلك، وأنهم ينجحون بذلك فى الهروب من الأجهزة الأمنية التى يصعب عليها تتبع مثل هذه العمليات. وهناك وسائل سهلة للحصول على البيتكوين يعلمها المغامرون على شبكة الإنترنت ومنها: شراء بيتكوين من أحد الشركات التى توفر تلك الخدمة مثل «كوين بيس» أو شراؤه بطريقة من أحد الأشخاص الذى يعرضه للبيع، أو الحصول عليه كبطاقة هدية، أو الحصول عليه كدعم أو تبرع لمدونة أو جمعية من خلال نشر عنوان محفظتك الإلكترونية أو التبرع إلكترونيا. وبسبب اللإقبال عليها يصل المتداول فى العالم من هذه العملة حوالى 17.1 مليون عملة بيتكوين، ولا يوجد أى أساس لتسعيرها، إلا العرض والطلب، حتى وصلت لأعلى مستوياتها عام 2017 حينما تخطت حاجز ال21 ألف دولار، إلا أن سعرها أخذ فى الهبوط طوال العام الماضى حتى وصلت الآن لحوالى 5 آلاف دولار، لينتهى بذلك عصر المضاربات على هذه العملة الافتراضية التى ليس لها غطاء لدى البنوك المركزية فى أى دولة من دول العالم. بورصة يومية ويوضح المستشار الدكتور محمد محمد الألفى، رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت، أن فكرة «البيتكوين» تدور حول محفظة يمكن للمستخدم تخليقها من خلال الحساب المكون من 33 رقماً، وبعد ذلك يقوم بالتحويل من العملات لشراء البيتكوين، مشيرا إلى أنه أصبح لها بورصة يومية يتم المضاربة عليها من خلالها لذلك فالسعر يتغير من يوم إلى آخر. وأضاف أن تخليق البيتكوين هو عملية فنية تتم من خلال ما يسمى بالتعدين، حيث تقوم بعض الماكينات بتقديم معادلات لتخليق البيتكوين. وقد أصبح عملة متعارفاً عليها فى بعض المؤسسات المصرفية، فعلى سبيل المثال سنغافورة أصبح الدفع فيها يتم من خلال البيتكوين حتى لشراء السلع ذات القيمة العالية كالذهب والألماس، أيضاً حكومة الإمارات أقرت استخدامها ويقال إنه فى أحد مولات دبى هناك ماكينة للتحويل من البطاقة الائتمانية لمحفظة البيتكوين. إذن فقد أصبحت للبيتكوين تعاملات إلكترونية بالتحويل وذلك لعمل مضاربات أو الدفع، ولكن ما قانونية هذه التعاملات؟ يجيب المستشار الألفى قائلا: حتى الآن لا توجد تشريعات عربية ولا دولية تنظم التعامل بالبيتكوين، فلم تصدر أى تشريعات بهذا الشأن، فقط صدرت عدة قرارات من جهات اقتصادية كالبنك المركزى أو جهات اقتصادية مماثلة. وأضاف: نظرا لأن الاقتصاد المصرى يحاول التعافى ولا يريد التعرض لاستنزاف الدولار، لذلك صدر بيان من البنك المركزى يؤكد أنه لا يوجد أى قانون يحمى المتعاملين بالبيتكوين، لذلك فنحن نهيب بالمستخدمين عدم التعامل معه، فإذا تعرض المستخدم لخسائر أو عدم قدرته على التحويل للعملات الأخرى فلا يلومن إلا نفسه، كذلك فلن يرخص البنك أو هيئة الاستثمار للشركات التى يكون عملها المضاربة فى البيتكوين. وأضاف أن البيتكوين كظاهرة عالمية هو اقتصاد ومعاملات، ويتم استبدالها بالعملة الورقية من خلال تطبيقات «البلوك تشين» وهى تعنى سلسلة الكتلة، وهى عبارة عن تطبيقات تميل إلى فكرة الثبوتية، وهذه يمكن تقريبها للقارئ من خلال فكرة التوقيع الإلكترونى الذى يثبت العقد، أما تنفيذ العقد كشراء سلعة أو خدمة فيتم من خلال دفع قيمتها وهذا من خلال وسيط مصرفى كالبنوك، ومن خلال فكرة البلوك تشين يقومون بإثبات هذه العقود وتصبح لها حجية، لهذا ارتبطت تطبيقات البلوك تشين بالعملات الرقمية لأنها أعطتها نوعاً من الحجية. وأشار رئيس الجمعية المصرية لمكافحة جرائم الإنترنت، إلى أن هذه العملة لها مخاطرها حيث لا توجد لها مظلة لحماية المتعاملين بها، كذلك لا توجد جهة تستطيع النيابة العامة والجهات الرقابية مخاطبتها للاستعلام عن أرصدة الأشخاص المتعاملين بها فى حالة الشك فى أحدهم، كذلك يمكن استخدام هذه الأموال فى جرائم الإرهاب والسلاح لأن التحويلات لا تتم من خلال أسماء إنما بأرقام، ولا يمكن الوصول لأصحاب هذه الحسابات ولا كيفية إنفاقها ولا يمكن تتبعها. مخاطر إبراهيم مصطفى، الخبير الاقتصادى والمستشار السابق بوزارة الاستثمار، أعد ورقة بحثية تحدث فيها عن التحديات المرتبطة بالعملات الافتراضية، حيث إن هناك عدداً من العيوب والتحديات التى تثير الجدل وتجعل الخبراء يحذرون منها، وأول هذه المخاطر أنها ليست نقودا بالمعنى المعروف، كما أنها تعتبر وسيلة لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، ومن الصعب تتبعها والرقابة عليها بسبب تكنولوجيا البلوك تشين التى وصلت إلى مراحل التحكم فى حركة المعاملات ومعرفة مصادرها ووجهاتها. وذكر فى ورقته البحثية أن أحد مخاطرها عدم الاستقرار والتذبذب وما يرتبط بها من تضخم، فجميع العملات معرضة لعدم الاستقرار والتذبذب وما يدعمها قوة اقتصاد الدولة، وهذه العملة ليس لها اقتصاد يساندها أو يدعمها، خاصة أنه ليس لديها أصل أو احتياطى يدعم استقرارها. وأشارت الورقة إلى أن هذه العملة لا تعد مخزنا للقيمة، ورغم أن هذه مشكلة تنطبق على كافة العملات، إلا أنه فى حالة البيتكوين فمقدار المخاطرة كبير، ورغم أن هناك أشخاصا حققوا من ورائها أرباحاً طائلة، فمن اشتراها عند سعر 10 دولارات أو حتى 1000 دولار، وباعها مقابل 15 ألف دولار أو 18 ألفا، حقق أرباحا، ومع ذلك فهى لا تعتبر مخزنا للقيمة رغم أنها حققت المعنى الحقيقى من الاحتفاظ بها. وناقشت الورقة مخاطر استخدام هذه العملة لخلق نظام استعمارى يتحكم فى اقتصاد الدول النامية، عن طريق التحكم فيما لديهم من النقد لسيطرة هذه التقنية على نظم المعاملات والمدفوعات بعيدا عن السلطات المحلية، حيث تتم المعاملات بين بشر ومؤسسات هم شبكة المتعاملين عليها، وهو ما قد يثير حفيظة السياسيين قبل الاقتصاديين خوفاً من انتشار المال السيئ من أجل تقويض الاستقرار السياسى، فى حين يرى العديد من الليبراليين أنها فرصة لتعظيم حركة التجارة والمعاملات الدولية بطريقة أيسر وأكثر أمنا ودون الحاجة إلى وسيط. مضاربة غير مأمونة العواقب أحلام غير مشروعة! فى الوقت الذى تمثل فيه البيتكوين حلما لكثير من الشباب، تسعى الدول إلى السيطرة عليها ومنع تداول هذه العملة الافتراضية التى لا وجود لها على أرض الواقع، ومن هنا قام البنك المركزى المصرى بتحذير المصريين مرارا من التعامل عليها، وهو ما فعلته أيضاً مؤسسة النقد السعودية التى تعتبر بمثابة البنك المركزى السعودى، كما أصدرت دار الإفتاء فتوى شرعية بتحريمها واعتبرتها نوعا من المقامرة. ورغم كل هذا ما زالت الأحلام غير المشروعة باقتنائها مستمرة. وكان البنك المركزى المصرى قد أصدر تحذيرين خلال 2018 من التعامل على هذه العملة، وأكد فى تحذيراته أنه لا يدرس تداول عملة «بيتكوين» فى الجهاز المصرفى المصرى، وإنه لا يسمح بتداول العملات الافتراضية نهائيا، ويتعامل فقط بالعملات الرسمية. كما حذرت هيئة الرقابة المالية من التداول على البيتكوين، مؤكدة أن هذه العملة لا تخضع لرقابة أى من البنوك المركزية حول العالم فضلا عن كونها نوعا من أنواع المقامرة. وكانت مؤسسة النقد العربى السعودى (ساما) قد حذرت من «عواقب سلبية» من تداول العملة الإلكترونية «البيتكوين»، مؤكدة أن هذا النوع من العملات الافتراضية لا يعد عملة معتمدة داخل المملكة، مؤكدة أن لتلك التعاملات عواقب سلبية مختلفة على المتعاملين. موضحة أن هذه العملة تكتسب خطورتها من كونها خارج نطاق المظلة الرقابية داخل المملكة. من ناحية أخرى أصدرت دار الإفتاء فتوى شرعية أكدت فيها أن التعامل بهذه العملة حرام شرعا لأنها ليست عملة حقيقية، وأنها غير مغطاة بأصول، ولا تحتاج فى إصدارها إلى أى شروط أو ضوابط، وليس لها اعتماد مالى لدى أى نظام اقتصادى مركزى، ولا تخضع لسلطات الجهات الرقابية والهيئات الاقتصادية، كما أن التعامل عليها يتم عبر سلسلة من التطبيقات عبر شبكة الإنترنت ولا يستطيع أحد التعرف على الأشخاص المتعاملين عليها، كما أن نسبة المخاطرة فى المعاملات التى تتم بها عالية جدا، لذلك فهى لا تعتبر استثمارا آمنا، وبيئتها تشهد تذبذبا قويا غير مبرر سواء ارتفاعا أو انخفاضا. وأكدت الفتوى أن هذه العملة لا توفر الحماية القانونية للمتعاملين عليها، كما أنها تسهل بيع الممنوعات وغسيل الأموال، وأغلب الشركات التى تمارس نشاط تداولها تعمل تحت غطاء أنشطة أخرى. وأشارت إلى أن التعامل بهذا العملات يترتب عليه أضرار شديدة ومخاطر عالية، وأنها تشبه المقامرة، وتؤدى إلى الخراب المالى على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات، كما أنها تؤدى إلى إفساد العملات المتداولة، وهبوط أسعارها فى السوق المحلية والدولية، وانخفاض القيمة الشرائية لهذه العملات بما يؤثر سلبًا على حركة الإنتاج والتشغيل والتصدير والاستيراد. ولذلك يرى الدكتور يوسف إبراهيم أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة الأزهر، ضرورة البعد عن التعامل بهذه العملة، فهى ليست عملات بالمعنى المتعارف عليه لأنه ليس لها إصدار ولا غطاء، وليست معترفا بها فى أى بنك مركزى، وهى بذلك تعتبر نوعا من المقامرة والمضاربة التى تضر بالاقتصاديات الوطنية. و أضاف أنها أيضاً قد تكون بابا خلفيا لغسيل الأموال والاقتصاد القذر، فماذا تكسب المواقع والشركات التى تقدمها كهدايا لروادها، وإذا انهارت هذه العملة كما حدث فمن يعوض المضاربين عليها؟. وعن مخاطرها على الاقتصاد قال: مخاطرها ليست مباشرة حيث أنها تغرى الأفراد بالمضاربة وبالتالى تجعلهم لا يفكرون فى العمل والإنتاج، لذلك يجب البعد عنها، خاصة أن البنوك لا تعترف بها، كما أنها وفقا لدار الإفتاء حرام شرعاً.