شهر الرزق والخير والبركة، الكل ينعم من فضل الله والجميع يسير تحت مظلته، التى تتساقط منها الخير، لتعمٌ على الجميع وينال منها كل قاصٍ ودانٍ على وجه الأرض، فخير الله لا ينضب أبدًا فى ذلك الشهر، أن لم يرزقك الله مالًا يرزقك نعمة أو يرزقك بركة أو خيرًا أو نورًا، أن الله لا يترك عبدًا فى رمضان إلا رزقه وأثابه على عمله وكافئه على جهوده. ومن أكثر الأشياء التى ترتبط بشهر رمضان المبارك، هى الرزق ودومًا ما تجد رواج بعض الصناعات اليدوية المصرية فى الشهر رائجة بشكل كبير، ولا تخرج عن كونها عادات ارتبطت بالشهر أكثر من كونها صناعات يعتمد عليها البعض فى الرزق. ومن الروائح الخاطفة التى تجدها فى شهر رمضان، هى رائحة «الكنافة» و«القطايف»، الصناعتين الأكثر رواجًا للأيدى العاملة المصرية فى الشهر المبارك، وتأخذكم الوفد فى جولة خاصة مع الصناعتين وذلك من شوارع مصر القديمة التى تحوى بين آثارها تلك الصناعات منذ قرون عديدة. يعمل الحاج رشاد 45 سنة صنايعى «قطايف» فى منطقة لعبة بمحافظة الجيزة، ينتظر كل موسم للعمل فى مهنته التى يحبها ويعمل فيها منذ زمن ويقول: إن كل يوم يمر فى رمضان نشعر بتغير الزمان علينا وأن كل عام يقل روحانيات عن الآخر، قديمًا كنا نعمل فى مهنة «القطايف»، وكانت الزبائن لا تستطيع حصرها، لكن الآن مع التطور فى محلات الحلويات انقرضت المهنة شيئًا فشيئًا. القطايف مهنة الغلابة والراعى الرسمى لحلويات رمضان ويتحدث الحاج رشاد، عن أن الأسعار خلال العام الحالى ما بين ثلاثة عشر جنيهاً وأربعة عشر جنيهاً، وهى أسعار مناسبة للسوق الذى ظهرت فيه موجة ارتفاع الأسعار فى العديد من السلع، وهذا يؤثر على السوق بالطبع. ويضيف الحاج محمد صنايعى قطايف بمنطقة بشتيل الجيزة، أن العمل فى مهنة القطايف أو أى مهنة فى رمضان تحتاج إلى الصبر، خاصة فى ظل ارتفاع الأسعار فى المواد الخام التى نصنع منها «القطايف». ويتابع: نحن 5 رجال نعمل على فرن القطايف طوال شهر رمضان، وفى النهاية يكون العمل مربح جدا يكفى الإنفاق على أسرتنا جميعًا، وذلك لأن الفرن واحدًا من أشهر بائعى القطايف فى منطقة بشتيل، كما أن العمل طوال الشهر مفيد ومربح جدًا. ويؤكد: إن الأسعار فى العاك الحالى مرتفعة بسبب الدقيق ولكن الأنابيب متوفرة والآلات التى نعمل عليها سعرها مناسب، ولا تحتاج إلى الشراء كل عام فقط الصيانة التى نحتاجها وهى لا تتكلف أكثر من 1000 جنيه خلال الشهر. وكان من الملفت للانتباه فى العام الحالى، وجود فرن قطايف سورى، والذى يعمل به خالد هو شاب جاء من سوريا عقب الثورة التى شهدتها البلاد، ولكنه ترك العمل فى المحلات الكبرى الخاصة بالطعام السورى، ليبدأ بيع القطايف فى شهر رمضان، خاصة بعد معرفته أن السوق المصرى يقبل على تلك السلعة فى شهر رمضان. ويقول خالد، فى العام الأول لنا فى السوق فى بيع القطايف السورى، وجدنا عدم إقبال من المصريين، الذين كان لا يعجبهم الطعام، ولا يميلون إلى شرائه منا، ويفضلون المنتج المصرى، وذلك بسبب الطعم والمكونات الغريبة عن السوق المصرى عمومًا. ويضيف: إن العمل فى العام الحالى أصبح سوقًا مفتوحًا ولنا زبائن كثيرة فى المنطقة، خاصة بعد تعود الناس على الطعم السورى فى العديد من الأطعمة، ومعرفة المكونات السورية التى تدخل فى العديد من الحلويات والأطعمة التى انتشرت فى الأسواق المصرية خلال الفترة الحالية، مما ساعدنا على البيع فى الأسواق بشكل كبير. يشار إلى أن القطايف واحدة من أشهر الحلويات المصرية التى تظهر فى السوق المصرى منذ قرون عديدة، وتعتبر من أشهر الأطباق التى تجدها على السفرة المصرية. العرقسوس والتمر هندى إذا سألت أى شخص مصرى على أى شىء تفطر اليوم، قد يكون الخيار الأول له التمر الهندى أو العرقسوس، والعصائر تأتى فى الخيار الثانى بجانب الخشاف، ولكن لماذا يفضل المصريون العرقسوس والتمر الهندى؟ بالنظر لشوارع القاهرة القديمة، تجد أن جميع الشوارع لا تكاد تخلو من ذلك الرجل الذى يحمل على ظهره «فنطاس» نحاسى أو من الألومنيوم، وعلى جسمه حبلًا ملئيًا بالأكواب والورود ليعيد التاريخ إلى القرون الماضية. وتجد أن تجارة «العرقسوس» أو «التمر هندى» وجهان لعملة واحدة كلاهما مكمل لبعض الجميع ينظر إليهم كتجارة، لكنهما عملان تاريخيان يعود أصولهما إلى زمن بعيد. ويقول أحمد عماد يائع عرقسوس فى منطقة الحسين، إن صناعة العرقسوس تظل إحدى أهم السلع التى تباع فى شهر رمضان، وتجد عليه تهافتاً كبيراً فى السوق خاصة من الناس الأكبر سنًا الذين يحافظون على على صحتهم، ويرغبون فى الحصول على الحالة الصحية الجيدة، لكن معظم الشباب لا يرغب فى شرائه, ويقول حامل الفنظاس الزجاجى، إن العمل فى مهنة صناعة العرقسوس، هى الأصعب مشقة علينا خاصة وأننا نقوم بشراء المنتجات ونعمل على تصفيتها من الشوائب وإعادتها إلى الماء، وفى النهاية نقوم بعمل العصير للزبائن. كما أنه من المطلوب منا السير فى الشوارع قبل الإفطار وذلك لبيع المنتجات الخاصة بنا لأن معظم الزبائن يستخدمونه على الإفطار فقط، والبعض هو من يستخدمه عند السحور لأنه يساعد على عدم الشعور بالعطش، وله فوائد عديدة للصائم أيضاً. بينما يشير الحاج على بائع تمر هندى فى حارة الباطنية بمنطقة الأزهر، إلى أن صناعة التمر هندى لم تكن مثل الأعوام الماضية، فالجميع بدأ يتجه للعصائر، خاصة بعد ترديد الشائعات أنها ألوان تضر بصحة الناس. ويتابع: إن ركود صناعة التمر هندى لن تؤثر كثيرًا علينا خاصة، وأن التمر هندى له زبائن خاصة فى السوق، ولن يمنع أحد تداوله فى الأسواق. كما أننا فى رمضان نقوم بتعبئة أكثر من 200 فطناس خلال الشهر، والكل نقوم ببيعه على الإفطار، ولم يتبق لنا أى شىء بعد الإفطار، وذلك لأننا من أشهر تجار «العطور» و«التمر هندى» فى المنطقة، ولا نحتاج إلى الإعلان عن أنفسنا فنحن مشهورون جداً فى صناعة التمر هندى فى وسط البلد. ويشير: إن أسعار التمر هندى فى العام الحالى مناسبة جدًا لما يشهده السوق من غلو الأسعار، فإن سعر المنتجات زادت بنسبة 20% عن العام الماضى، وهذا يقلل كميات التمر هندى التى نبيعها للزبائن ولكن لا غلاء فى الأسعار، فجميع الأسعار كما هى ما بين الزجاجة بخمسة جنيهات وعشرة جنيهات والزيادة حسب الطلب. خيمة رمضانية صغيرة يقف أسفلها رجل فى العقد الرابع من عمره يستظل بها من حرارة الشمس الحارقة والطقس الحار بساعات الصيام فى نهار شهر رمضان المبارك، ليصنع الحلوى الشهيرة بها المائدة الرمضانية. الكنافة البلدى صاحبة مكانة مميزة لدى قلوب الصائمين، فيقف عم محمد ذلك الرجل الأربعينى الذى تسلل الشيب إلى شعره وبدأ يرسم تجاعيد خفيفة على وجهه البشوش، أمام فرن بلدى قام ببنائه من الطوب قبل قدوم الشهر الكريم، وفوقه «صينية نحاسية» دائرية الشكل. جردل متوسط الحجم لوضع العجين به وقمع صغير به ثغرات تلك أدوات صنع الحلوى، يضعها عم محمد بجانبه ويضع القليل من العجين بالقمع وبخفة ومهارة وسرعة يحرك يديه بشكل دائرى ليتساقط العجين على الصينية مكونا شعيرات دائرية رفيعة، ثم يسد ثغرات القمع، ويضعه جانباً ولحظات ينضج العجين ويلتقطها سريعا ويضعها بجانبه على ورق جرائد أو قالب مستطيلى لتهويتها. وقال صانع الحلوى الرمضانية: «مهم يكون الصنايعى سريع ومركز خصوصا خلال الطقس الحار هذه الأيام» متابعًا: «بشتغل فى أحد المخابز لكن الشغل فى رمضان طعم تانى ومش بناخد إجازات.. رمضان شهر الخير والبركات وفى روحانيات تخليك بتشتغل وانت مبسوط، وراضى بكل اللى يجيلك من رزق، وليا زباين كتير والحمد لله علشان الكنافة البلدى بتوحشهم أما الآلى موجودة طول السنة». يتهافت الزبائن من كبار وصغار على شراء الكنافة البلدى رغبة فى تناولها باعتبارها حلوى تتغيب طول العام لتطل عليهم بمدار 30 يوماً بالشهل الفضيل، كما انها تتميز بنكهة مختلفة عن الكنافة الآلى. وأوضح الرجل الأربعينى، أن هناك عدة طرق لطهيها حسب رغبة كل فرد فهناك من يفضلها كوجبة ممزوجة باللبن والمكسرات، ويتفنن الأهالى بصنعها وغيرها يصنع منها وجبة حادقة. فيما استعاد صانع الكنافة البلدى ذكرياته مع والده الذى نشأ فى كنفه وتشرب منه الصنعة وكيفية صناعة الكنافة بمهارة وسرعة، حيث لم تكن هناك ماكينات لصناعتها آليا وقتها، ومع تقدم العمر وتطور التكنولوجيا التى سهلت الصناعة بشكل كبير، يؤكد أنه يفضل صنع الكنافة البلدى عن غيرها حتى أن كانت أكثر إرهاقاً فى الصنع. وعن الأسعار قال إنها تتزايد كل عام عما قبله بسبب ارتفاع سعر الوقود والدقيق المكون الأساسى للكنافة، إلا أنه يحاول جاهداً ألا يرفع السعر على الزبائن حتى يتمكن الجميع من شراء الحلوى الرمضانية ويقدمها لأهله وأطفاله كطبق مختلف ومميز على الإفطار. وتتراوح سعر الكنافة ما بين «12:15» جنيهًا بمنطقة الحسين تلك المنطقة العتيقة المليئة بعبق الماضى الممزوجة بالمعالم الإسلامية والتاريخية العريقة، وتشع منها روحانيات رمضان فى كل جانب وهى نفس المنطقة التى يعمل بها عم محمد الكنفانى. كانت الكنافة طعام الملوك والأمراء ويقال إنها من عصر الخلفاء الراشدين، وابتدعها الفاطميون وأول من قُدمت له هو معاوية بن أبى سفيان حين كان والى على الشام، فكانت تعتبر وجبة سحور لتساعد على تقليل الشعور بالجوع أو العطش. إلى أن أصبحت من العادات المرتبطة ارتباط وثيق بشهر رمضان على مدار العصر الأيوبى والمملوكى والتركى والحديث والمعاصر، وتميزت بأنها طعام لجميع الطبقات، وتطورت الكنافة وصناعتها من البلدى إلى الآلى ومن لا يتناولها طوال العام لابد وأن يقدمها لأهله أو لضيوفه بالشهر الكريم. وما بين الكنافة البلدى والآلى تنوعت طرق تقديم الكنافة فهناك الحلو والحادق مثل: «السادة، المحشية مكسرات، كنافة بالمهلبية، بجانب الكنافة النابلسية التى اشتهر بها السوريون، بالإضافة للكنافة الحادق».