رغم أنه اختفى من معظم الأحياء إلا أنه مازال موجوداً فى بعض الأحياء يوقظ النائمين ويذكر الساهرين بالاستعداد واستحضار النية للصيام وتناول وجبة السحور.. تراث وميراث من زمان لم يتوقف إلى الآن.. وفى 8 مايو 1928 ولد شيخ الملحنين سيد مكاوى أشهر مسحراتى مصري مطرب وملحن، يشار إليه بالبنان.. وفى 21 أبريل 1997 توفى واختفى صوت المسحراتى الذى كان يمتعنا يومياً على التليفزيون المصرى فى شهر رمضان وقت السحور.. كان معه بالكلمات الشاعر فؤاد حداد مواليد 1927 إلا أنه تركه فى 1985 وصعدت روحه إلى الرحمن.. كان حداد من أبرز الوطنيين المدافعين عن القضية الفلسطينية وكتب «المسحراتى» لسيد مكاوى عام 1964.. «اصحى يا نايم اصحى وحد الرحمن» تلك الجملة التى ظلت ملاصقة للأذهان. إلا أن حكاية المسحراتى لها تاريخ وجذور ففى العهد الأول من الإسلام.. كان بلال بن رباح أول مؤذّن فى الإسلام وابن أم مكتوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور. الأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّانى يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام. وأول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاق سنة 228ه وكان يذهب ماشياً من مدينة العسكر فى الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادى الناس بالسحور.. إلا أن أول من أيقظ الناس على الطبلة هم أهل مصر وإلى الآن مازال هذا «الفلكلور»، أما أهل بعض البلاد العربية كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصة برمضان. كان «المسحراتية» فى مصر يطوفون فى شوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا، ويضربون على طار ضربات متوالية فيهبوا من نومهم لتناول السحور. وقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحراتى جولته الليلية فى الأحياء الشعبية ويصدع بأجمل الكلمات. «يا نايم وحّد الدّايم يا غافى وحّد الله.. يا نايم وحّد مولاك للى خلقك ما بنساك.. قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم». مع الطبلة تنسج الألحان. لا يأخذ المسحراتى أجره الفورى بل ينتظر إلى نهار العيد يمر على البيوت بطبلته، فيعطيه الناس من المال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد. وكان والى مصر إسحق بن عقبة أول من طاف على ديار مصر لإيقاظ أهلها للسحور، وفى عهد الدولة الفاطمية كانت الجنود تتولى الأمر. وبعدها عينوا رجلاً أصبح يعرف بالمسحراتى، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا: «يا أهل الله قوموا تسحروا».