قال الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة، إن شهر رمضان اختصه الله بكثير من المزايا والعطايا التي لم تكن لغيره من الشهور، فكان بهذه المزايا سيد الشهور، ولقد ابتدأ فى هذا الشهر نزول القرآن على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم فكان نبراسًا للحياة. وأضاف العواري، في تصريحه ل"بوابة الوفد، أن شهر رمضان جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعًا فمن تطوع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضةً فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر وثواب الصبر الجنة والمسلم في رمضان يجاهد نفسه ويمتنع عما أحله الله له من الطيبات من أجل تهذيب النفس كي تصفو وتعلو وتسمو، مبينًا أن بهذه المجاهدة يعرف المرء منزلته وقدره في ميزان الإيمان الصادق؛ لأنه كلما احتمل مشقة الصوم كلما زادت منزلته عند الله تبارك وتعالى. وتابع: حينما أوجب الله الصوم على عباده المؤمنين من أمة محمد لم يجعله تنفرد به هذه الأمة إنما فرض عليها ما أوجبه على الأمم كلها؛ لأن التكاليف الشرعية متى عمت أصبحت أخف عبئا على الناس، وهناك فرق كبير بين أبٍ يكلف أحد أبنائه باحتمال المشاق ويترك الآخرين بلا تعب ولا كد يتنعمون، وبين أبٍ يوزع التكاليف والواجبات على سائر أولاده، موضحًا أن الذي يشعر بالراحة من جعل التكاليف موزعة على الأولاد جميعًا والآخر شق على واحدٍ وأراح الآخرين ومن هنا كانت التكاليف الشرعية في الصوم عامة وليست خاصة، ليست بدعة في أمة الإسلام وإنما كانت في الأمم قبلنا، قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم لعلكم تتقون"، إذًا المسلم الذي يجاهد نفسه وجوارحه فيمتنع عن المعاصي ويحتجب عن الذنوب هو الذي نجح في ميدان الجهاد الصغير فمن باب أولى متى أراده وطنه ومجتمعه ودينه أن يكون جنديًا مدافعا عنه سينجح لأنه نجح في الميدان الصغير وهو صبره ساعات من نهار على الصوم والمعاصي، وهذا هو المغزى الحقيقي من الصوم، ما كان لله وهو أرحم بعباده من الوالدة على ولدها أن يعذبنا بالصيام، وإنما أراد أن يهذبنا ليمتحن قدراتنا فتصقل قدراتنا فنصبح أهلًا لتحقيق الخلافة في الأرض. وأوضح أنه يجب على الإنسان أن يغتنم هذا الشهر ويمتنع عن كل ما حرمه الله لأنه محال أن يصوم العبد عن الطعام والشراب ويده تمتد إلى الرشوة والاختلاس، وكذلك المشي إلى مواطن الشبهات، وشهادة الزور وأكل أموال الناس بالباطل، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:"من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وكذلك ألا يكون يرتكب أمورًا بمسمى الكسل والخمول فيقصر في آداء الواجبات التي نوطت به كعمل أو وظيفة، بل عليه أن يكثف عمله ويكون أكثر إنتاجًا في الصيام أكثر منه في غير الصيام؛ لأنه يكون في الصيام قوي الروح والقلب والإيمان، لأن للصوم بركة في الزمن والصحة وبركة في العمل والعبادة فيجب عليهم أن يحققوا هذه البركة ليعود عليهم النفع وعلى وطنهم الذي يعيشون فيه، أما بالليل فعلى العبد قراءة القرآن والتهجد والقيام والتراويح ويجعل له وردًا مع الذكر، فبذلك يحقق ما أراده الله له تصديقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر".