«لايوجد ما يسمى بالاقتصاد الإسلامى، وإذا كان هناك صعود للإخوان المسلمين، فلا نستطيع ان نجزم بحدوث أسلمة للاقتصاد المصرى، كل ما فى الأمر أن هناك التزاماً تفرضه الشريعة الإسلامية فى بعض الأمور التى تدخل فى مجال التعاملات البنكية فقط». هكذا تحدث الدكتور عادل عبدالعزيز، أستاذ الاقتصاد، والمستشار الاقتصادى بباريس فى حواره مع «الوفد» الذى عرض فيه أهم ملامح كتابه «الاقتصاد المصرى وثورة 25 يناير»، والى نص الحوار: سألناه:ألا يعد نشر كتاب عن الاقتصاد مغامرة فى وقت تشهد فيه البلاد ثورة؟ نعم هى كانت مغامرة تبدو غير محسوبة للحديث عن الوضع الاقتصادى فى الأيام التى شهدتها مصر أثناء ثورة 25 يناير، ولكن جاءت فكرة الكتاب أيام موقعة الجمل حينما رأيت ابنتى الصغيرة تبكى وهى تشاهد التلفزيون والشعب المصرى يقتل بعضه، والمذيعون الفرنسيون يعلقون بسخرية على ما وصلت اليه مصر، كانت الفكرة كيف يمكن أن نتصور مصر خلال وبعد الثورة من الناحية الاقتصادية، وكتبت الكتاب باللغة الفرنسية وتم نشره فى فرنسا،ولكن فكرت أن فائدة الكتاب تكون أكثر إذا نشر باللغة العربية، وبالفعل تم اصداره باللغة العربية وبدأ توزيعه فى مكتبات القاهرة. وما موضوعك الأساسى؟ الكتاب كلاسيكى فى تقسيمه، بمعنى أنه عندما نتحدث عن الاقتصاد المصرى يجب ان نتحدث عن الاقتصاد ما قبل الثورة والاقتصاد ما بعد الثورة كلنا يعرف طبيعة الاقتصاد المصرى قبل الثورة بداية من «النهب المؤسسى» الذى كان يتم بواسطة مؤسسات الدولة نفسها ثم التعطيل التنموى لأن فكرة التنمية كانت معطلة فى العهد البائد. وتطرقت بعد ذلك الى المشكلات الساخنة التى يواجهها الاقتصاد المصرى من مشكلة السكان وسوق العمل ووضع المرأة وركزت أكثر على دور المرأة فى سوق العمل وكذلك مشكلة الديون الخارجية وعلاقات مصر بالعالم الخارجى وهذا دفعنى للحديث عن علاقة مصر بصندوق النقد الدولى وكيف ان فكرة اللهث وراء تحقيق معدل نمو اقتصادى كان سبباً من أسباب المعضلة الازدواجية للاقتصاد المصرى فبالرغم من معدلات النمو الاقتصادى التى كان من المتوقع ان تصل الى«6٪» فى عام 2011 كان المواطن المصرى يعانى اذا هناك قضية توزيع ثروات فى مصر. وانتقدت بحدة سياسات صندوق النقد الدولى لأنها كانت تسعى دائماً الى ان تضع أى دولة فى مأزق لتعطى فخ تحقيق أقصى معدل للنمو فى الاقتصاد بغض النظر عن كيفية توزيع عائد هذا النمو وبدأ صندوق النقد الدولى عن طريق رئيسته الحالية «كريستين لاجرد» فى إعادة النظر مرة أخرى فى سياسات الصندوق وحرصت على ربط كل عمليات النوم الاقتصادى بالتوزيع العادل الذى يحقق العدالة لكل أفراد المجتمع. ما هى الرؤية المستقبلية التى وضعتها للنهوض بالاقتصاد المصرى؟ هناك سيناريوهان كل منهما تم تحليله من خلال ثلاث مراحل زمنية «الأجل القصير والمتوسط والبعيد»، تصورت سيناريو يقوم على افتراضية أن المجلس العسكرى لن يقوم بتسليم السلطة فى الوقت المحدد واستبعدت هذا السيناريو، لأنى أعتقد انه ليس من مصلحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولا المصلحة العامة فى مصر تستدعى أن يستمر المجلس فى قيادة البلاد وهذا ما تحقق فى 30 يونيو بتسليم السلطة لرئيس مدنى. السيناريو الأول «متشائم» لأنه يفترض ان معدل النمو السكانى فى مصر سيظل على نفس المعدلات «2.5٪» وربما يتجاوز ذلك بمعنى أن عدد سكان مصر خلال 2014 يمكن أن يتعدى «100» مليون نسمة، بالاضافة الى ان كل المحاولات التى تبذل لتوسيع الرقعة العمرانية ستبوء بالفشل، وبالتالى لن تستطيع مصر الخروج من الشريط الضيق الذى تعيش عليه ويمثل «5٪» من مساحتها،والسبب الآخر فى تشاؤم هذا السنياريو بأنه يتوقع عدم استقرار فى المنطقة بالاضافة الى انه لن يكون هناك عودة للأموال المنهوبة فى الخارج وانه سيحدث خروج لبعض الكفاءات من مصر نتيجة الشعور بعدم الاستقرار. ويقوم السيناريو على ثلاث فترات زمنية أولاها الفترة قصيرة الأجل وهى لمدة عام يفترض ان المطالب الفئوية والاضرابات العمالية والتظاهرات ستتواصل حيث ان هناك حرية التعبير وانها جديدة بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين فربما تتجاوز حرية الرأى حدودها ويعلو سقف المطالب عن سقف الواجبات فى غياب الميثاق الشعبى واذا استمر هذا الغياب سيؤدى الى ان الرئيس الجديد سيتبنى «سياسات شعبوية»، هدفها ارضاء الجماهير وينجرف الرئيس وحكومته فى اشباع هذه الطلبات المتزايدة دون النظر الى الامكانيات الحقيقية للاقتصاد المصرى، بما يعنى تدهوراً فى الأوضاع الاقتصادية خلال الأربع سنوات القادمة بما يؤدى الى كارثة. وكيف ترى خطة ال«100» يوم التى سيحل بها رئيس الجمهورية كل المشكلات؟ هذا استخفاف بالعقول، فاذا كان البعض يتحدث عن مشاكل اقتصادية فى مصر تتمثل فى نقص رغيف الخبز أو أنبوبة البوتاجاز أو نقص الوقود،وهذه المشاكل لا يستطيع أى اقتصادى فى العالم ان يعالجها فى«100» يوم، فإذا تبنى الرئيس هذه السياسات الشعوبية سيؤدى بنا الى المزيد من المشكلات الاقتصادية والى مزيد من التعقيدات وتظهر ما تسمى بثورة الجياع. نعود إلى السيناريوهات المستقبلية؟ الأجل المتوسط تتعمد الدولة التدخل فى الأنشطة الاقتصادية بنوع من رد الفعل العكسى لليبرالية الرأسمالية التى كانت موجودة قبل الثورة وهذا سيعنى تبنى مصر سياسات تداخلية كثيرة وسيؤدى الى فشل الطريقة التى يعمل بها السوق وخوف رجال الأعمال نتيجة تدخل الدولة المتزايد واستخدام السياسات الضريبية والتقديرية فى الاستيراد والتصدير بالاضافة الى اننا لن نستطيع تغير امكانيات الانتاج الاقتصادى المصرى ولن نستطيع استرداد الأموال من الخارج لأن مصر لم تبدأ بالمطالبة باسترداد هذه الأموال ربما تشكلت بعض اللجان ولكنها تظل فى موقف ضعيف تجاه المؤسسات الخارجية. أما الأجل الطويل رهى فترة يمكن ان يتم فيها احلال الأصول الانتاجية نتيجة نقص فى امكانيات الاقتصاد المصرى والانغماس مرة أخرى فى هذه السياسات الانفاقية التى لا يواجهها فى المقابل مصادر دخل كافية سيؤدى الى وقوع الاقتصاد المصرى مرة فى دائرة مغلقة ولن يتم الحديث عن نهضة اقتصادية أو تقدم اقتصادى وأخشى من خلال هذا السيناريو أنه من الآن وحتى 2020 فترتان رئاسيتان قادمتان تنتهيان بالتنديد بالتحول الديمقراطى فى مصر بالاضافة الى ان مصر ستظل منحصرة فى المثلث الذهبى الذى يعتمد على عائد قناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والسياحة. بالمقابل السيناريو المتفائل هو العكس تماماً حيث يمكن التعامل مع الزيادة السكانية بزيادة مساحة الرقعة العمرانية بالاضافة الى أن هذا السيناريو لا يعول كثيراً على استرداد الأموال لأنه ربما نجد ترحيباً من الدول الخارجية من أجل استردادها ولكن هذا يحتاج الى وقت كما ان هذه الأموال ليست قضية فى الاقتصاد المصرى ولكن ما تمنيته هو عودة العقول المصرية فى الخارج فهناك أكثر من «600» باحث مصرى فى مجالات متخصصة دقيقة للغاية وهذه العقول إذا تم اجتذابها الى مصر ستساهم فى الاقتصاد بشكل ملحوظ وكذلك فى تطوير البحث العلمى والتعليم والوصول الى مخترعات جديدة قد تؤدى الى زيادة تنافسية الاقتصاد المصرى. هل يتحول الاقتصاد منذ تولى الإخوان مقاليد الأمور فى مصر الى اقتصاد إسلامى؟ لم نصل بعد الى ما يمكن ان نسميه الاقتصاد الإسلامى لأن أى علم سواء اقتصاداً أو سياسة أو غيره له ثلاث ركائز وهى النظرية والأيديولوجية والسياسة، هناك سياسة اقتصادية في الإسلام بمعنى انه من أجل تحقيق معدل اقتصادى معين لا يمكن الاتجار فى الخمور على سبيل المثال والإسلام لا يحرم الملكية الخاصة ويشجع الملكية العامة، لكن السؤال الذى يعطل حديثنا عن الاقتصاد الاسلامى هو: هل هناك منظرون اسلاميون؟ والأساس في النظريات الرجوع الى الفقهاء، وما كتبوه منذ قرون فاذا كنا نريد الحديث عن الاقتصاد الاسلامى يجب اعادة قراءة ما كتبه الفقهاء الاسلاميون فى التعاملات الاسلامية بوجه عام والوصول الى نظرية حديثة تتعامل مع الواقع الذى نعيش فيه، واذا كان هناك صعود لبعض الاخوان المسلمين فلا نستطيع ان نقول ان هناك أسلمة للاقتصاد فليس هناك أسلمة للاقتصاد المصرى ولن يكون لأنه لايوجد ما يطلق عليه اقتصاد اسلامى، ولكن هناك التزاماً فى بعض الأمور التى تدخل فى مجال التعاملات البنكية فقط، كما أن الاندماج العالمى الموجوداليوم يجعل من الصعب ان تعيش أى دولة بمفردها كما ان الاقتصاد المصرى مندمج فى الاقتصاد العالمى وبالتالى لا يمكن وضع فاصل بين ما يحدث فى مصر وما يحدث خارجها.