السطور التالية لا تحكى قصة مصنع منكوب، وإنما تكشف حكاية الفساد «اللى ورا المصنع». المصنع المنكوب هو الوحيد من نوعه فى الشرق الأوسط ولكن الفساد تغلغل فى أوصاله وتغول فى مفاصله فحولة إلى خرابة. هذا التحول الكارثى بدأ بتطفيش عمال المصنع حتى انخفض عددهم من 6 آلاف موظف وعامل إلى 167 عاملاً فقط.. ثم تركوا الماكينات ليحتلها الصدأ فلما صدئت باعوها خردة.. وبعدها باعوا أجزاء كبيرة من أراضى المصنع نفسه بمبالغ هزيلة. قائمة المتهمين فى اغتيال مصنع جوت ببلبيس - حسبما جاء فى بلاغات تحقق فيها النيابة حالياً - تضم أحمد نظيف رئيس الوزراء السابق وقيادات الشركة فى السنوات العشر الأخيرة.. وإليكم الحكاية من البداية.. بعد ثورة يوليو 1952 وتحديداً فى 1958 أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراراً بإنشاء مصنع على أرض بلبيس ليخدم الشرقية والمحافظات المجاورة وتم تخصيص 120 فداناً ليبنى عليها أول مصنع فى الشرق الأوسط لإنتاج الجوت ضم وقتها مستشفى لعلاج العاملين واستاد رياضى وناد اجتماعى وسينما ومسرح ومساكن وبعض الحدائق ومخازن على مساحات شاسعة، بدأ العمل بثلاثة آلاف عامل ولم يمض كثير من الوقت حتى زاد عدد العاملين إلى 6 آلاف عامل.. وكان المصنع مخصصاً لإنتاج الحبوب والمنتجات الزراعية، أما المنتج فيتم تسليمه لبنك التسليف وشركة السكر وكان المصنع يعتمد على خلط التيل المصرى بخامة الجوت التى يتم استيرادها من الهند وبنجلاديش.. وكان الإنتاج يغطى احتياجات السوق المحلى ومع مرور الوقت تدهورت صناعة الجوت، بل ومعظم الصناعات الوطنية خلال العشرين سنة الماضية فى عهد النظام. يقول لطفى محمد عرفة مدير عام الحسابات وعضو مجلس الإدارة بالشركة العامة لمنتجات الجوت سابقاً، إن شركة الجوت هى الوحيدة فى الشرق الأوسط لإنتاجه، فالأجولة والشكائر الخيش كانت تساعد الفلاح فى الحفاظ على منتجاته الزراعية لأن الأجولة البلاستيك تتلف المحاصيل الزراعية وتضر الصحة ولا تستخدم إلا مرة واحدة بعكس الخيش الذى يستخدم مرات ومرات. وطالب بمحاسبة المسئولين على ما وصل إليه المصنع من تدهور. وقال: يجب فتح ملف الشركة والأراضى والماكينات التى تم بيعها خردة والعمل على عودة المصنع للعمل مرة أخرى حفاظاً على الصناعة الوطنية والحد من البطالة. ويضيف أحمد محمود عبدالدايم أحد القيادات النقابية بالشركة سابقاً: لابد من العمل على عودة تشغيل مصنع الجوت مرة أخرى ومحاسبة المتسبب فى توقفه وعلى رأسهم أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذى أصدر قراراً ببيع 28 فداناً من أرض الجوت ب 125 مليون جنيه وهى المساحة الموجودة خلف المخازن والنادى الاجتماعى واستراحات إدارة الشركة والحدائق المحيط بها والجمعية الاستهلاكية بمساعدة المسئولين بالشركة القابضة عبدالدايم وطالب بإجراء صيانة للماكينات الموجودة والمتبقية بالمصنع والحفاظ على القلة القليلة الباقية من العاملين والفنيين الذين سيتولون تدريب العمالة الجديدة لتدور عجلة الإنتاج من جديد وتعود صناعة الجوت إلى سابق عهدها. ويرخى خيرى عبدالعظيم محمد بالمعاش المبكر أن عمال مصنع الجوت انخفض عددهم إلى 167 عاملاً بعد أن كان عددهم ستة آلاف عامل وأن المصنع متوقف تماماً منذ قيام ثورة يناير حتى اليوم، بينما عرض فايز محمود وهبة رئيس الشركة والمفوض العام على العاملين الانتقال إلى الشركة الشرقية للغزل والنسيج بالزقازيق إلا أن العمال رفضوا. ويؤكد محمود الصادق الموظف بمصنع الجوت أن حالة الماكينات سيئة بعد أن أكلها الصدأ والعاملون يذهبون يومياً ليجلسوا فى الشمس دون عمل بينما يتم صرف رواتبهم شهرياً من الشركة القابضة، بالإضافة للحوافز والإضافى وجميع المستحقات ولا ندرى إلى متى يظل هذا الحال. وتساءل لماذا لم يتم إعادة تشغيل الشركة وفتح أبواب التعيين من جديد وشراء ماكينات جديدة أو عمل صيانة للموجود منها ولماذا لا تقوم الشركة القابضة بالاستعانة بالحكومة والاقتراض من أحد البنوك لتشغيل المصنع مرة أخرى باعتباره تاريخًا وماضيًا مشرفًا للصناعة الوطنية، فهو الوحيد فى الشرق الأوسط لإنتاج الجوت والأجولة والخيش. أما محمد محمد عميرة رئيس اتحاد عمال الشرقية فيقول: تقدمت ببلاغ لنيابة بلبيس لفتح ملف بيع أرض المصنع وتوقف العمل به واتهم فيه أحمد نظيف رئيس وزراء مصر الأسبق ورئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج ورئيس المصنع واللجنة النقابية لمسئوليتهم عن الفساد الذى أدى إلى تدهور الشركة العامة لمنتجات الجوت، كما اتهم المهندس محمد عبدالله مبارك رئيس مجلس إدارة شركة الجوت الذى تسلم الشركة عام 2000 فباع فرع الشركة بمنطقة شبرا الخيمة «أرض ومعدات» وكان به 1500 ماكينة تنتج 400 بالة فى اليوم كما باع خامات مصنع بلبيس وجزءاً من آلات الإنتاج كخردة، كما اتهم فايز وهبة رئيس الشركة الحالى لسماحه يومياً بتسريب ممتلكات الشركة وإرهاب القلة المتبقية من العاملين بها لإنهاء خدمتهم وغلقها نهائياً كما اتهم «عميرة» اللجنة النقابية بالتنازل عن مقرها بميدان القيسارية وهو مكان استراتيجى وحيوى مقابل شقة أخرى بعقد محدد المدة مع سماح ثلاث سنوات بدون مقابل ولبيعها ثمانية أتوبيسات خاصة بالنقابة بأسعار زهيدة. طالب رئيس اتحاد العمال من النيابة تشكيل لجنة فنية لجرد جميع أملاك المصنع والاستعانة بمهندسين من إدارة الأملاك بالمحافظة وتشكيل لجنة لجرد جميع المعدات والخامات والسيارات والأثاث لجرد الورش التابعة للشركة مثل ورشة الخراطة وورشة البرادة والمواتير والمسبك ومخازن المعدات والعدد والآلات والخامات الخاصة بالمصنع وبحث قانونية حصول بنك مصر والبنك الأهلى على 28 فداناً من ممتلكات المصنع فى أماكن متميزة وبالأمر المباشر من أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق. وأكد «عميرة» على ضرورة محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم والعمل على عودة مصنع الجوت للعمل من جديد بسواعد أبناء مصر المخلصين.