بالرغم من أن مصنع الجوت بمدينة بلبيس بمحافظة الشرقية يعد أحد الكيانات الضخمة التي تشكل طاقة اقتصادية وإنتاجية كبيرة تستوعب آلاف الايدي العاملة وتوفر منتجا فريدا, حيث إنه الوحيد من نوعه علي مستوي الجمهورية فأن المصنع يتعرض لعملية من الاغتيال التدريجي. وربما المنظم أيضا لا أحد يدري لمصلحة من تحديدا أو حتي أسبابها لتكون النهاية الطبيعية امتدادا لمسلسل تصفية وخصخصة مشروعات الدولة وإهدار أصولها وأموالها وحقوق عمالها, الأمر الذي دفع اتحاد العمال بالشرقية أخيرا لتقديم بلاغ للنيابة للتحقيق في الأمر وتحديد المسئولية عن تدمير ثروة كهذه, حيث يشهد بحسب مقدمي البلاغ عمليات تخريب وتفريغ متعمد.. ومصنع الجوت لمن لا يعرفه كما يروي محمد عميرة رئيس اتحاد العمال بالشرقية هو أحد المصانع العملاقة بالمحافظة وتعود بداياته لعام1959 حيث تخصص في انتاج الاجولة الخيش التي تعتمد أساسا علي منتج النيل الذي يزرع علي المصارف دون تكاليف أو نفقات تذكر ثم يتم تخميره بطرق بدائية بسيطة وهو أحد مشروعات الحكومة بعد ثورة يوليو, حيث كان الفكر وقتها. استثمار جميع الطاقات من خلال تعيين من يرغب من الشباب بمجرد تأدية الخدمة العسكرية ونجح المصنع في جذب آلاف العمالة من جميع المناطق المجاورة بلبيس ومشتول السوق ومنيا القمح والعباسة وأبو حماد والقرين, وكان قوام الوردية الواحدة أكثر من1500 عامل ليتوسع المصنع بعدها ويضم نقابة ومستشفي للعاملين واستادا وناديا رياضيا, ويرتفع حجم انتاجه ليغطي السوق المحلية والتصدير بعد أن وصل صافي ربحه الي200ألف جنيه يوميا. وقد كان المصنع مثالا للانضباط ويكفي أن نذكر أن سارينة المصنع حينها كانت اشبه بساعة جرينتش لكل من يعيش بالقرب منها أو يتصادف مروره بجوارها ليضبط ساعته عليها سواء مع ميعاد بدء العمل في الثامنة الا الربع أو انتهاء الورديات. ويضيف أن المصنع بدأ في التدهور والتراجع مع نهاية السبعينيات, حيث تم تقسيم أراضيه الي مساحات وبيع نحو مائتي ألف متر منها بدون أسباب. ومع الألفية الجديدة وباتفاق بين مجلس الادارة ومجلس مدينة بلبيس تم بيع10أفدنة من أرض المصنع لتحويلها إلي مساكن وتم البيع وقتها مقابل40جنيها للمتر فقط رغم أن سعر الارض حينذاك كان يفوق5 أضعاف المبلغ, كما تم تحويل جزء آخر من أرض المصنع لمنطقة للحرفيين وسوق للخضار بدلا من التوسع في انشاءاته وتطويره. ثم بعد ذلك تم التنازل عن23 ألف متر لمصلحة البنك الاهلي وبنك مصر لأسباب غير معلومة, علما بأنه لم تكن هناك أي مديونيات أو مستحقات علي المصنع. بعدها والكلام مازال علي لسان رئيس اتحاد العمال بدأت عمليات تخريب متعمد من خلال التصرف في آلات ومعدات المصنع وتفكيك أجزاء منها وبيعها خردة كذلك بعض الخامات ومنها الكابلات النحاسية بينما بدأ نشاط المصنع يتوقف وتم تسريح معظم العمالة التي أخذت في التقلص حتي وصلت حاليا الي071 عاملا يفترشون أرضية المصنع بعد أن كان عددهم بالآلاف بدعوي نقص الايرادات, وذلك علي الرغم من أن الواقع يؤكد ضخ موارد جديدة من خلال تأجير إدارة الشركة استاد المصنع لاحدي الاكاديميات الرياضية( وهي أكاديمية النادي الاهلي) وبالمناسبة بالامر المباشر بالمخالفة للقانون, فضلا عن بيع الاتوبيسات الخاصة بالمصنع, ومع الأخذ في الاعتبار كل ما سبق فإن مكافآت الكبار لم تتوقف, وفي النهاية يطالب رئيس اتحاد العمال بالشرقية بتشكيل لجنة فنية لجرد جميع أملاك المصنع بالتنسيق مع إدارة الاملاك بالمحافظة وحصر جميع المعدات والخامات والآلات والسيارات والأثاث الخاص بالمصنع وجميع الورش بما فيها الخراطة والحدادة والبرادة والمسابك والمواتير ومخازن الخامات الخاصة بالمصنع وإعادة النظر في بيع جميع الاراضي التابعة للمصنع وسياراته وأتوبيساته والتصرف في مقر نقابة العاملين مع مراجعة بيانات الرواتب والاجور والمكافآت الخاصة لجميع العاملين والاداريين ومجلس إدارة الشركة والقائمين عليها والترقيات وكذا مصروفات المصنع والنادي والمستشفي والاستاد مع الاخذ في الاعتبار توقف هذه الانشطة تماما منذ سنوات. والسؤال الذي يطرح نفسه أخيرا اذا كان المصنع لم يتم تصفيته للآن فمن المسئول عن هذا التخريب والدمار الذي لحق به.