هو شاهد عاصر أنظمة متعددة.. وخبير اقتصادي شهد الجميع بكفاءته ومقدرته علي المواجهة وقول الرأي الصائب أياً كانت الضغوط.. وزير اقتصاد سابق عرف الكثير عن المطبخ السياسي وشارك في صنع القرارات السياسية والاقتصادية من خلال منصبه وزيراً للاقتصاد ورئيساً للجنة الاقتصادية بمجلس الشعب. حاورناه وقرأنا معه المشهد الاقتصادي والسياسي الحالي في محاولة للوقوف علي أهم مشاكلنا الاقتصادية وإمكانية مواجهتها.. ووضع خارطة طريق للإصلاح والعبور بالاقتصاد من مرحلة الانهيار إلي النهوض والنمو علي أسس ومعايير جديدة تحقق أهداف الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. وكان سؤالنا الأول حول رؤيته للمشهد السياسي. المشهد السياسي خلال الفترة الماضية كان واضحا للجميع حيث ينقسم لثلاث قوي أساسية.. أحزاب ذات مرجعية إسلامية وفي مقدمتها الحرية والعدالة.. والثانية الليبرالية الثورية والأحزاب الليبرالية.. أما الثالثة فهي القوي المتجسدة في المجلس العسكري التي تعبر إلي حد ما عن النظام القديم.. هذه القوي تعمق الصراع فيما بينها ولم تنجح في التوافق ووضع المصلحة العامة قبل الذاتية وللأسف هذا المشهد أدي إلي كثير من التناقضات وضياع الوقت في الصراعات دون التركيز علي القضية الأساسية التي قامت الثورة من أجلها وهي حرية ديمقراطية عدالة اجتماعية.. وللأسف المسرح السياسي بات غير مريح ويتسم بعدم احترام القانون وأحكام القضاء وبات كل شخص يريد أن يطوع القانون بما يتفق مع مصالحه وشاهدنا من لم يوفق في الانتخابات الرئاسية ينادي بمجلس رئاسي يتكون منه ومن آخرين دون الاعتداد بقواعد الديمقراطية وأهمية رأي المواطنين التي يدعي تمثيلها، هذا المشهد أدي لتعميق الانفلات الأمني وعدم الاستقرار وبالتالي عدم الاهتمام بالقضايا الاقتصادية. * فماذا عن المشهد القائل بوجود رغبة جامحة لدي حزب الحرية والعدالة في السيطرة علي مؤسسات الدولة؟ - لا شك أن سيطرة الإخوان المسلمين علي كافة المؤسسات من مجلسي شعب إلي حكومة إلي رئاسة جمهورية قد يؤدي إلي احتكار واستحواذ وإقصاء الآخرين وهذا ليس في مصلحة الدولة في شىء ولا مصلحة حزب الحرية والعدالة نفسه فلابد من خلق نوع من التوازن القائم علي أساس التوافق وإمكانية التعاون بين القوي المختلفة خاصة في المرحلة القادمة التي تحتاج إلي تكاتف الجهود لمواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد حاليا. * فماذا عن المشهد الاقتصادي؟ - رغم قتامة المشهد السياسي إلا ان الاقتصادي تلوح به بعض بوادر التفاؤل بشرط الاستقرار السياسي بعد انتخاب رئيس الجمهورية حينها سيتحقق استقرار أمني وستكون القضايا الاقتصادية محور اهتمام المجتمع كله وسيتم معالجة كافة المشاكل الاقتصادية ولكن الثمن سيكون باهظا وسنحتاج لقبول الجميع للتضحية وبعض التنازلات عن احتياجات سابقة.. وطبيعي ان نشهد تراجع القطاع الخاص للمشروعات الجديدة الكبيرة وحينها ستجد الحكومة نفسها مضطرة لإقامة هذه المشروعات وتحمل تكلفتها ثم يمكنها طرحها للبيع عن طريق الاكتتابات.. وتستعين بعوائدها في دفع قطاعات أخري فلا يمكن ان تتحمل الحكومة وحدها حل كافة المشاكل لكن من الضروري ان يكون لها حق الرقابة لآليات عمل السوق وإيقاف أي عمليات احتكار لتكون المنافسة شريفة. * تحملت خزانة الدولة الكثير طوال الفترة الماضية دون وجود مورد لدعمها.. فهل كانت المطالب الفئوية إحدي المشاكل التي أرهقت خزانة الدولة؟ - استجابة الحكومة للمطالب الفئوية كانت قائمة علي اعتبارات سياسية وليست اقتصادية، تلك المشكلة لم تكن في المطالب التي هي حق لأصحابها لكن الأمر يتعلق بتوقيتها مما أدي لزيادة الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد بالإضافة لتعطيل حركة الإنتاج في وقت وصل فيه معدل التضخم الي 12٪ وتراجع معدلات السياحة والاستثمارات الأجنبية وانخفاض الاحتياطي الأجنبي إلي 15.1 مليار وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع أعداد البطالة.. كل هذه المؤشرات كانت تستلزم تأجيل الاستجابة للمطالب الفئوية حتي تستقر أحوال البلاد. * فكيف تقيمون أداء حكومة الجنزوري؟؟ - حكومة الجنزوري لم تتح لها الفرصة لتنفيذ ما تريده من خطط وبرامج فقد جاءت من أجل تحقق الأمن وتحريك عجلة الإنتاج لكنها اصطدمت مع صراعات من مجلس الشعب ومطالبات بسحب الثقة منها بالإضافة إلي المليونيات مما عطل فاعليتها الي حد كبير وخلق نوعاً من الإحباط لدي المسئولين عن اتخاذ القرار وعدم القدرة علي تنفيذ مخططاتهم. * فماذا عن أداء مجلس الشعب؟؟ - كان أداء مجلس الشعب المنحل أفضل من السابق عليه فيما يتعلق بحرية إبداء الرأي والانفتاح لمناقشة كافة القضايا، فالمجلس السابق كان يسيطر عليه أمين تنظيم الحزب الوطني الذي كان يسيطر علي حرية الأفراد ويوجههم كما يشاء.. إلا ان المجلس الحالي كان ينقصه الخبرة فرأينا من خلال الحماس والمصالح الذاتية رأينا اقتراحات لا تتفق مع ما يجب ان يكون مثل قانون العزل السياسي الذي صدر لشخص بعينه.. وإقرار عودة بورسعيد منطقة حرة مرة أخري مما يفتح المجال أمام عمليات التهريب مرة أخري.. كل هذه القرارات دليل علي تغليب المصالح الذاتية للأحزاب علي المصلحة العامة. * في رأيك ما أهم المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الرئيس القادم؟؟ - إن عدم وجود سيولة نقدية سيكون من أكبر المشكلات التي ستواجهنا الفترة القادمة من حيث تراجع الإنفاق الحكومي وانخفاض الاستثمارات وهو ما ظهر من خلال قرار البنك المركزي لخفض الاحتياطي الإلزامي للبنوك لتوفير السيولة للحكومة والتوسع في إصدار السندات وأذون الخزانة الحكومية.. فعدم توافر السيولة يعني توقف عجلة الإنتاج وتراجع معدلات التصدير لذا فأول مشكلة لابد ان تسرع الحكومة القادمة في حلها هي توفير السيولة. * فما سبل توفيرها؟؟ - توفير السيولة يمكن ان يتم عن طريق الاقتراض من الخارج والحصول علي مساعدات ومنح خارجية.. وتحصل حقوق الدولة المالية لدي الأفراد.. وحل قضية الدعم التي يستحيل ان تستمر الدولة في تطبيقها في ظل الوضع الحالي.. وترشيد الانفاق الحكومي.. بجانب جودة الإنتاج وزيادة معدلاته .. وتنشيط السياحة.. والبحث عن آليات جديدة للتوسع في الصناعة. * وكيف يكون التوسع في الصناعة؟ - التوسع في التصنيع يحتاج لتخطيط طويل الأجل وتحديد الصناعات التي نحتاجها وتشجيع الأجهزة القائمة علي تنفيذها فمن أكبر أخطاء النظام السابق عدم الاهتمام بالصناعة التي ينتج عنها منتج محدد نتفوق فيه ونصدره للعالم كما فعلت كل دول العالم التي سبقتنا في هذا المجال حيث خططت وحددت نوع الصناعة التي تناسبها وقدمتها للمجتمع وطالبته بمساعدته في إنجاحها حتي باتت دول كانت لها نفس ظروفنا وأسوأ متفوقة في صناعات محددة واحتلت مراكز متقدمة في تصديرها كما هو الحال في الهند وإسرائيل وألمانيا. * هل يمكن أن يكون للصناعات الصغيرة دور؟؟ - الصناعات الصغيرة في العالم لا تقوم علي رغبات فردية ولكنها تكمل منظومة الصناعة ويسمونها الصناعات المغذية فهي تدعم المشروعات الصناعية الكبيرة التي تخطط الدولة لقيامها.. ولكي نستفيد من هذه المشروعات لابد من مساعدتها وتقديم الحوافز لها وتقدم لهم الدولة الأرض بالمجان وان تقدم لهم البنوك تسهيلات ائتمانية جيدة بفترات سماح مناسبة تمكنهم من الإنتاج والربح. * ما تعليقك علي طرح مسمي الاقتصاد الإسلامي كبديل للاقتصاد الحالي؟ - الحديث عن الاقتصاد الإسلامي أصبح موضة والحقيقة ان الممارسة الفعلية في البنوك الإسلامية لا تختلف في جوهرها عن البنوك التجارية لكن البنوك الإسلامية تسميها مشاركة والتجارية تسميها قروض مقابل سعر الفائدة فنظام المشاركة الذي تلجأ إليه البنوك الإسلامية تسترشد فيه بسعر الفائدة في البنوك التجارية العالمية التي تتعامل معها.. وعموما نحن لن نختلف حول المسميات وهناك رجال أعمال في حزب الحرية والعدالة يميلون إلي اليمين الرأسمالي ويستخدمون أموال الجماعة في مشروعاتهم وأيا كانت المسميات طالما عملوا وفقا لقواعد السوق فلا مشكلة ولا خلاف. * هل تنتهي مشاكلنا بوجود رئيس منتخب؟؟ - وجود رئيس منتخب عنصر من عناصر الاستقرار إلا إذا كانت نتائج انتخاب هذا الرئيس وجود صراعات بين القوي السياسية التي قد لا تتفق توجهات الرئيس مع مصالحها الذاتية.. ولكن إذا كنا حقا نؤمن بالديمقراطية فلابد من تأييد الجميع لمن يختاره الشعب وإقرار منا انتهت إليه صناديق الانتخابات والمجال مفتوح للنقاش والمحاسبة إذا أخطأ الرئيس. عندما نتحدث عن هوية الاقتصاد المصري فهناك اتفاق علي ضرورة قيامه علي أساس من اقتصاديات السوق ولكن هناك نظريات مختلفة حول مفهوم اقتصاديات السوق.. فلابد ان تقوم علي عنصرين المنافسة بين المنتجين ومنع الاحتكار بجميع صوره وألا يكون الارتكاز علي تحقيق النمو فقط ولكن يكون هناك عدالة في توزيع هذا النمو.. هنا لابد من تفعيل دور الدولة لضمان النمو وتحقيق عدالة التوزيع فإذا لم تتدخل وترك الأمر للسوق فلا ضمانة لتحقيق ما سبق.. وهذا ما تأكد في الأزمة المالية العالمية التي شهدناها عام 2008 والتي مازال الاقتصاد العالمي يعاني منها حتي الآن.