فشل وغياب وتشرذم هو محصلة نتائج التيار المدني المصري خلال 18 شهرا هي عمر المرحلة الانتقالية المصرية منذ اندلاع ثورة يناير 2011. لم يتمكن أنصار الدولة المدنية من حشد انصارهم في موقعة التعديلات الدستورية في استفتاء 19 مارس 2011 فخسروا مبكراً أول معركة بفارق كاسح لصالح التيار الإسلامي الذي حصل علي 77.5٪ في حين حصد التيار المدني 22.5٪ ثم خسر المدنيون مجددا موقعة البرلمان التي حصدها الإسلاميون ايضا بنسبة 75٪ من اغلبية البرلمان بينما تقاسم أنصار الدولة المدنية باقي النسبة، ثم خسروا أيضا موقعة التأسيسية الأولي قبل أن يحلها القضاء. تشرذم مرشحي الثورة وأنصار الدولة المدنية في انتخابات الرئاسة أدي إلي خلو الساحة لصالح فريقين احدهما يعتمد علي الفاشية الدينية في حين يحاول الفريق الثاني اعادة انتاج الدولة العسكرية أو النظام السابق، معركة تكسير العظام بين الطرفين علي اشدها وتدور رحاها بعيدا عن أي وجود مدني حقيقي. الأرقام تشير إلي أن ممثلي التيار المدني في الانتخابات الرئاسية حصدوا نحو 11 مليون صوت ممثلة في أصوات حمدين صباحي الذي حصل علي 4 ملايين و820 ألفاً وعمرو موسي الذي حصل علي 2 مليون و588 ألفاً مضافا إليهم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذي يصف نفسه بانه يمثل التيار الإسلامي الوسطي المنفتح والمتعاون والمتفاوض مع الجميع دون اقصاء لاحد علي عكس باقي التيارات الإسلامية والحاصل علي 4 ملايين و 65 ألفاً، في حين حصل انصار الدولة الدينية والممثلة في الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين علي 5 ملايين و764 ألفاً في حين حصل فريق النظام السابق أو داعمو الدولة العسكرية والممثل في الفريق أحمد شفيق علي 5 ملايين و505 آلاف صوت. حسبة بسيطة تكشف أن من وصفوا انفسهم بالليبراليين وانصار الدولة المدنية حققوا مجتمعين اغلبية في مواجهة الفريقين الاخرين فلماذا لم يشكلوا كتلة مدنية مهمتها حماية مصر من الاستبداد الديني، أو احياء النظام السابق أو استمرار الحكم العسكري لمصر الذي استمر 60 عاما. حنكة وخبرة موسي السياسية ووصفه بأنه رجل دولة من الطراز الأول.. كاريزما أبوالفتوح وقدرته علي احداث نوع من الاصطفاف الوطني.. ذكاء حمدين وتعبيره عن قطاع عريض من الشارع كل من هؤلاء المرشحين خاسرون لكنهم رفضوا أن يتوحدوا من أجل ارساء قواعد الديمقراطية ومواجهة الاستبداد الديني أو العسكري. أبو الفتوح آثر الصمت وترك الساحة خالية فتفكيره منصب حاليا علي اكمال مشروعه «مصر القوية» من خلال تأسيسه لحزب سياسي قد تشهد الساحة السياسة مولده مبكرا في حين يفكر حمدين في تكوين أو تشكيل تيار سياسي تحت اسم «الحلم المصري» يتمني عبره توحيد قوي الثورة تحت رايته، وبينما يفكر انصار عمرو موسي في انشاء حزب سياسي يدافع عن مبادئ الثورة ومدنية الدولة قرر المرشح السابق ان ينضم منفرداً مع عدد من الاحزاب المدنية في اطار كتلة مدنية تدافع عن مدنية الدولة. الدكتور محمد الجوادي المؤرخ السياسي يري أنه من الصعوبة اتفاق المرشحين الخاسرين الثلاثة مشيرا إلي انهم لا يمثلون تيارات سياسية لكنهم يمثلون مشروعات شخصية. ويضيف الجوادي ان الوفد هو الحزب القادر علي زعامة التيارات المدنية أو الليبرالية في مواجهة الفاشية الدينية أو الاستبداد العسكري، موضحا أن كافة مقومات الزعامة موجودة ومتوافرة للوفد كتاريخ سياسي ضارب في الجذور السياسة المصرية. من جانبه كشف عصام الشريف منسق الجبهة الحرة للتغيير السلمي، انه تمت مناشدة كل من أبو الفتوح وصباحي باعتبارهما مرشحين محسوبين علي تيار الثورة ويحظيان بقبول واسع من قبل الشباب، علي ان يتنازل احدهما للآخر واختيار فريق رئاسي لمواجهة باقي المرشحين، واشار إلي أن هذا الاقتراح كان سيلاقي قبولاً من قبل جموع الناخبين وكان سيعتبر انتصاراً حقيقياً للثورة. وأكد أنه بحسبة بسيطة لأصوات كلا المرشحين سنجد انها كانت ستصل إلي نجاح مبهر في حالة اتفاقهما، إلا أن كليهما أخطأ وأصر علي خطئه. واستبعد «الشريف» فكرة اتفاق المرشحين الثلاثة علي تكوين تيار مدني لمواجهة فلول النظام وتيار الإسلام السياسي، معللاً ذلك بأن كلا منهم تسيطر عليه فكرة «الأنا» ويفضل المصلحة الفردية علي المصلحة العامة ويري في نفسه زعيماً لمصر، الأمر الذي أدي إلي هذا الخطأ التاريخي في حق الثورة وأوصلنا إلي هذا المشهد السياسي المضطرب ووضعنا أمام خيارين السييء والأسوأ فإما مرشح الفلول أو مرشح الإخوان المسلمين، مرشح الدولة البوليسية ومرشح الدولة الدينية. أما الدكتور طارق زيدان رئيس حزب الثورة المصرية فيشدد علي ضرورة ايجاد كتلة مدنية تعمل ضد استبداد الدولة، ومن يحاول اعادة بناء النظام القديم برموزه ومؤسساته من ناحية، وضد محاولات بناء دولة دينية استبدادية يحاول من خلال تيار الإسلام أن يستحوذ علي كل سلطات ومؤسسات الدولة ، مستبعدا كل القوي والتيارات الأخري. ويضيف زيدان: من الناحية العملية يصعب اتفاق المرشحين السابقين الثلاثة لأن كلا منهم يشعر بالزعامة فعمرو موسي بكاريزمته يستحق ان يكون زعيما أما أبو الفتوح فيري نفسه الأحق بها لأنه احداث نوعا من الاصطفاف السياسي بين القوي السياسية والوطنية بينما يري حمدين صباحي نفسه الاجدر بها لأنه قام بتكوين كتلة تصويتية جعلته نمرة واحد بين مرشحي الثورة، موضحا أن الاجدر بكل منهم السير في تشكيل تياره خاص ثم يتم التنسيق فيما بينهم علي قرار وطني. ويضيف زيدان ان المناظرة تركت جرحا عميقا وشروخا بين عمرو موسي والدكتور أبوالفتوح لاعتقاد كل منهما ان الآخر هو السبب في فشله بالجولة الأولي للانتخابات.