أثبتت جماعة الأخوان المسلمين بأنها تعيش في عالم غير عالمنا ، ربما هذا ما جعلهم يعتقدون بأنهم مختلفون عن كل العناصر المكونة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إنهم يتحدثون بمنطق لا يعرفه الناس ، ويتصرفون بأساليب تخالف مناهج العلاقات بين البشر ، حتى وإن كان البشر هم أخوتهم وجيرانهم وأبناء وطنهم ، صنعوا لأنفسهم أبراجا" عاجية معلقة في الهواء ، ومنها إنطلقوا فإذا بهم يسقطون على رؤوسهم دون أن يسمى عليهم أحد ، ولا أظن أن أحدا" سيترحم عليهم مستقبلا" ، فهم لم يحتاجوا سوى لعام واحد فقط ، وقد كانت هذة فرصتهم العظمي ، ولكن النتيجة بينت أنه كان عاما" أسودا" عليهم ، وغدا" سوف يكتبون ذلك في أدبياتهم ، وسيأسفون على فرصة ذهبية توافرت أمامهم فإستغلوها بطريقة خاطئة ، ليس لقلة التجربة كما يحاول البعض أن يبرر ، لا ، بل لأنهم أرادوا أن يقودوا الأمة إنطلاقا" من النظرية الإقصائية التى وضعها فلاسفتهم ، تلك النظرية القائمة على مقولة "الفئة المميزة" من بين فئات المسلمين ، ولن أقول "الفئة الناجية" حتى لا نتوغل في مسائل التكفير والجنة والنار ، وليس هروبا" من النقاش ، بل لأننا نترك قضايا الإيمان والتقوى والعمل الصالح لمن بيده العقاب والحساب والقبول والرضا ، رب العالمين عز وعلا شأنه ، فالفئة المميزة التى أرادت أن تشتغل بالسياسة خالفت منذ اللحظة الأولى لخوضها غمار الإعلام والوقوف خلف مكبرات الصوت أساسا" من أساسيات التربية الصالحة والتعليم المنزلي والمجتمعي ، وكأنهم – أقصد قادة الأخوان – لم يربوا على النصيحة الأولى للأم في المنزل ، التى لا تتوانى عن ترديدها أمام أطفالها ، وهي النهي عن الكذب ، لم يسمع كبيرهم وصغيرهم "اللى يكذب يدخل النار" ، وكذبوا ، عام كامل وهم يكذبون ، في مصر كذبوا على الوطن بإدعاء ما ليس فيهم ، مثل قيادة الثورة على النظام ، رغم أنهم أعلنوا يوم 25 يناير عدم مشاركتهم في الثورة ، وكذبوا على الثوار أنفسهم عندما تركوهم في بعض الجمع داخل المياديين يواجهوا مصيرهم وحدهم ، وكذبوا على الناس عندما وعدوهم بالحلول فإنتخبوهم ليخذلوهم. وفي تونس كما في ليبيا ، هم نسخة مكررة ، صحيح ان المشاهد تختلف ، ولكن الأسلوب واحد ، فالإنتهازية حاضرة في كل مكان يتواجد به الأخوان ، يبيعون ويشترون المواقف ، وتتبدل الأرضية التى يقفون عليها بمجرد تبدل المصلحة ، ويحدثون الفتن والإنشقاقات داخل المجتمعات ليقفزوا نحو أهدافهم ، وقد يغتالون من يقف أمامهم قائدا" أو محركا" للأحداث ، كما فعلوا مع عبدالفتاح يونس في ليبيا ، وحتى كبيرهم الدكتور يوسف القرضاوى ، ذلك الذي كان منشغلا" في فتاوى إباحة المحرمات وتحبيب المكروهات ، يقول اليوم أنه كان محرك الثورات العربية ويريدنا أن نصدقه !! أفعال الأخوان ، وأقوالهم ، وتضخم الذات الذي أصابهم طوال عام مضى ، كل ذلك جعل من التوجس حقيقة ، وتحول الظن عند الناس إلى يقين ، ولهذا فقدوا تميزهم في مصر خلال الأشهر الستة الفاصلة ما بين إنتخابات مجلس الشعب والشورى وإنتخابات الرئاسة ، ففى المرحلة الأولى للرئاسة لم يصوت لهم أكثر من خمسة ملايين ، رغم كل ما فعلوه لتجميع الأصوات والمريدين ، بينما كانت أصواتهم تزيد على عشرة ملايين في إنتخابات مجلس الشعب قبلها بأشهر قليلة ، وقد يقول قائل بأن محمد مرسى مازال الأوفر حظا" بالرئاسة بعد حصده قرابة 12 مليون صوت ، وكلنا نعلم من أين جاء الفارق ولماذا؟ فالنتيجة تحسب عليهم وليس لهم ، فالمنافس الذي يعتبر من أبناء النظام السابق ينافسهم بنسبة مقاربة وقد تزيد عند الإعلان النهائي ويصبح رئيسا"، وهذة لطمة للأخوان حتى لو أعلن فوز مرسى ، فالشعب المصري لا يمكن التلاعب به ، صحيح أنه عاطفي في بعض الأحيان ، ومندفع في أحيان كثيرة خلف الوعود ، ولكنه يصحح مواقفه وقناعاته فور تبينه للنتائج ، وكما هو سريع في تصديق الشعارات هو سريع في إزالتها وتمزيقها. إستكبر الأخوان ، وظنوا أنهم ملكوا الدنيا وما عليها بعد فوزهم بأغلبية مجلس الشعب المصرى ، وتمادى القرضاوى في تهديده الآخرين بذلك الفوز ، وتبعه رعاع الأخوان في دول الخليج وهم يتنكرون للحياة التى توافرت لهم بالتلويح بفوز الأخوان في مصر وتونس وليبيا والمغرب ، ويظهر عضو مكتب إرشاد ليهدد دولا" ، وتتورم أدراج الجماعة بالأوهام ، تصدق نبوءة "سعيد حوا" بأنهم "الفئة التى على حق" بعد أن حرف حديث خير البشر عليه الصلاة والسلام ، وجاءت الأفعال لتثبت هذة الجماعة أنها بحاجة إلى إعادة تأهيل كامل حتى تستطيع أن تتعايش مع فئات المجتمع في كل بلد تتواجد فيه ، والخطوة الأولى في هذا التأهيل هي شطب مارسخ في وجدانهم بأنهم الفئة المسلمة الوحيدة التى على حق ، والإعتراف في مراجعة عامة لأدبياتهم بأنهم "فئة سياسية" تؤمن بمبادئ حسن البنا وسيد قطب وغيرهم في العمل السياسي القائم على رؤية دينية خاصة بهم ، وان لكل بلد ظروفها ، وان لكل زمان أحكامه ، وأن الولاء فى هذا الزمان للأوطان أولا" وأخيرا" ، ولا تجوز البيعة لغير ولى الأمر ، وأن العمل ضمن تنظيم يدار من الخارج خيانة عظمى للوطن ، وأن المرشد بشر لا يتمتع بالعصمة ، فإن تميز بالقيادة والحنكة تولى رئاسة الحزب ، وفي الأحزاب لا يجوز شرعا" أو عرفا" أن يمنح البشر الولاء المطلق القائم على القسم ، ومن يوالى أثنين يكون كاذبا" مع أحدهما ، وإن لم تعجب الأخوان كلمة "تأهيل" بإمكانهم إستخدام كلمة "مراجعة" ، وهذة ليست بدعة ، فالتاريخ يذخر بقصص جماعات إنحرفت أو تاهت أو ميزت نفسها وإرتكبت أخطاء" أضرت بالأمة ، ثم عادت إلى جادة الصواب بمراجعات صححت بها مسيرتها ، هذا إذا أراد الأخوان أن يعودوا إلى النسيج الوطنى في بلدانهم ويتعايشوا مع الواقع !! * كاتب وصحفي إماراتي