سعد اعتمد على التوكيل الشعبى فى الدفاع عن حقوق الوطن تأليف الوزارة الدستورية استند على التأييد الشعبى الكاسح الأمة المصرية وضعت ثقتها فى سعد لحل القضية السياسية سعد سافر إلى لندن بصفته الشعبية وليست الحكومية ملخص الحلقة الماضية ناقشت الحلقة الماضية المؤامرة التى دبرها الملك فاروق ضد الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، كما تناولت الحلقة رفض الزعيم خالد الذكر فؤاد سراج الدين مطلب فاروق بتشكيل الحكومة لمنع تصدع الوفد، ما تناولت الحلقة اكتساح الوفد لانتخابات يناير 1950، مما أصاب الملك بخيبة أمل كبيرة، ويضطر الملك الى تكليف النحاس بتشكيل الحكومة. تناولت هذه الحلقة الدور الوطنى الكبير الذى قام به حزب الوفد من خلال المفاوضات التى جرت خلال الفترة من 1924 الى 1936 وتعرض الحلقة تاريخاً وطنياً طالما غاب عن الكثيرين، وتدور هذه الحلقة من خلال رؤية مهمة كتبها الدكتور عبدالمنعم الجميعى ومن خلال عدة مراجع أبرزها كتب شخصيات تاريخية للمستشار طارق البشرى، وصراع سعد في أوروبا للكاتب محمد كامل سليم، وتاريخ المفاوضات المصرية الأوروبية للكاتب محمد شفيق غربال. بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى هبت مصر تطالب بإلغاء الحماية وإنهاء الاحتلال والمطالبة بالجلاء واستقلال وادى النيل من الاسكندرية الى الخرطوم، ولتحقيق هذه الأهداف تألف الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول فى «13 نوفمبر 1918»، حيث وكله الشعب فى السعى لتحقيق هذه المطالب، وقد أعلن الوفد أن خطته تشمل العمل بجميع الطرق السلمية المشروعة حيثما وجدت لتحقيق استقلال البلاد التام، لذلك كانت المفاوضات وسيلة من وسائل العمل السياسى الذى تبناه الوفد، يضاف الى ذلك تدعيم دعائم الحياة الدستورية فى البلاد كان الطريق الذى اختطه الوفد أيضاً بصفته المتحدث باسم الأمة جميعاً، خاصة أن الشعب المصرى أبرم معه عقداً للدفاع عن حقوقه وتطلعاته القومية ولا يحق لأحد سواه أن يمثل الشعب، ومن هنا كان إيمان الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس بقوة الشعب ومقدرته فى مواجهة الصعاب إيماناً لا يقبل الشك أو المزايدة. 1 سعد زغلول والمفاوضات: بدأ سعد زغلول فتح موضوع المفاوضات والتحاور مع الإنجليز، مستنداً فى ذلك على التوكيل الشعبى المباشر عن الأمة المصرية، وعلى فكرة الزعامة الشعبية التى تهدف الى الدفاع عن حقوق الوطن، وعلى أن قوى الشعب الذاتية كانت على استعداد لمناصرته والوقوف بجانبه مهما بلغت التضحيات، فبعد الإفراج عن سعد وصحبه وسفره الى باريس لم ينتبه اليأس من اعتراف الدول الكبرى فى مؤتمر فرساى بالحماية على مصر، بل ازداد اعتماده على مصادر القوة الذاتية للحركة الوطنية، وهى حركة الشعب، وظل متشدداً فى موقفه يدير المعركة الوطنية من باريس ضد الإنجليز وضد كل من تخلى عن مبادئ الثورة من زملائه، وكانت شروط التفاوض التى يتقدم بها دائماً تتضمن إعلان الاستقلال التام، وإلغاء الأحكام العرفية وعرض نتيجة المفاوضة على الشعب قبل إقرارها. وعلى الرغم من أن الفصل الأول من فصول المباحثات بدأ بلقاء بين الوفد المصرى بقيادة سعد زغلول بوصفه الزعيم الوطنى، وبين اللجنة التى شكلتها الحكومة البريطانية برئاسة اللورد ملنر Milner وزير المستعمرات البريطانى فى «9 يونيو 1920» فإن مباحثات سعد ماكدونالد Mackdonald فى سبتمبر 1924 تعد أولى المفاوضات التى جرت بين البلدين للأسباب التالية: 1 ان اجتماعات سعد مع ملنر لم تكن مفاوضات بقدر ما كانت نزاعاً مستمراً وخلافاً فى وجهات النظر، اتسم خلاله حديث «ملنر» بالمراوغة واللَّف والدوران، على حين اتسم حديث سعد بالصراحة والتصميم على استقلال مصر. 2 ان هدف الاجتماعات كان التحقيق فى أسباب ثورة 1919، والعمل على رسم استراتيجية لحكم مصر فى المستقبل يبتدع من خلالها نوع من الاستقلال المنقوص تمنحه بريطانيا لمصر مقابل ان يرضي المصريون بوجودها العسكرى وهيمنتها على بلادهم. 3 ان سعد زغلول سافر الى لندن للحديث مع ملنر بصفته الشعبية وليست الحكومية، أما بالنسبة لمفاوضات ماكدونالد فإن سعد زغلول أجراها بصفته أول رئيس حكومة ديمقراطية بعد أن أحرز نصراً كبيراً فى معركة الانتخابات الحرة التى ألف على أساسها الوزارة الدستورية الأولى مستنداً الى تأييد شعبى كامل، والى ثقة تكاد تكون إجماعية من جانب مجلسى النواب والشيوخ، يضاف الى ذلك أن الأمة المصرية وضعت ثقتها فيه لكى يتولى حل قضيتها السياسية، وبذل كان أول من جمع بين الزعامة الشعبية والرئاسة الرسمية فى تاريخ مصر الحديثة، وخلال ذلك حدث تقارب فى وجهات النظر المصرية مع حزب العمال برئاسة «رمزى ماكدونالد» الذى نجح فى الوصول الى أريكة الحكم فى بريطانيا وقتذاك، وبدأت العلاقات بينه وبين سعد بطريقة ودية للغاية مما جعل مصر تعلق آمالاً كباراً على ذلك، وجعل سعد زغلول يدرك إمكانية انتزاع مكاسب لمصر من تلك الوزارة التى يرأسها أحد أقطاب العمال فى إنجلترا، ونتيجة لذلك برزت الرغبة فى تسوية الخلاف بين الحكومتين المصرية والانجليزية وإعادة حسن التفاهم فى العلاقات بين البلدين باتفاق مبنى على قواعد الحق والعدل، وعلى قواعد ضمان استقلال البلاد مع مراعاة المصالح الإنجليزية التى لا تتعارض مع هذا الاستقلال، خاصة بعد أن تلقى سعد برقية تهنئة من ماكدونالد بافتتاح اول برلمان مصرى، وإعلانه استعداد حكومته للتفاوض مع الحكومة المصرية، واستجابة سعد لهذا الطلب، ولكن الرياح لا تأتى دائماً بما تشتهى السفن، فقبيل سفر سعد الى انجلترا فرضت المسألة السودانية نفسها على الاحداث، حيث قامت قلاقل عنيفة فى السودان، جعلت سعد يستنكر فى مجلس النواب أى إجراء تقوم به بريطانيا لفصل السودان عن مصر، مما ادى الى استياء الحكومة البريطانية وجعلها تفكر فى اعادة النظر فى المفاوضات، وبعد أن سافر سعد الى لندن فى «23 سبتمبر 1924» جرت مباحثاته مع ماكدونالد على ثلاث جلسات فى الفترة من 25 سبتمبر الى 3 أكتوبر وكانت المطالب المصرية تتلخص فى انسحاب القوات البريطانية من الأراضى المصرية وسحب المستشار المالى والمستشار القضائى وزوال كل اثر للسيطرة البريطانية على الحكومة المصرية، ولا سيما فى العلاقات الخارجية، وعدول الحكومة البريطانية عن دعواها حماية الأجانب الأقليات فى مصر، وعن الاشتراك فى حماية قناة السويس والتمسك بحقوق مصر فى السودان. وهكذا وضع سعد القضية المصرية فى موضعها على طاولة المفاوضات وكان موقفه قوياً فى المباحثات ونتيجة لرفض الانجليز لمعظم هذه المطالب وتمسكهم بنصوص تصريح «28 فبراير» كأساس لأى مفاوضات بين مصر وانجلترا، ورغبتهم فى عقد تحالف مع مصر يكون من شأنه تأمين المواصلات البريطانية وبقاء قواتهم فى مصر، ونظراً لتمسك كل من الطرفين بموقفه الخاص بالسودان وإلقاء كل طرف مسئولية الاحداث الأخيرة بالسودان على الطرف الآخر، حيث اتهم ماكدونالد مصر بتمويل الاضطرابات فى السودان، وانتقد تصريحات سعد فى البرلمان المصرى بشأن هذا الموضوع، واتهم سعد الانجليز بأنهم وراء بث روح العداء للمصريين فى السودان، وإزاء تمسك سعد وقوة حجته فى شرح وجهة النظر المصرية والدفاع عنها، ورفضه لسياسة الخطوة خطوة التى يجيد الانجليز استعمالها او ان يكون تصريح «28 فبراير» الذى كان يعتبره نكبة وطنية كبرى هو الأساس لسير المفاوضات.،. ونظراً لصلابته الشديدة فى موقفه، فإما أن يتحقق استقلال فعلى لمصر وإلا فلا اتفاق، هذا بالإضافة إلى طلبه انسحاب الجيش البريطانى من مصر، ووقف أى نوع من أنواع الرقابة على الحكومة المصرية، وإنهاء مهمة المستشارين المالى والقضائى، وأن يكون ممثل بريطانيا كغيره من الدبلوماسيين، وأن تتنازل بريطانيا عن دعواها حماية الأجانب والأقليات بمصر وقناة السويس.. نتيجة لإصرار كل من الطرفين المصرى والبريطانى على موقفه، ونظرًا لشحنة التوتر التى انتابت المباحثات، وجد سعد أن وجوده بلندن أصبح مضيعة للوقت، فعاد إلى القاهرة وسط حفاوة بالغة، وتأييد كامل من المصريين الذين طالبوه باستمرار الجهاد. لقد عاد سعد دون أن يتملكه اليأس فى المستقبل، وليؤكد من جديد عزمه على عدم التخلى عن أى حق من الحقوق المقدسة لمصر فى وادى النيل، وعلى تسليم راية مصر مرفوعة للأجيال القادمة. ويؤكد ذلك قوله: «أنا أعود إلى القاهرة بعد أن صنت كرامة الوطن. وقد عزمت على إتمام الكفاح الذى ابتدأناه، وإذا لم يتح لنا أن نصل إلى الغاية من عملنا، فإن أولادنا سيواصلون هذا العمل». كما دعا إلى استمرار الكفاح والجهاد بالطرق السلمية وغير السلمية وأكد على ضرورة الاتحاد والتماسك والتضامن تحت لواء الاستقلال لمصر والسودان، وأنه يجب على الآباء أن يلقنوا هذه المبادئ وهذه الحقائق لأبنائهم. وهكذا فإن سعدًا خلال مفاوضاته مع ماكدونالد لم يساوم، ولكنه واجه الإنجليز بمطالب الحركة الوطنية رافضًا ما دون الاستقلال اعتقادًا منه أن الاستقلال لا يتجزأ؛ فإما استقلالًا وإما حماية، وجوهر المسألة يتعلق عنده برفض الرقابة الأجنبية ورفض الاحتلال العسكرى لمصر ولا مساومة فى هذين الأمرين. وهكذا تمسك سعد زغلول بالمطالب والأمانى الوطنية المصرية التى عبرت عنها جماهير الشعب المصرى ممثلة فى قطاعاته وطبقاته وطوائفه وهيئات النيابية وغيرها، يضاف إلى ذلك أن صموده أمام المفاوض البريطانى وصراحته وإدراكه الواضح لأمانى المصريين وصفاء وطنيته، وفهمه التام لعقلية الأمة فرض على الإنجليز احترامه وتقديره، كما جعل قلوب المصريين تهفو إليه وتراه عنوان قوتها، ومناط الأمل الذى ترجوه فى حياة حرة شريفة، يضاف إلى ذلك أنه ساعد على زيادة تدفق الحركة الوطنية بشكل واضح. وعلى أية حال فعقب فشل المفاوضات ازدادت هوة الخلاف فى وجهات النظر بين سعد والإنجليز، واستهدفت وزارته للتحدى من جانب الإنجليز والسراى. وقبل سعد التحدى لدرجة أنه بتأييد ومساندة مجلس النواب اشتد فى معاملة سلطات الاحتلال، فقد انتهز سعد فرصة مناقشة الميزانية فصوت على قرار بإلغاء مساهمة مصر فى نفقات جيش الاحتلال مع مطالبة إنجلترا بالجلاء عن مصر، وكانت الميزانية المصرية تتحمل هذه النفقات منذ 1882م. كما دعا إلى استقلال الجنيه المصرى عن العملة البريطانية. وظلت علاقات الوفد بالإنجليز يسودها التوتر حتى وصل الأمر بإنجلترا إلى اتهام الوفد بأنه يريد تحويل الجيش إلى سلاح فى يده. كما انتقد الوفد ما تردد من أن ممثل إنجلترا فى مصر يعامل معاملة رسمية قبل أن يقدم أوراق اعتماده، ورأى أن يقدم أوراقه كسائر السفراء والوزراء المفوضين. وطالب بجلاء القوات البريطانية عن أرض مصر والسودان خصوصًا وأن مصر أصبحت دولة ذات سيادة على أرضها بعد أن تنازلت تركيا عن هذه السيادة. ونتيجة لذلك فكرت إنجلترا فى إقصاء وزارة الشعب عن الحكم بعد أن أدركت أن استمرار سعد فى رياسة الوزارة مع ما يتمتع به حزبه من أغلبية ساحقة فى البرلمان يسبب مشاكل لها ولرجالها فى مصر. وبينما كانت مصر تفكر فى مستقبلها بعد فشل مفاوضات سعد ماكدونالد وقع حادث الاعتداء على حياة السير لى ستاك LeeStack سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان وهو خارج من وزارة الحربية إلى داره بالزمالك فى ظهر يوم 19 نوفمبر 1924، مما غير مجرى الأحداث فى غير صالح وزارة سعد، وأضر بالبلاد ضررًا بالغًا، وترتب عليه نتائج أليمة تمثل فيها الاعتداء على حقوق مصر، وسيادتها، فقدم اللورد «اللنبى» Allenby المندوب السامى البريطانى فى مصر إنذارين إلى سعد زغلول احتويا مطالب جسيمة: فتضمن الإنذار الأول عدة مطالب رئيس تتلخص فى ضرورة اعتذار الحكومة المصرية عن الحادث، ومتابعة الجناة وعقابهم، وأن تمنع وتقمع بشدة كل مظاهر شعبية سياسية، وأن تدفع مصر للحكومة الانجليزية غرامة قدرها نصف مليون جنيه، وأن تصدر أوامر بسحب القوات المصرية من السودان خلال أربع وعشرين ساعة، وأن يتم اطلاق يد حكومة السودان فى زيادة مساحة أطيان الجزيرة. وقد هددت الحكومة البريطانية بأنها فى حالة عدم تنفيذ هذه المطالب، فإنها ستتخذ كل التدابير اللازمة لصيانة مصالحها فى مصر والسودان. أما الإنذار الثانى فقد تناول ثلاثة بنود تتلخص فى تحويل الوحدات السودانية التابعة للجيش المصرى إلى قوة مسلحة سودانية تكون خاضعة للحكومة السودانية وحدها، وحماية مصالح الأجانب فى مصر وإبقاء منصبى المستشار المالى والقضائى، واحترام القسم الأوروبى فى وزارة الداخلية. وبمناقشة بنود هذين الانذارين يتضح بجلاء مدى إفراط انجلترا فى الشدة ورغبتها فى ضرب الكبرياء الوطنى لدى المصريين والميل الى الانتقام. وقد عبر سعد زغلول عن ذلك بقوله: «إن جريمة اغتيال السردار قد أصابت مصر وأصابتنى شخصيًا»، وقد ردت الحكومة المصرية على هذين الإنذارين بقبول ما له علاقة بالجريمة كالاعتذار ودفع التعويض وتعقب الجناة ومنع المظاهرات المخلة بالأمن والنظام، أما باقى المطالب التى لا علاقة لها بجريمة الاغتيال والتى تمس الكرامة الوطنية فإنها رفضت قبولها خاصة وأن فيها تهاونًا فى حقوق الامة وتفريطًا فى مكاسب الشعب المصرى ونظرًا لإصرار الإنجليز على ضرورة تنفيذ جميع الشروط أصدر اللورد «اللنبي» أوامره لحكومة السودان بإخراج جميع وحدات الجيش المصرى من السودان، كما أطلق يدها فى زيادة المساحة التى تروى فى الجزيرة حسبما تشاء، أما بالنسبة للطلب الخاص بحماية مصالح الاجانب فى مصر فقد أعلن انه «سيتخذ ما شاء من الاجراءات لحماية الاجانب» وانه سيحتل جمارك الاسكندرية ويتبع ذلك بضروب أخرى من العقوبات ونتيجة لذلك قدمت وزارة سعد استقالتها الى الملك فى 23 نوفمبر 1924 فوافق عليها، وبذلك تم للسياسة البريطانية ما أرادته من إقصاء سعد، وبدأت انجلترا تتنفس الصعداء بتقديم سعد لاستقالته وتخلصها من وزارته الوطنية ومع ذلك فإنها لم تستطع تحطيم سعد أو أمانى الامة المصرية فيه. حقيقة لقد استغلت انجلترا فرصة الاعتداء على السردار للنيل من زعامة سعد مع أن هذا الحادث كان حادثًا فرديًا، كما انها استغلته لمضاعفة نفوذها فى شئون مصر وإطلاق يد الادارة الانجليزية فيها وفى التخلص من أى سيادة لمصر فى السودان عن طريق إبعاد الجيش المصرى عنه، كما استغل الملك فؤاد هذه الفرصة للعمل على هدم الوفد وزعيمه ومحاولة إلصاق النتائج التى ترتبت على الانذار البريطانى به والعمل على ضربه داخليًا بتشجيع حركة الاستقالات داخله وتأليف حزب موال للعرش يلبى طلبات الملك وهو حزب الاتحاد وعلى الرغم من ذلك فقد فشل الانجليز والملك فى إسدال الستار على الحركة الوطنية وفى إبعاد سعد والوفد عن أمور الحكم خاصة وأن الشعب المصرى سلم لزعامته طواعية وظل متمسكًا بسعد زغلول الذى امتلك ناصية قيادة الجماهير المصرية والقدرة على الثقة فيها فكانت كلماته تبعث فى الناس القوة وتبث فيهم روح الامل. وظلت زعامة سعد تستند إلى شعبيته الكبيرة التى حاول الملك وأتباعه من رؤساء الوزراء توجيه سهامهم إليها، واستمر سعد يدافع عن حقوق الامة ويطالب الانجليز بالجلاء عن مصر كما استمر يخوض الانتخابات بصفته وكيلًا عن الامة. ويتولى رئاسة مجلس النواب حتى وفاته فى 23 أغسطس 1927 والتى تركت ألمًا عميقًا فى نفوس المصريين جميعًا، كما نجم عنها فراغ سياسى واضح فى كل من رئاسة الوفد ومجلس النواب ومسيرة الحركة الوطنية فقد عرفه الناس زعيمًا فى وقت كانت الامة المصرية فى حاجة الى من يوقظ فيها الامل فتحمل شدائد النفى والسجن والاضطهاد بشجاعة منقطعة النظير من أجل مصر وكرامة المصريين، كما اقترنت زعامته بأسس متينة من الشخصية القوية وصفاء الوطنية والفصاحة الدافقة والصراحة والثقة بالنفس والحيوية الفياضة والشعور بالواجب وامتلاك ناصية اللغة والنضج واجتمعت فيه قدرة عجيبة على قيادة الجماهير وفهم تام لعقلية الامة وإدراك واضح لأمانيها فى الحياة، فاستطاع أن يؤثر فيها بمقدار ما أثرت فيه لذلك أحبه الناس وتعلقوا به. لقد كان سعد يخطب فى الناس فى غير ملل أو تعب أو شكوى للوصول الى قلوبهم فينزل الى مستواهم فى أول الام، ثم يرتقى بهم الى مستواهم فى التفكير والشعور والنظر الى الاشياء فى وضعها السليم، والى جانب ذلك فقد برزت شجاعته بالجهر برأيه فى التعبير عن أمانى الأمة المصرية حتى لو كان ذلك أمام أقوى الأمم.