رغم أن النتائج النهائية الرسمية للانتخابات المصرية لم تظهر بعد إبان كتابة هذا المقال إلا أنه بات في حكم شبه المؤكد فوز مرشح الثورة ومرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي، وهو ما سيكون له دلالته الرمزية المؤثرة، مصريا وعربيا، بحكم المكانة الكبيرة لمصر في العالم العربي. وتعدّ هذه الانتخابات انعطافة تاريخية مهمة بكل المقاييس، لأسباب عدة أهمها، أنها مثلت انتصارا لقوى الربيع العربي، التي انتفضت على تشويه إرادتها، وخطفها من قبل العسكر والرؤساء والمسؤولين الانتهازيين والفاسدين، لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمن، وكفلت اختيار من يريده الشعب حقا، وتصدت للانقلاب الناعم الذي حاول المجلس العسكري وبقايا الفلول في لحظات حرجة الإفادة منه، للتأثير على العملية الانتخابية ومجرياتها، أو حسمها لصالحهم، ومنعت اختطاف الثورة من جديد، وإعادة النظام القديم الذي مازال شخوصه موجودين ومصالحه قائمة، وتصدت للدعاية الصفراء الرخيصة ضد قوى الثورة عموما، والإسلاميين خصوصا. ولكن رغم كل ذلك فأنا حزين لأن نتيجة الانتخابات انتهت على هذه الشاكلة، وأقصد تمكن المرشح الرئاسي أحمد شفيق من الحصول على نتيجة تقترب من 50 % من عدد المصوتين، ومنافسة د. مرسي بهذه القوة، وضآلة الفارق بينهما، بكل ما لهذا الأمر من دلالات ليست بخافية. إن هذه النتيجة تكشف عن أمور كثيرة لعل أهمها: الثورة ليست نهاية المطاف، وليست كلّ التغيير، وعلى الثوار والمصلحين أن يواصلوا مشوارهم دون تعب أو كلل، حتى يتحقق لهم ما يريدونه، لأن عملية الإصلاح المجتمعي مازالت طويلة، وهي محفوفة بكره الكارهين، ومؤامرات المغرضين، وهم سيحاولون بكل ما وسعهم إفشال المصلحين ومساعيهم وتشويه صورتهم. الذين يحسبون أنفسهم على الثورة، لم يكونوا على قلب رجل واحد، متفقين متحدين، ضد الظلم وقواه وفلوله، وقدموا في كثير من الأحايين منافعهم الشخصية، وفضلوا مصالحهم الحزبية على مصالح الثورة والمجتمع، ولم يتسع أفقهم السياسي للتعاون القوي والتنسيق والتكامل في قواهم، بل كانت المكايدات والخلافات هي السائدة حتى في هذه الجولة، وانعكس ذلك في هذه النتيجة المزعجة، وإلا كيف يستقيم أن تكون نتيجة قوى الثورة ما يعادل حوالي 70 بالمائة في الجولة الانتخابية الأولى، وتتقلص هذه النسبة لتصل إلى ما يزيد على 50 بالمائة بقليل في الجولة الثانية. ضعف السلاح الإعلامي بيد الثورة وأصحابها، وهو قاسم مشترك في كثير من الدول التي انتصرت فيها الثورة، وعلى سبيل المثال، فقد شكا لي بعض أنصار حزب النهضة بتونس من الإعلام الذي في بلادهم، والمحسوب في جزء كبير على النظام السابق، لما يقوم به من فتّ عضد التغيير ومحاولة تشويه مساعيه وجهوده. المآخذ الكبيرة على الحركة والحزب الأكبر في الشارع المصري وهي حركة الإخوان المسلمين في خطابها وسلوكها السياسي الذي لم يتسم بكثير من الرشد سواء في تعاملها مع شباب الثورة أو الأحزاب والقوى السياسية، سواء لجهة المشاركة والتطمينات، بل حتى مع من يحسبون على خطها الإسلامي كالسلفيين، وأكثر من ذلك مع أشخاص كانوا محسوبين عليها تماما كالمرشح الرئاسي السابق الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، والشيء نفسه يقال عن حزب النور، وعن الجماعات السلفية بل وأكثر بكثير من ذلك. لكن رغم كل ما سبق، فإننا نقول: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" ذلك أن الانتصار والإنجاز السهل قد يذهب بسهولة، والعكس صحيح، وأن التجربة البرلمانية والرئاسية التي حصلت بكل تحدياتها وتداعياتها، قد تعلّم قوى الثورة الكثير، وتفتح أعينهم على أمور كثيرة، وتجعلهم أكثر حرصا على مولودهم الجديد، وتلفتهم إلى ضرورة تقوية مناعته، لمواجهة كافة الأخطار المحدقة، كما تجعلهم أكثر حرصا على وضع أيديهم بأيدي بعض، لاجتياز المرحلة الأهم والأخطر في عمليتهم التغييرية، وفهم أهمية وطرق التنسيق والتكامل والتعاون دون استئثار أو غرور أو مكايدات مقيتة، والاقتراب أكثر من مجتمعهم، ومواصلة خدمته بتواضع وإخلاص وتجرد، حتى يلمس المجتمع آثار التغيير فيلتف حوله ويتبناه ويعضّ عليه بالنواجذ. مبارك لمصر هذا الإنجاز الكبير.. مبارك لثوارها هذا الفوز العظيم.. مبارك لثورات الربيع العربي هذا النجاح.. مبارك للمستضعفين أينما كانوا نهاية حقبة من عهود الظلم والاستبداد.. وإلى الملتقى مع انتصارات أخرى على هذه الطريق، وفي مقدمتهم سوريا الصابرة المصابرة. (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ). نقلا عن صحيفة الشرق القطرية