خطبة الرسول في حجة الوداع التي ألقاها (صلى الله عليه وسلم) يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً، حيث قال فيها "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً". وكانت في 9 ذو الحجة 10 ه. وبلغ عدد الذين حضروا الخطبة لما يقرب 144 ألفا، في مشهد مهيب يخطف الأنظار، فقبل 23 عاما من ذلك الوقت كان فردا وحيدا يدعو الجموع إلى الدين، فيردونه ويكذبونه، وها هم الليلة يلتفون حوله ليشعر بأكمل معاني النصر. حملت الخطبة العديد من الوصايا، وكأنما تقدم ميثاق الإسلام وجوهر معناه وكان أولها طاعة الله وتقواه، مناديا في الجموع: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله، وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير"، ثم حث على الدم والعرض، بتشبيه حرمتهما "كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" ليعلم الجميع أهميتهما ويُشهد الله على ذلك، مع التأكيد على أن "من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها". ولم ينس نساء أمته، ليخطب في الجموع، أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً- ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد. كان الرسول يستشعر أنها الخطبة الأخيرة، حتى إنه قال في أولها "فإني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا"، لذلك تناولت جميع شؤون الأمة والضرورات التي تضمن بقاءها بعده، بتأكيد إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه- ألا هل بلغت اللهم فاشهد. فلا ترجعن بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد. ولم يتوقف مع كل وصية عن النداء ب"أيها الناس" ليواصلوا انتباههم، حتى اختتم كلماته ب "إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى".. ألا هل بلغت اللهم فاشهد.. فليبلغ الشاهد الغائب.. أيها الناس، إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر.. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل.. والسلام عليكم.