الأركان الرئيسية لأي دولة هي وزارات الدفاع والداخلية والإعلام والقضاء، ولإسقاط هيبة أي دولة لابد من إسقاط هذه الوزارات، ومنذ اندلاع الثورة المصرية العظيمة وهناك محاولات ومحاولات كثيرة من جماعات أقل ما توصف بأنها منحرفة عن مبادئ الوطنية، تسعي بكل قوة إلي إسقاط هيبة الدولة مدعومة من الخارج.. وقد تجلي ذلك واضحاً في إسقاط الشرطة التي نأمل أن تعود بكامل طاقتها في أسرع ما يكون، وكذلك الإعلام الذي سقط في هوة سحيقة وبشكل مخيف وكلنا يري حالته التي لا تسر أحداً، والفوضي الإعلامية العجيبة والغريبة التي تقوم بها الفضائيات بعدما اندثر دور التليفزيون الرسمي للبلاد، والذي يجلس إليها وما تبثه خاصة برامج «التوك شو» يصاب بأرتكاريا حادة، نضيف إلي ذلك الصحف الإلكترونية التي لا رابط ولا ضابط لها، وكذلك الآن بالنسبة للصحف المقروءة الكثيرة التي لا أكون مبالغاً إذا قلت إنها دأبت علي الكذب وتزييف الحقائق واختراع اشياء ما أنزل الله بها من سلطان.. هذه هي الفوضي الإعلامية التي أصابت البلاد في مقتل. أما محاولة إسقاط هيبة وزارة الدفاع فقد باءت بالفشل لأنه لو قدر الله أن حدث لها مثلاً ما حدث للشرطة والإعلام، فعلي الدنيا السلام، يعني أن الخراب الذي يطل برأسه سينال كل أسرة بل كل مواطن في هذا البلد.. ولأن الله يريد لمصر وشعبها الخير، فقد حفظ لها قواتها المسلحة من أي خراب.. ثم أخيراً بدأت الهجمة علي القضاء الذي يعد هو الحصن الذي يلجأ إليه الناس، يحتمون من خلاله بالقانون الذي يحفظ لهم حقوقهم.. الهجمة الشرسة علي القضاء الآن تعد كارثة بكل المقاييس، فالذين يجيشون العدة إلي إسقاط القضاء وضياع هيبته مثل الذي يريد أن يحل الخراب سريعاً في البلاد.. لقد استغل هؤلاء النفر ممن انعدمت ضمائرهم الحكم القضائي بحق الرئيس السابق ووزير داخليته بالمؤبد وبراءة مساعديه لتهييج الناس ضد القضاء. وكأن هؤلاء النفر من جماعة الإخوان نصبوا أنفسهم أوصياء علي شعب مصر، حينما نزلوا إلي الشارع للاحتجاج علي الحكم القضائي، وبدلاً من احترام هيبة القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية للطعن علي الحكم، يتم التشكيك في القضاء، بهدف كسر هيبته، فالجماعة تريد أن تستحوذ علي كل شيء، علي البرلمان والحكومة والرئاسة، والتدخل فيما يعنيها ولا يعنيها، فليس من حق أحد مهما كان أن يتدخل في شئون القضاء أو حتي يعلق علي أحكامه وقراراته، لكن من حق الجميع أن يلتزم بالقانون ويتبع الخطوات القانونية للتعبير عن أي احتجاج سواء كان ضد القضاء أو غيره.. أما عملية كسر هيبة القضاء ليلحق بكسر هيبة الداخلية، والإعلام فهذا يعني محاولات لإسقاط هيبة الدولة. وتمت محاولات ضد الدفاع لكنها فشلت وكذلك الأمر سيفشل بالنسبة للقضاء، لأنه التاج علي رؤوس المواطنين الذي يحتمي به الجميع. ما قام به المستشار أحمد الزند رئيس نادي قضاة مصر، عندما وصف «البرلمان» وهو طبعاً يقصد الأغلبية به- الجماعة- بالتنطع فهذا أقل وصف يستحقونه في هذا الصدد.. وأشد ما أعجبني في الرد علي البرلمان، أنه قال إن مشروع السلطة القضائية لن يقدم إلي هذا البرلمان الذي لا يحترم القضاء، ويتدخل فيما لا يعنيه.. وفعلاً عندما يكون البرلمان بهذا الشكل الذي لا يحترم القانون رغم أنه الذي يسن القوانين، فإن المستشار الزند يكون علي حق عندما يرفض تقديم مشروع السلطة القضائية لمجلس الشعب! الذي فعله تيار الإسلام السياسي ضد القضاة في مصر، لا يعني سوي أن هذا التيار يهدف بالدرجة الأولي إلي اسقاط هيبة القضاء.. فهل هذه هو الوطنية؟! وهل الثورة تعني أن نسقط ركناً من أركان الدولة؟! إسقاط القضاء مع الداخلية والإعلام، يكون أشد وطأة علي استقرار هذا البلد، الذي نسعي جميعاً إلي عودة الهدوء إليه، أما ما يحدث فأقل ما يوصف بأنه المهزلة والخراب، ولا أحد وطني يرضي بالخراب لمصر، مثلما تفعل الجماعة التي تسعي فقط إلي تحقيق مصالحها علي حساب خلق الله الذين تعرضوا للظلم الشديد علي مدار عقود طويلة، ومن حق المصريين أن يجنوا ثمار الثورة، بدلاً من المزيد من الظلم.