معارك كثيرة خاضتها القوى السياسية والثورية خلال الفترة الانتقالية لتحقيق التحول الديمقراطي للبلاد, إلا أنها انشغلت عن القضية الأهم والمعركة التى ستحدد شكل الدولة بكل مكوناتها الفترة المقبلة وهى معركة الدستور, فتهاونت القوى السياسية منذ البداية مع قوى الإسلام السياسى التى حاولت بشتى الطرق السيطرة على الجمعية التأسيسية, ثم عطلت الاتفاق مع باقي القوى السياسية على معايير واضحة تنهى الأزمة بعد إعلان القضاء عدم دستورية تشكيل التأسيسية من أعضاء البرلمان. ورغم أن الدستور هو الذي سيحدد اختصاصات الرئيس القادم وكيفية تحركه على ارض الواقع وعلاقته بالبرلمان والحكومة وأمور مهمة أخرى, إلا أن الثوار تركوا هذه المعركة الفاصلة في هذا التوقيت الحاسم والدقيق وانشغلوا بمن سيأتي رئيسا للبلاد, رغم عدم أهمية اسم من سيجلس على كرسي الحكم مقارنة بتحديد اختصاصاته وعلاقاته بباقي مؤسسات الدولة, لتصبح مصر الدولة الوحيدة التى أجرت انتخاباتها البرلمانية وشكلت مجلسي الشعب والشورى بها, وتحسم اسم رئيسها خلال أيام معدودة دون أن تضع دستورا يحكم علاقاتهم ببعضهم البعض ويحدد صلاحيات كل سلطة أو مؤسسة. وفى تحرك يعد طوق النجاة الأخير, تحاول القوى السياسية والثورية توحيد موقفها والاتفاق على معايير واضحة لتشكيل تأسيسية الدستور, للضغط على قوى التيار السياسى للتنازل عن بعض البنود المتمسكة بتحقيقها في التأسيسية. وكانت الجبهة الوطنية والتي تضم عدة أحزاب مدنية قد اجتمعت منذ يومين لبحث أزمة الدستور, وقالت في بيان أصدرته أن المفاوضات الطويلة مع حزب الحرية والعدالة فيما يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية أثبتت أنه لا سبيل إلى التوافق حول تشكيل تلك الجمعية، مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتحمل مسئوليته الوطنية في هذه اللحظة التاريخية تصحيح أخطاء المرحلة الانتقالية التى عطلت الدستور كأساس لعملية التحول الديمقراطي، وعطلت تشكيل جمعيته التأسيسية التى يجب أن تعبر عن كافة أطياف المجتمع المصرى وتستمد صلاحياتها مباشرة من الإعلان الدستورى. اللواء سفير نور مساعد رئيس حزب الوفد قال: الدستور المعركة الأهم حاليا, فهي أهم من معارك الرئاسة والبرلمان, ويجب تحديد أسماء أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور قبل بداية انتخابات الإعادة في 16 يونيو الجاري. وتابع: عدم اختيار هذه اللجنة وتحديد أعضائها قبل بدء جولة الإعادة سيترتب عليه تحكم فصيل معين في السيطرة على كتابة الدستور, الذى يجب أن يوضع لسنوات طويلة باعتباره الأساس الأول والرئيسي لبناء الدولة الديمقراطية المدنية التى تسودها المواطنة والعدل والمساواة, فالأغلبية الموجودة حاليا قد تكون أقلية غدا, والدستور لا يجب ان تضعه الأغلبية بل يضعه جميع طوائف الشعب وتياراته السياسية وأحزابه المختلفة, فالخوف كل الخوف أن يضع الدستور تيار معين يقضى على الأخضر واليابس. وقال نور: إن اجتماع الجبهة الوطنية مساء الاثنين شهد اتفاق الحضور بالإجماع على ان العقبة الرئيسية أمام توافق كافة الأحزاب والتيارات السياسية على تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور حزب الحرية والعدالة وبعض الانتماءات من التيارات الإسلامية, معلنا تحديد أعضاء الجبهة الوطنية اليوم الخميس موعدا نهائيا لإعلان حزب الحرية والعدالة موافقته على ما أبداه المجتمعون لوضع الأساس لاختيار لجنة المائة. وأكد المستشار حسين خليل، النائب الوفدي بمجلس الشعب، أن الدستور يمر بمأزق بسبب المادة 60 من الإعلان الدستوري، والتي أعطت الحق لمجلسي الشعب والشورى بوضع الدستور, وبعد تشكيل التأسيسية وفقا لأهواء حزبي الأغلبية بمجلسي الشعب والشورى والذين استأثروا بها، فما كان إلا وصدر حكم المحكمة القضاء الإداري في إبريل الماضي، ومنذ هذا الحين لم تتوافق القوى السياسية على معيار لتشكيل اللجنة التأسيسية. وأشار إلى أن فشل الجلسات التى تم تحديدها على مدار الأيام الماضية يعود إلى رغبة الأغلبية البرلمانية في تشكيل التأسيسية وتمسكها بأهدافها، معربا عن انزعاجه من إجراء انتخابات رئاسية في ظل عدم وضع دستور للبلاد, كما توقع أن تحمل الأيام القادمة عدم استحسان بين المجلس العسكري والإخوان حينما يصدر تعديل للمادة 60، ليختص هو بوضع تشكيل لجنة الدستور. ويرى خليل أن التوافق بين الأحزاب تحت مظلة المجلس العسكري في شكل اجتماع موسع، هو الحل الأمثل لمعالجة الأمر. وعلق أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، قائلا: الدستور القضية الأخطر, هذه القضية المشغولون عنها حاليا لصالح قضايا أقل أهمية مثل اسم الرئيس القادم, لأن الدستور هو من سيحدد اتجاه الحركة في المستقبل بالنسبة للدولة وهويتها الوطنية واتجاه الأحداث فيها, ورغم تشكيل لجنة لوضع الدستور إلا أن الإخوان هيمنوا عليها فأبطلها القضاء, وللأسف يكررون نفس الخطأ ثانية الآن, وهذا أكبر تعبير عن نوايا التيار الإسلامى للسيطرة على مستقبل البلاد, رافضا ترك الفرصة لقوى الوطنية الأخرى للمشاركة في صنعه وقبول التنوع الفكري والتمثيل الموضوعي لكل أفراد المجتمع. وأضاف: حاليا الأمور تتحرك باتجاه أزمة عميقة لوجود عوار قانوني, فأجريت انتخابات البرلمان دون وضوح صلاحياته, والآن تجرى انتخابات الرئاسة بنفس الطريقة دون تحديد صلاحيات الرئيس القادم, ليصبح شكل وترتيب الدولة عبارة عن برلمان ورئيس جمهورية بلا صلاحيات واضحة, مما يهدد بحدوث تصادم في المستقبل القريب. وقلل شعبان من قدرة القوى السياسية على وضع حل نهائي للازمة في هذا التوقيت الحاسم, قائلا: القوى السياسية «إيدك منها والأرض» فهي مفككة وضعيفة ومفترقة, وقد يكون الحل في يد المجلس العسكري لأنه من وضع البلاد في هذه الأزمة, إلا أنني موقن أن الشعب المصرى هو من يملك الحل, فلا أعول إلا عليه ليحلها بطريقته الخاصة, فحل أزمة الدستور في الميدان, مثلما كان دائما مكان حل كل الأزمات التى شهدتها البلاد خلال الفترة الانتقالية. وأكد نبيل زكى المتحدث الرسمي باسم حزب التجمع أهمية الانتهاء من وضع الدستور, وجعل هذه القضية في مقدمة أولويات القوى السياسية, مشددا على ضرورة الفصل بين البرلمان والجمعية التأسيسية لوضع الدستور. وأوضح أن أعضاء الجبهة الوطنية تبنوا مشروعا قدمه نقيب المحامين سامح عاشور لتشكيل الجمعية التأسيسية, قائلا: هو مشروع متكامل وعملي جدا يضمن تمثيل الهيئات والنقابات حسب مواقع رؤسائهم, كما يضمن تمثيل الأحزاب جميعها بشخص واحد فقط, ويتسليم نقيب المحامين المشروع إلى المجلس العسكري أصبحت الكرة في ملعبه. وتابع: لو تبنى المجلس العسكري المشروع سيعدل المادة 60 من الاعلان الدستورى ويحل الأزمة الحالية, وإذا ترك المجال لتفاهم القوى السياسية فلن يحل الموقف, لان حزب الحرية والعدالة لا يرغب في الاتفاق, وسيؤدى إلى تولى رئيس الجمهورية مقاليد الحكم دون دستور يحدد صلاحياته, مما ينذر بوقوع نزاع بين الرئيس والبرلمان. وأوضح السعيد كامل رئيس حزب الجبهة الديمقراطية أن أزمة الدستور نتجت عن رفض الأغلبية البرلمانية – قوى الإسلام السياسى- تنفيذ ما اتفقت عليه القوى السياسية, مشيرا إلى محاولات القوى السياسية الاجتماع بشكل مكثف هذه الأيام لوضع حل نهائي لهذه الأزمة, فضلا عن وضع حد نهائي لتصرفات أغلبية البرلمان. وأوضح أن المجلس العسكري يجب أن يمارس ضغوطا على الإخوان بجانب ضغوط القوى السياسية لحل أزمة «تأسيسية الدستور», مشيرا إلى أن الأخوان عليهم إما الموافقة على ما توصل إليه القوى السياسية قبل يوم 9 يونيو الجاري, وإما ستنسحب القوى السياسية من الجمعية التأسيسية وتضع دستورا بمفردها. وتابع: قد لا يتم الاعتراف بدستور القوى السياسية, وأيضا لن يتم الاعتراف بدستور الإخوان, وأعتقد أنهم لن يضعوا دستورا بمفردهم, وإن فعلوا ستعترض كل القوى الوطنية, وسيتصدى المجلس العسكري لهم من خلال إصدار إعلان دستوري مكمل يحل الأزمة. وحذر كامل من استمرار الاضطراب في البلاد بسبب تصرفات الإخوان, قائلا: مصر ستظل في حالة اضطراب فترة طويلة بسبب تصرفات أغلبية البرلمان, خاصة وأنهم لن يستطيعوا إدارة الأمور بمفردهم ولن يقدروا على الاستغناء عن القوى السياسية الأخرى, وإذا أرادوا ذلك فعليهم تحمل المسئولية أمام الشعب والمجتمع الدولي والتاريخ. وأوضح المفكر القبطي كمال زاخر أنه رغم أن قضية الدستور ليست بعيدة عن الاهتمام الوطني, إلا أنه حتى الآن لم تتخذ خطوات جادة لإنهاء الأزمة, فهناك أصوات تطالب بإصدار إعلان دستوري مكمل, وأخرى تطالب القوى الوطنية بالاتفاق على قواعد حاكمة للدستور. وتابع: الوضع الآن مرتبك ويحتاج إلى الحسم, وعلى المجلس العسكري إصدار إعلان دستوري مكمل, خاصة أن النخب والقوى السياسية لا تملك حاليا إلا الاستغاثة، مضيفا أنه على القوى السياسية أن تسمع بعضها, ويجب على كل فصيل التنازل عن فكرة أن كل ما يراه هو الحل الأمثل, فالقوى السياسية تجاوزت فكرة التوافق, وهذا سبب المشاكل الآن. وحذر من مخاطر الدخول في معارك لفظية نتيجة لاختلاف الرؤى بين القوى السياسية, ليكون المستفيد الوحيد القوى الفاشية التى تحاول بشتى الطرق القفز على السلطة, مطالبا القوى السياسية بتوحيد صفها لحل أزمة الدستور.