عندما سمعت الكلمات الغاضبة الحماسية، المفعمة بالرثاء لمصر وشبابها، فى وصف مصر التى ذاقت الويلات والظلم والفساد فى عهد مبارك، والشباب الذى قتل فى الميدان وهو يصرخ «سلمية سلمية» وبطنه خاوية من الطعام، عندما سمعت كل ما سبق النطق بالحكم، حلقت بخيالى مع الشعب فى السماء بين أرواح الشهداء اطمئنهم ان القصاص جاء، وحين سمعت الحكم، سقطت مع ملايين غيرى إلى سابع أرض، وتحطمت «جدور» رقبتنا جميعا لنعيش حالة الاحباط والغضب، تلك التى أصبح الخروج للميادين هو المعبر الوحيد عنها، ورغم أنى لا أعتقد فى المصادفة، لكن يبدو أن شهر يونيو كتب علينا كشهر الهزائم، فى 5 يونيو 67 أصيبت مصر بالهزيمة على يد عدوها الحقيقى الواضح اسرائيل، وتحايلنا على اسم الهزيمة واعتبرناها نكسة، وفى 2 يونيو 2012 منيت ثورة الشعب «25 يناير» بالهزيمة بهذا الحكم على مبارك ونفر من رجاله ولكن هزيمة هذه المرة أشد وأنكى لان الضربة جاءت من الداخل وليس الخارج، ولا أجد اسماً مناسباً لها سوى «وكسة». ولان الكلمة كلمة القضاء، والقضاء له احترامه وقدسيته ليس فى مصر فقط بل كل العالم، ولأنه نزيه وشفاف ولا يمكن تسييس أحكامه او التأثير عليها بأى طريقة، يجب ان «أخرس» ويخرس معى الجميع، يجب ان نحبس انفاسنا، ونقطع الأحبال بحناجرنا فلا تصرخ بالغضب، ونقطع أيدينا فلا ترفع شعارات الرفض، ونقطع أرجلنا فلا تسير للميادين، وعلينا ان نسجد جميعا شاكرين مسبحين بالحمد والشكر للعدالة التى لا تفرق بين كبير وصغير، ولا غنى أو فقير، ولا شحات أو وزير، لأن العدالة تتعامل مع الوثائق والأدلة، ولان العدالة «عمياء» الا عن الحق والاوراق الرسمية امامها ، ولان الاوراق تغيرت وفقا «للعبة»، والمستندات والأدلة اختفت بيد اللهو الخفى، ولأن العدالة عمياء كما يطالعنا رمزها مصلوبا على جدران المحاكم وهى ممسكة بميزان العدل، لذا علينا قبول كل ما قيل وصدر، علينا ان نقبل ان مبارك والعادلى أصدرا أوامر بقتل المتظاهرين، وأن عمليات القتل نفذت بالفعل، ولكن بلا منفذين، لان مساعدى العادلى لم ينفذوا القتل، ولهذا تمت تبرئتهم، اما عمليات القتل فقد نفذها اللهو الخفى ايضا الذى اتلف الأدلة، هذا الذى يظهر دوما فى الوقت المناسب من «الظلمات» لانقاذ عناصر النظام السابق، اللهو اللعين الذى سبق ونفذ كل اعمال العنف والقتل دون ان تصل إليه يد. ويجب ألا أسمع أنا وغيرى لهؤلاء المتحذلقين مدعى فهم السياسة الذين يزعمون علمهم ببواطن الأمور، لأنهم أوغاد أشرار يحاولون اشعال الفتن فى البلاد، بزعمهم ان «شفيق» سيفوز فى الانتخابات الرئاسية، لأنه الفائز مسبقا، وانه قد يصدر قرارا بالافراج الصحى عن «مبارك» رحمة بحالته الصحية، وان طعونا فى الاحكام ستقدم، وستعتمد على أنه طالما لم ينفذ مساعدوا العادلى أوامر بالقتل، بالتالى لم يصدر لهم فى الاصل مثل تلك الأوامر، وهى معادلة بديهية، اذا انعدمت النتيجة انعدم السبب، وبالتالى لا يمكن أن يكون مبارك والعادلى أصدرا أوامر بالقتل، يا لهؤلاء انهم يقولون كلاما «فارغا» ويهزون بالترهات. مالى أرى الشعب غاضبا، وكأنه جمهور «ترسو» دفعوا اخر ما فى جيوبهم لمشاهدة فيلم خدعتهم «اعلاناته»، فاذا بالفيلم يصدمهم بالنهاية، بل يفجعهم بما كانوا لا ينتظرونه، مالى أرى الشعب وكأنه يهتف «ثورة أونطة عاوزين شهداءنا»، على غرار جمهور الترسو «فيلم أونطة عاوزين فلوسنا»، ألا يعلم هؤلاء ان عليهم الفرجة والقبول، لان صانع الفيلم ومؤلف السيناريو شىء، والمتفرج شىء آخر، فلا تغضب أيها الشعب، ولا تثور، حتى لا تدفع مزيدا من أبنائك، من شهدائك، وحتى لا تذهب دماؤهم مجددا هباء. ألا يكفيك ايها الشعب «ناكر الجميل» انك خرجت فى ثورة، وهتفت ملء الحناجر، وقضيت الليالي «الرائعة « بالميادين ، وحصل ابناؤك زهرات شبابك على «لقب الشهيد» أو لقب «مصاب ثورة» بعد أن أصبح معاقا.. ألا يكفيك هذا، لا تنتظر نجاح الثورة أو نتيجتها، بل وجه الشكر والحمد لمن سمحوا لك بالهتاف والثورة، فالسيناريو ليس لك..! من الآن عليك ان تمشى «تحت الحيط» لا تهش ولا تنش، واياك ان ترفع رأسك من الآن فى وجه شرطى وتطالبه باحترامك أو احترام حقوقك الانسانية، لأن جبروتهم سيعود كما كان وأكثر، بعدما برأت المحكمة سدنتهم من ظلمك، نعم انت أيها الشعب ظالم، ومفترى ومنك لله، وعليهم ان يثأروا منك لأنك ظلمهتم، ولوثت ايديهم البيضاء كذبا، وعليك الآن تقبل ما سيفعلونه بك حتى لو داسوك بأحذيتهم، فاحذيتهم ستكون أرحم من صوت عجلات سياراتهم التى شهدناها وهى «تهرس» لحم وعظام الشباب فى التحرير، ألم أقل إن يونيو شهر الهزيمة، فمتى سيأتى شهر النصر.