توقع الفرنسيون أن يكون 2018 عام التغيير للأفضل في عاصمة النور، لكنه كان عاما مليئا بالأحداث. بعد أن إنتصر ماكرون على رئيسة حزب اليمين المتطرف في فرنسا، ماري لوبان، بنسبة 66% في منتصف 2017، إنطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بداية هادئة استطاع من خلالها أن يحقق الكثير من التغييرات التي فشل فيه سابقيه في قوانين العمل والهجرة والصحافة. همجية بينالا.. أول مسمار في نعش ماكرون وبدأ ماكرون في بداية حكمه عازما على الوصول إلى حلول المشاكل الصعبة مع النقابات واستطاع بحنكته أن يتعامل معهم بذكاء شديد لدرجة انه أنتصر في معركته مع (SNCF) الشركة الوطنية للسكك الحديدية والتي كانت تسبب خسائر فادحة فيما سبق. نجح ماكرون في جميع الجولات والحقيقة كانت كل الدلائل تؤكد بأن إنحيازه للأغنياء ومداعبته لهم يَصْب في مصلحة التوظيف لأنه لغى عنهم ضريبة الثروة والتي جعلتهم يهربون من السوق الفرنسية إلى دول أخرى وإستطاع ان يقوم باستخدام سياسة التقشف لتخفيض نسبة العجز ونجح في تقليص خسائر القطاع الصحي أيضا. قدم نفسه للفرنسيين بأنه ليبرالي بلون إشتراكي إلا انه لاقى كثير من المعارضة في الشارع ولكن في كل مرة كان يخرج منتصرا وبدأت المشاكل لماكرون في الظهور. كانت وسائل الإعلام الفرنسية لا زالت تتحدث عن الرئيس الشاب وخططه الإصلاحية، وزوجته ومدرسته في الطفولة "بريجيت" حيث نالت قصتهما اهتمام وإعجاب الكثيرين، إلا أن واقعة اعتداء "ألكسندر بينالا" معاون ماكرون على أحد المتظاهرين في يوم عيد العمال، يمكن اعتبارها أول أزمة سياسية حقيقية واجهها ماكرون منذ انتخابه. وبدأت صورة ماكرون في الإهتزاز وبدأت حملات الإعلام تنال منه ومن حكومته وبدا وكأنه خدع الفرنسيين ولأنه استخدم سلطاته في خصخصة حتي قوات أمن حراسته فناله ما ناله وجاءت هذه القضية لتهتز الحكومة وبادر وزير البيئة "نيكولا هولو" بتقديم استقالته والتصميم عليها في مفاجآه كبيرة لأنه الوزير الأكثر شعبية لدي الفرنسيين وعندما سؤل لماذا استقال قال انه لايمكن ان يستمر في الكذب علي الفرنسيين وخداعهم وقال أن هناك مراكز قوى تتدخل لفرض وصايتها علي الحكومة وتتوالي الأزمات ويحدث تصدع في علاقته بوزير الداخليه "جيرار كلومب" والذي كان أحد أهم داعميه وتأثر كلومب وقرر الإنسحاب ورفضه ماكرون وأيضاً "إدوار فيليب" إلا أنه أصر عليه. ونظرا لتداعيات توظيف "بنالا"، وعدم علم الوزير بها، وبعد ربيع هادئ كان الصيف ملبد بالمشاكل وبدأ ماكرون في فقد شعبيته أكثر وأكثر. صدمات صفعت ماكرون على الصعيد الدولي الحقيقة أن ماكرون حاول الهروب من مشاكله الداخليه ومحاوله لعب دور بارز علي الساحة الخارجيه فبدأ يداعب الرئيس الامريكي والذي صدمه بقراره الانسحاب من اتفاق المناخ ثم خروج أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، وعارضت فرنسا أيضا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكان قرار فرنسا بالإشتراك مع أمريكاوبريطانيا في هجوم ثلاثي على سوريا في أبريل بمثابة نقطة فارقة في علاقات باريس بموسكو، إذ إدعى الغرب أن ذلك الهجوم كان هدفه معاقبة النظام السوري على الهجوم الكيماوي المُتهم بتنفيذه بالغوطة الشرقيّة، كما طالب ماكرون أيضا بإنشاء جيش أوروبي موحد لمواجهة أي عدوان خارجي من أمريكا أو روسيا أو الصين وهو الأمر الذي أغضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودفعه لمهاجمة مقترحات ماكرون. ثم كان فرض عقوبات علي الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، ما أدى إلى ضربة موجعة أصابت الاقتصاد الأوروبي وبالتالي الفرنسي. شعر الفرنسيين بأن رئيسهم فشل خارجيا ويحاول ان يفرض عليهم حلولا بفرض إجراءات الأمر الواقع بتنفيذ قرارات صعبة وزيادة الضرائب علي الشركات الصغيرة والمتوسطة والعمال وبدأت الحملات الإعلامية ضد ماكرون والذي استخدم أسلوب متعالي في التعامل مع الإعلام من جهة ومع الفرنسيين وصفوه بالغطرسة وبدأنا نسمع عن رئيس الأغنياء والاغنياء جدا كما وصفه الرئيس السابق فرانسو هولاند. وبدأت الحملات من كل الأحزاب اليمينية والاشتراكية بالإضافة إلى "مارين لوبان" من اليمين المتطرف وأقصي اليسار ميلانشون، ليجد ماكرون وحكومته برئاسة إدوار فيليب في موقف سئ للغاية. انتفاضة شعبية قهرت طموح ماكرون نحو الإصلاح بعد ان بدأ الاقتصاد الفرنسي في التحسن وتحقيق معدلات أفضل وتقليص العجز ليصل 2.7% لأول مرة، كان إعلانه في أول نوفمبر علي نيته في رفع أسعار المحروقات في بداية 2019 الشرارة التي جعلت امرأة غير معروفة تكتب علي حسابها علي الفيس بوك بضرورة ارتداء السترات الصفراء المتواجدة داخل سيارات الفرنسيين للخروج من أجل الاعتراض علي هذه القرارات التعسفية ولأنهم لايستطيعون إستكمال الشهر بمرتبات ضعيفة للغاية وإنخفاض قوتهم الشرائية فلاقت هذه الدعوة نجاحا كبيرا. وكانت حركة السترات الصفراء والتي قال عنها محللون إنها تحولت بالفعل إلى انتفاضة شعبية انضم إليها آلاف الغاضبين من الحرمان الاجتماعي وإهمال قطاع الصحة وانخفاض القدرة الشرائية، إذ يقول الصحفي المتخصص في الشئون الفرنسية "جون ليشفيلد" إن البلاد لم تشهد أعمال عنف بهذا الحجم منذ انتفاضة الطلبة والعمال في سنة 1968. ويري بعض المحللون أن الرئيس الشاب بدا متحمسا ليكون قائدا من خلال تصميمه علي موضوع التغير المناخي والحفاظ علي البيئة وانه في إطار عمل تغيرات علي حساب المواطن الفرنسي ليكون قدوة لباقي الدول ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة. خطاب رئاسي هزيل فشهدت العاصمة الفرنسية باريس والمدن الكبرى مظاهرات وعنف، قدم خلالها ماكرون خطاب هزيل اشتعلت بعده الأمور ثم خطاب أخر أعلن فيه عن تخليه عن هذا القرار وإلغاء بعض الضرائب وزيادة الحد الأدني للأجور بعد أن أعلن رئيس الوزراء عن تأجيل قرار رفع أسعار الوقود الا أن تنازلات ماكرون لم ترض السترات الصفراء، وايضاً خطابه بعد تعرض سوق عيد الميلاد لعملية إرهابية بضروره عدم التظاهر لعدم إرهاق قوات الشرطة والدرك حتي يستطيعون دحر الاٍرهاب إذ دعت الحركه للموجة السابعة من التظاهرات مع العلم أنه بالرغم من إنقسام الحركه علي نفسها وظهر هذا جليا في انخفاض عدد المتظاهرين السبت الماضي وأعربت الحكومة عن أملها في "سلمية التظاهرات" بعد التدابير التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي، ومطالبته بضرورة ضبط النفس وعدم النزول والاستماع لصوت العقل إلا أن رئيس وزرائه ادوار فيليب فاجأ الجميع بالحديث علي أنه وحكومته يتعرضون للضغط وان لكل فعل رد فعل. وبدأت بعض القوي الحزبية بمداعبه أصحاب السترات الصفراء للإنضمام إليها إلا أن جاكلين موران السيدة الفرنسية صاحبه فكرة ارتداء السترات الصفراء للاعتراض علي قرارات ماكرون قبل سته أسابيع. وبعد أن سبق لها وصرحت بعد خطاب ماكرون الأخيربضرورة التوقف عن الاحتجاجات وأنه يجب الحوار حينها مع الحكومة لا تستبعد إنشاء حزب سياسي يمثل الحركة حتي لا يتم استغلال السترات الصفراء من قبل أحزاب اليمين المتطرف أو أقصى اليسار. قبل الانتخابات الاوروبية المقرر اجرائها مايو القادم فهل ستشهد نهاية 2018 ..استمرار الاحتجاجات من قبل السترات الصفراء أم سينجح ماكرون في تخطي أزمته الداخلية؟ والتي لعبت فيها أطراف خارجيه كالولايات المتحدة من خلال مخاطبه الشعب الفرنسي من قبل ترامب بأنه كان علي حق للخروج من اتفاقية المناخ مما جعل وزير الخارجيه الفرنسي يتقدم باحتجاج رسمي وايضاً فتح تحقيق في انشاء روسيا اليوم لبعض الحسابات الوهمية لإشعال فتيل الأزمة علي الارض الفرنسية. فهل يتعرض الرئيس ماكرون لمؤامره خارجية وهل سينجح داخليا لتفويت الفرصة علي أعداء فرنسا والاتحاد الأوربي؟ لأن الهدف هو زيادة دعم الشعبوية أي اليمين المتطرف للفوز بالانتخابات وبالتالي الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي وبالتالي تفكيكه. هذا ما سوف يتحدد في 2019؟ من قبل الفرنسيين الذين سيصبحون على المحك في الأيام القادمة.