مقابر الموتى.. مشهد له قدسية خاصة.. وفور أن تطأ قدماك أرض أية مقابر، يداهمك شعور بالسكينة، يأخذك إلى التفكير فى العالم الآخر، ويوم الحساب والجنة والنار. والغريب أن المقابر التى تبعث على الهدوء وتدعو إلى التخلص من زينة الحياة الدنيا، تحول الآن إلى بيزنس مربح. ففى السنوات الأخيرة تحولت المقابر لنشاط تجارى مربح جداً، بين سماسرة الموت بعيداً عن أعين الجهات الحكومية، حتى أصبح المواطن يجتهد فى جلب المال، لكى يستطيع شراء مقبرة له ولأبنائه، ولمواجهة هؤلاء السماسرة قامت الحكومة ممثلة فى وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة وأجهزة مدنها وكذلك المحافظات بطرح مقابر للمواطنين بنظام حق الانتفاع للقضاء على جشع السماسرة، ولكن حكاية حق الانتفاع تلك أثارت استياء بعض المواطنين، وتساءل الكثيرون ماذا لو عجز المواطن عن دفع قيمة حق الانتفاع؟.. وماذا بعد الانتهاء من قيمة الدفع.. هل سيتم تجديد العقد أم يجمع الفرد أقاربه الموتى ليبحث عن مكان آخر؟ فالحصول على مقبرة حكومية تابعة لديوان المحافظة، يستلزم أولاً إيداع مبلغ 5 آلاف جنيه باسم الجهاز التنفيذى لمشروع وادى الراحة ببنك التعمير والإسكان، ويصرف المبلغ على أعمال الصيانة والحراسة من عائد الوديعة. وفى حالة التأخير عن سداد المبالغ المطلوبة، يتم إلغاء تخصيص المقبرة دون حاجة إلى إخطار أو إنذار المستفيد، وذلك حسب اللائحة العقارية للهيئة، حيث يطبق فى ذلك قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 ولائحته التنفيذية. الأمر لن يتوقف على ذلك فقط فلكى تحجز مقبرة لابد أن يكون المتقدم شخصاً طبيعياً مصرى الجنسية وليس شخصاً اعتبارياً وألا يقل عمره عن 21 عاماً فى تاريخ الحجز، ولا يحق للأسرة «الزوج والزوجة والأولاد القصر» التقدم لحجز أكثر من مقبرة واحدة فى جميع المجتمعات العمرانية الجديدة. كما يتضمن الشروط التزام الفرد بقواعد حق الانتفاع وذلك بدفع قيمة الصيانة للمقبرة، ومن يقدم بيانات مغلوطة يكون قد ارتكب جرماً قانونياً بحسب المادة 21 من قانون العقوبات، كما يحظر تقسيم أو تجزئة المقبرة أو التصرف فى المقبرة أو التنازل عنها للغير بأى طريقة. انقسام حالة من الانقسام بين المواطنين حول قانون حق الانتفاع المستند إلى القانون رقم 101 لسنة 1996 والذى يمنع التمليك فى المقابر، والبعض يؤيده للحد من ظاهرة سمسارة المقابر، والآخرون يرون أنه يمثل خطورة عليهم وعلى جثث أمواتهم حال رغبة الحكومة فى استرداد الأرض الخاصة بالمقبرة. ففى جولة ميدانية أجرتها «الوفد» إلى مقابر 6 أكتوبر، أشار عدد من سماسرة المدافن إلى أن الأسعار زادت أضعاف مضاعفة، فالمقبرة التى كانت تباع ب 60 ألف أصبح سعرها الآن ب 100 ألف جنيه. والأسعار تجاوزت الضعف فى شهور قليلة، فالمقبرة التى كان سعرها فى مطلع العام الجارى يتراوح بين 50 و60 ألف جنيه، تجاوزت أسعارها الآن ال 100 ألف جنيه. «م. ك» أحد السماسرة - رفض ذكر اسمه - قال: إن المقابر شهدت خلال الشهور الماضية زيادة كبيرة فى الأسعار، وذلك على حسب المتر الذى يصل قيمته من 500 إلى 800 جنيه، مشيراً إلى أن أسعار المقابر أصبحت تنافس أسعار العقارات فى 6 أكتوبر! وأضاف: أقل مساحة مقبرة فى 6 أكتوبر 40 متراً، وسعرها ب 120 ألف، عبارة عن غرفتين وصالة، وفيه مقابر 80 متراً، تبدأ أسعارها من 190 ألفاً إلى 220 ألف جنيه، وذلك للمقابر الداخلية، أما نفس المساحة على الشارع فتصل إلى 400 ألف جنيه، وتفاوت الأسعار يرجع إلى مكان المقبرة ونوع التشطيب، ومن الطبيعى أن أسعار المقابر الداخلية أقل فى السعر من المقابر التى تقع على طريق عمومى. وقال سمسار آخر يدعى «ف.ع»: إن التشطيب نوعان لوكس وعادي، ففى المقابر الخارجية دوماً ما يتم تشطيبها لوكس لأنها واجهة تكون عبارة عن مقبرة تشطيب لوكس وسلم رخام وبوابة حديدية مدهونة، وفيه مقابر لها مظلات من الشمس. وعلى طريق الواحات وصل سعر المقبرة إلى 61 ألف جنيه، على مساحة 50 متراً، يدفع الزبون "عربون" لتسجيل العقد فى الشهر العقارى، ويتكلف جميع أعمال الصيانة بعد ذلك، كما تتفاوت أسعار مقابر الطريق الخارجى عن الداخلية. وفى محافظة بورسعيد، وصل سعر المقبرة إلى 120 ألف جنيه، وغيرها ب 160 ألف جنيه، واختلاف الأسعار يعود إلى المساحة والموقع والتشطيب، وأشار عدد من السماسرة إلى أن أسعار المقابر فى بعض المناطق فاقت أسعار العقارات. وأشار السمسار «س. ر» إلى أن الحكومة المتمثلة فى وزارة الإسكان وفرت مقابر على مساحة 40 متراً بقيمة 73 ألف جنيه، على أن يدفع الزبون 30 ألف مقدم بنظام حق الانتفاع وليس تمليكاً، وهذا ما أدى إلى رفع أسعار المقابر فى المناطق المختلفة. مواطنون: يرحمنا من جشع سماسرة الموت.. ولكن ما مصير من يتوقف عن سداد الأقساط؟ حالة من الانقسام بين المواطنين حول حق الانتفاع فى المقابر، البعض منهم عبر عن تخوفه من قيام الحكومة بسحب الأرض منهم فى أى وقت وهو ما يؤدى بالضرورة إلى العبث بجثث أمواتهم، والآخرين، وأشار إلى أن حق الانتفاع يعد بمثابة إعلان الحرب من الحكومة على سمسارة المقابر. إسماعيل فتحى، موظف، قال: إن حق الانتفاع فى المقابر يثير بعض المخاوف فى نفوس المواطنين، منها حال انتهاء عقد حق الانتفاع ماذا يكون الوضع هل سيتم سحب الأرض من المستأجر ويتم العبث فى جثث الموتى أم يتم تجديد العقد؟. وأشار «فتحى» إلى أن الحكومة تسعى للقضاء على سمسارة المقابر ولكن لابد من توضيح الأمور للمواطنين فى كل الأحوال.. وقال: الجميع يفضلون تمليك المكان أفضل عن استئجاره حتى ولو كان الإيجار أو حق الانتفاع بسعر رخيص. من جانبه، قال رضا عبدالستار، سباك: إن حق الانتفاع يمكن استخدامه فى تأجير طريق ما أو مبنى حكومى وليس فى مقابر الموتى، فماذا إذا عجز الفرد عن دفع قيمة الانتفاع فى شهر ما حال تعرضه لظروف خاصة.. وهل سيتم سحب المكان منه طبقاً للقانون المنصوص عليه. وتابع: «الناس الآن بين خيارين.. إما الرضا باستغلال السماسرة ومبالغهم الكبيرة فى تمليك المقبرة أو نأجر مقبرة ويا عالم مصير الأموات معانا إيه بعد كده». وقال شريف حمدى، أحد المقيمين ب 6 أكتوبر: إن الحكومة تسعى من خلال حق الانتفاع القضاء على جشع السماسرة، مشيداً بالقانون رقم «251» لسنة 1966 الذى يمنع التمليك فى المقابر، للحد من نشاط السماسرة فى 6 أكتوبر، حيث بلغ أسعار المقابر أعلى من أسعار العقارات، فيما ينتهز بعض سمسارة العقارات فرصة غلاء أسعار المقابر فى رفع أسعار المبانى والشقق. أيده الرأى فتحى دسوقى، أحد مقيمى منطقة 6 أكتوبر، قائلاً، إن أسعار العقارات فى المنطقة ارتفعت أضعاف، وذلك بالتنسيق بين السمسارة أنفسهم حينما تقوم بشراء شقة ما، يقول لك سعر المقبرة وصلت ل 100 ألف فما بالك سعر الشقة المشطبة. وأشاد «دسوقى» بحق الانتفاع، وقال: إنه يضمن حقوق المواطنين والأموات أيضاً من استغلال السماسرة. أما عن سحب المنطقة من يد المستأجر، قال «دسوقى»: من المستحيل قيام الحكومة سحب المقبرة من المواطن احتراماً لحرمة الموتى وقدسية المكان. برلمانى: حق الانتفاع أبدي.. وما حدث فى البساتين ومدينة نصر لا يتكرر قال محمد الحصى، عضو مجلس النواب: إن جميع المقابر تخضع لقانون حق الانتفاع رقم «251» لسنة 1966 الذى يمنع التمليك فى المقابر، مشيراً إلى أن عقد حق الانتفاع ليس له مدة محددة، فالدولة خصصت هذه الأراضى للمسلمين والأقباط لتوفير مكان لإقامة المقابر والقضاء على سماسرة المقابر. وأضاف «الحصى» أن نظام سداد حق الانتفاع، إما كاش أو قسط كل 4 أشهر، مشيراً إلى قانون حق الانتفاع يضمن للمواطن حقه فى الحصول على المقبرة بسعر أرخص كثيراً عن السماسرة، كما تسمح للدولة نقل المقابر فى أى وقت حال وجود زحف أو توسع عمرانى على المنطقة مع إيجاد مقابر بديلة.. وتابع: «أرض المقابر من المستحيل تغيير نشاطها فليس من الداعى كل القلق والخوف الذى انتاب المواطنين». وأشار عضو لجنة الإسكان إلى أن قانون حق الانتفاع جاء لتجنب ما حدث فى مقابر البساتين ومدينة نصر، فمع الزيادة السكانية والزحف العمرانى أصبحت المقابر وسط العمائر ومع مرور الأيام تعرضت المقابر لتسريب مياه الصرف الصحى وانفجار مواسير المياه وغيرها.. وتابع: «كراسة الشروط والمواصفات موجودة فى جميع فروع بنك التعمير والإسكان، وسحب الكراسة ب 200 جنيه».