عم الهدوء الشارع الشعبى بمدينة بنى سويف، كانت الساعة تقترب من السابعة صباحا.. الأمهات منشغلات بتجهيز أبنائهم للنزول إلى مدارسهم.. ينتبه البعض لأصوات صراخ واستغاثات.. البعض حاول اكتشاف الأمر.. إنه صراخ زوجة تستنجد بالجيران لإنقاذها من براثن الزوج. لكن القدر لم يمهلهم الفرصة للوصول إليها قبل أن يفتك الزوج بها، حيث وجدوا الزوجة مسجاة على الأرض فى صالة شقتها محاطة ببركة من الدماء التى تخرج من جسدها النحيل.. فتش الأهالى عن الزوج ليجدوه مصابا بطعنة بالبطن وملقى على سرير غرفة النوم غارقا فى دمائه. أصيب الجميع بحالة من الذهول، لسان حالهم يقول: من فعل هذا بالزوجين الشابين؟ خاصة أنهما بسطاء الحالى لا يملكان ما يبث الطمع فى قلوب الغير. الصمت المفاجئ عمّ المكان فجأة ليقطعه صراخ أحد الجيران قائلا: اتصلوا بالإسعاف على الفور.. سادت حالة من الهرج والمرج، البعض يتصل بالشرطة والآخر بسيارة الإسعاف فى حين ابتعد الكثير عن مسرح الجريمة حتى يتمكن رجال المعمل الجنائى من رفع البصمات والأدلة التى من الممكن أن ترشد عن القاتل. تعلن صافرات سيارات الإسعاف والشرطة عن قدومها ويحاول البعض فسح الطريق لهم حتى يتمكنوا من إنقاذ الزوجين، على الفور تم نقل الزوجين إلى مستشفى بنى سويف وقام رجال الشرطة باستجواب الجيران فى حين قام فريق من المعمل الجنائى برفع البصمات والتحفظ على سلاح الجريمة الذى تبين أنه سكين المطبخ. على الفور تم تشكيل فريق بحث ضم ضباط مباحث وبعد جمع المعلومات السريعة تبين نشوب خلافات حادة بين الزوجين بسبب مصروف البيت فلم يجد الزوج وسيلة للهرب من طلبات زوجته سوى قتلها لعجزه عن تلبية طلباتها، استل سكينا من المطبخ وقام بطعنها فى ظهرها أثناء محاولتها الهرب من بين يديه لتسقط غارقة فى صالة شقتها وسط بركة من الدماء. ويقرر الزوج التخلص من حياته بعد أن قتل زوجته ليقوم بطعن نفسه بنفس السكين فى بطنه ليسقط غارقا فى دمائه على سرير غرفة النوم. تقول زوجة شقيق المتهم: المشهد كان مروعا لم نتمكن من إنقاذهما خاصة بعد أن أصيب شقيق زوجها بحالة من الهياج ليستل سكينا ويطعن به زوجته ثم يطعن نفسه لتقوم بتسليم السلاح المستخدم فى الحادث إلى المعمل الجنائى. على الفور ينتقل فريق من رجال المباحث إلى المستشفى فى محاولات سؤال الزوجين لكن حالتهما الحرجة تمنعهم من الاستماع إلى أقوالهما. فى إحدى زوايا الطابق الموجود فيه المصابان جلست سيدة تعدت عامها الخمسين على الأرض متشحة بالسواد، يؤكد المتواجدون أنها والدة الزوج.. قالت الأم: ابنى عامل بسيط يكسب قوته يوما بيوم، وبالرغم من ذلك قرر الزواج من تلك الفتاة التى شاهدها أول مرة أثناء جلوسه مع صديقه أمام أحد المحلات التجارية وقتها، لفتت انتباهه وهى تسير أمامه بخطوات يشوبها وقار وثقة بالنفس، بدون أن يشعر ارتسمت فى مخيلته أحلام وأصبح فى صدره شيطان لا ينام تأجج الحب فى قلبه وانساب فى عروقه كما يناسب جدول من المياه وأفسح لعقله طريقا للعواطف خاصة بعد أن شاهد ابتسامتها التى تحمل براءة الأطفال. انتفض من فوق مقعده وتوجه إليها وبأدب شديد اعتذر عن تصرفه واقتحامه خلوتها وقبل أن يكمل حديثه علت وجهه الابتسامة وخفق قلبه من شدة الفرح عندما فوجئ بأحد أصدقائه يقترب منهما وقام بواجب التعارف فيما بينهما حيث الفتاة تربطها صلة قرابة بزوجته. دون تردد طلب منه تحديد موعد لمقابلة عائلتها لرغبته الشديدة فى الزواج منها، وبالفعل وافقت الفتاة وتمت الخطبة التى لم تستمر سوى شهر واحد، بقلب يهفو إليها ونفس تحن للقائها ولم يكن يعلم أنه سيخلع ثوب الفرح ويبدله بثياب الحزن والأسى. تبكى الأم فى انهيار: ابنى اكتشف أن زوجته طماعة لا يرضيها ما يكسبه من عمله البسيط، بالرغم من علمها قبل الزواج منه أن دخله بسيط لتدب الخلافات فى منزلهما سريعا.. تبتلع الأم ريقها وتمسح دموعها وتقول: قبل الحادث أخبرنى ابنى بأن زوجته تريد مبلغا ماليا يفوق كل حدوده لشراء أشياء لا تحتاجها ولكنها تصر على شرائها، ولا أدرى ماذا أفعل.. ثم تركنى وغادر وهو هائم على وجهه.. لطمت الأم فجأة على وجهها وأصيبت بحالة إغماء بعد أن تذكرت مشهد ابنها وزوجته وهما غارقان فى دمائهما. هى من دفعت ابنى إلى هذه النهاية المأساوية منذ يوم زواجهما وهى تغرقه فى الديون والطلبات التافهة التى لا تنتهى.. حاول إرضاءها بكل السبل ولكنها لا ترضى.. صفة الطمع غالبة على كل الصفات.. الحب، الشوق، الحياة، الاستقرار.. كل هذا لا يساوى شيئاً عند زوجة ابنى.. كل ما يهمها أن تستنزف ابنى الفقير صاحب الدخل الضعيف، ما ذنبه؟ كل ذنبه أنه أحبها ورغب فى الاستقرار معها وتكوين حياة وإنجاب أطفال. خُدع فيها وتصور أنها الزوجة المناسبة التى ستحول حياته إلى جنة ولكن ما حدث كان عكس كل التوقعات، زوجة جشعة.. بشعة الطباع.. لا تشبع ولا تقنع ولا ترضى بما قسمه الله لها.. أرهقت ابنى ودفعته دفعاً إلى محاولة قتلها والتخلص من حياته.. حولت حياته إلى جحيم.. فضل الموت على الحياة هربا من طمعها وجشعها. أنهت الأم حديثها بين تساقط دموعها ولهفتها على سماع خبر أن ابنها سوف يعيش ولكنها قالت: حتى وإن كتبت له النجاة فإن أسوار السجون تنتظره.. انتهى ابنى.. ضاع مستقبله بسبب زوجة لا ضمير لها ولا تشبع.. إنها تستحق القتل وأزاحت الأم وجهها عن الجميع لا ترغب فى الكلام ولا فى الحياة.. ترغب فقط فى الاطمئنان على فلذة كبدها وتبرئته مما حدث.