ألقى استمرار الأزمة الخانقة في مصادر الطاقة بظلاله القاتمة على "رغيف العيش" المدعم، حيث عجز المواطنون عن الحصول على احتياجاتهم من الخبز بعد ما أغلقت العديد من الأفران خطوط الإنتاج لعدم توافر السولار الذي يعتبر الوقود الرئيسي لهذه المخابز. ففي محافظة الجيزة، وتحديدا حي فيصل المكتظ بمئات الآلاف من السكان، امتدت طوابير الانتظار أمام المخابز المدعمة لمئات الأمتار ونشبت العديد من المشاجرات لعدم كفاية المعروض من الخبز المدعم رغم استمرار عملية فصل الإنتاج عن منافذ التوزيع، وبات مشهدا عاديا اندلاع معارك ضارية بين الأهالي للتسابق على رغيف العيش. وأكد شهود عيان قيام أصحاب الكثير من المخابز بتهريب كميات كبيرة من الدقيق المدعم لأصحاب الأفران السياحية التي تقوم ببيع الرغيف بأسعار عالية تبدأ من 25 قرشا وتصل في بعض المناطق إلى 100 قرش، رغم أن وزارة التضامن الاجتماعي تبيع جوال الدقيق المدعم زنة 50 كيلو للمخابز التابعة للتموين ب8 جنيهات ،أي بواقع 16 قرش للكيلو، في حين يقوم أصحاب هذه المخابز ببيعه بأسعار تتراوح ما بين 70 إلى 100 جنيه للجوال الواحد. ثورة الجياع أما في محافظة القاهرة وتحديدا في أحياء شبرا والشرابية والساحل وروض الفرج التي تكتظ بأكثر من 5 ملايين مواطن فكانت الصورة أشبه إلى ثورة جياع، فأغلب سكان هذا الحي من محدودي بل ومعدومي الدخل مما يحول دون قدرتهم على شراء الخبز غير المدعم، حيث يصل متوسط عدد أفراد كل أسرة إلى 6 أفراد على الأقل وهو ما يعني أن كل عائلة تحتاج إلى ما يزيد على 10 جنيهات لشراء "الخبز الحاف" يوميا وهو ما تعجز أغلب الأسر عن تدبيره. وقد اعترف أحد أصحاب المخابز المدعومة، رفض نشر اسمه، باضطراره لبيع الدقيق الذي يحصل عليه من وزارة التضامن الاجتماعي لأصحاب متاجر الحلويات والأفران السياحية، وذلك بسبب أن أغلب هذه المحلات والمخابز تعمل بالغاز الطبيعي الذي يصل إليها بأقل الأسعار ودون تحمل أية أعباء نقل السولار أو شرائه من السوق السوداء. صاحب مخبز آخر بمنطقة الساحل اشتكى من فرار عمال اليومية من الأفران المدعمة إلى نظيرتها السياحية لعدة أسباب، لعل أولها حصوله على أجر أكبر وقيامه بجهد أقل بسبب استخدام ماكينات حديثة توفر الوقت والمجهود، وقبل كل هذا سبب مهم جدا هو عدم توقف هذه المخابز عن العمل وبالتالي يضمن أجر الأسبوع كاملا على عكس الوضع في المخابز التابعة للتموين والتي يعمل فيها يوما ويتوقف يومين، وبطبيعة الأحوال فإن أجره يتأثر سلبا بشكل خطير فيها. وأجمع العديد من المواطنين على وقوعهم بين فكي "كماشة"، على حد وصفهم، تتمثل في فرض حصار عليهم من كل جانب، فرغم أن الأزمة الخانقة المتمثلة في اختفاء أنابيب البوتاجاز ما زالت مستمرة بدون أي مؤشرات على الحل القريب، جاءت أزمة الخبز لتضيف عبئا جديدا على معيشتهم التي لا ينقصها متاعب، فأصبح لزاما على الأهالي قضاء يومهم كله في طوابير انتظار للحصول على أي شيء يحتاجونه في حياتهم البسيطة رغم ارتفاع نسبة الفقر والبطالة إلى أعلى درجاتها في هذه المناطق التي يعلم جميع مسئولي الدولة بأنها تحوي أكبر نسبة عشوائيات في العاصمة. وحول دور أعضاء مجلس الشعب في حل هذه الأزمات، أجمع الأهالي على أنهم في الواقع لا يعثرون على هؤلاء النواب حتى لمشاهدتهم وليس لعرض مشكلاتهم، فأغلبهم لا نعرف له مقرا نلجأ إليه، ومن نعرف لهم مقرا نجد المكان خاويا على عروشه فلا نعلم ماذا نفعل حتى نحصل على الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية، والذي يتمثل في رغيف العيش المدعم وأنبوبة البوتاجاز التي نقوم من خلالها بتسوية الطعام، فنحن لا نطلب الحصول على شيئ معجز مثل اللحوم أو الدواجن، لا سمح الله، حيث أننا اقتربنا من نسيانها بسبب ارتفاع اسعارها وقررنا الزهد فيها والقناعة بحد الكفاف الذي بات العثور عليه مهمة مستحيلة.