ختام الأنشطة التعليمية بالمركز الاستكشافي في المنيا الجديدة    أسعار الحديد والأسمنت مساء اليوم الخميس 15 مايو 2025    قفزات كبيرة فى التوريد وصرف 16 مليار جنيه للمزارعين    رابطة العالم الإسلامي: رفع العقوبات عن سوريا انتصار للدبلوماسية السعودية    غداً انطلاق القمة العربية ببغداد| رئيس العراق ل«الأخبار»: توافق مع مصر فى مجمل القضايا    نصف نهائي كأس الأمم للشباب| تعادل سلبي بين جنوب أفريقيا ونيجيريا في الشوط الأول    السجن المشدد ل4 متهمين بتهمة الإتجار بالمخدرات وممارسة البلطجة بالجيزة    مصر تتصدر قائمة ال101 الأكثر تأثيراً في صناعة السينما العربية | صور    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على ذكرى النكبة    وزير الصحة يبحث مع رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» التعاون المشترك    إحالة 3 مفتشين و17 إداريًا في أوقاف بني سويف للتحقيق    تحديد فترة غياب مهاجم الزمالك عن الفريق    استعدادًا للصيف.. وزير الكهرباء يراجع خطة تأمين واستدامة التغذية الكهربائية    ضبط سيدة تنتحل صفة طبيبة وتدير مركز تجميل في البحيرة    الإعدام شنقا لربة منزل والمؤبد لآخر بتهمة قتل زوجها فى التجمع الأول    تيسير مطر: توجيهات الرئيس السيسى بتطوير التعليم تستهدف إعداد جيل قادر على مواجهة التحديات    محافظ الجيزة: عمال مصر الركيزة الأساسية لكل تقدم اقتصادي وتنموي    بعد منعهما من الغناء.. «الموسيقيين» تعلن عن قرار جديد بشأن رضا البحراوي وحمو بيكا    أمام يسرا.. ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة فيلم «الست لما»    تركيا: هناك محرقة تحدث الآن أمام البشرية جمعاء في غزة    لن تفقد الوزن بدونها- 9 أطعمة أساسية في الرجيم    جامعة حلوان تطلق ملتقى لتمكين طالبات علوم الرياضة وربطهن بسوق العمل    ضمن خطة تطوير الخط الأول للمترو.. تفاصيل وصول أول قطار مكيف من صفقة 55 قطارًا فرنسيًا    تصل ل42.. توقعات حالة الطقس غدا الجمعة 16 مايو.. الأرصاد تحذر: أجواء شديدة الحرارة نهارا    الاحتلال الإسرائيلى يواصل حصار قريتين فلسطينيتين بعد مقتل مُستوطنة فى الضفة    ماريسكا: جيمس جاهز لقمة اليونايتد وجاكسون أعترف بخطأه    وزير السياحة يبحث المنظومة الجديدة للحصول على التأشيرة الاضطرارية بمنافذ الوصول الجوية    بوكيه ورد وصرف فوري.. التأمينات تعتذر عن إيقاف معاش عبد الرحمن أبو زهرة    زيلينسكي: وفد التفاوض الروسى لا يمتلك صلاحيات وموسكو غير جادة بشأن السلام    موريتانيا.. فتوى رسمية بتحريم تناول الدجاج الوارد من الصين    محسن صالح يكشف لأول مرة تفاصيل الصدام بين حسام غالي وكولر    محافظ الجيزة يكرم 280 عاملا متميزا بمختلف القطاعات    افتتاح جلسة "مستقبل المستشفيات الجامعية" ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السنوي الثالث عشر لجامعة عين شمس    محافظ الإسكندرية يشهد ندوة توعوية موسعة حول الوقاية والعلاج بديوان المحافظة    "فشل في اغتصابها فقتلها".. تفاصيل قضية "فتاة البراجيل" ضحية ابن عمتها    "الصحة" تفتح تحقيقا عاجلا في واقعة سيارة الإسعاف    أشرف صبحي: توفير مجموعة من البرامج والمشروعات التي تدعم تطلعات الشباب    تحت رعاية السيدة انتصار السيسي.. وزير الثقافة يعتمد أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة    "الأوقاف" تعلن موضع خطبة الجمعة غدا.. تعرف عليها    عامل بمغسلة يهتك عرض طفلة داخل عقار سكني في بولاق الدكرور    رئيس إدارة منطقة الإسماعيلية الأزهرية يتابع امتحانات شهادة القراءات    شبانة: تحالف بين اتحاد الكرة والرابطة والأندية لإنقاذ الإسماعيلي من الهبوط    إزالة 44 حالة تعدٍ بأسوان ضمن المرحلة الأولى من الموجة ال26    مسئول تركي: نهاية حرب روسيا وأوكرانيا ستزيد حجم التجارة بالمنطقة    فرصة أخيرة قبل الغرامات.. مد مهلة التسوية الضريبية للممولين والمكلفين    فتح باب المشاركة في مسابقتي «المقال النقدي» و«الدراسة النظرية» ب المهرجان القومي للمسرح المصري    كرة يد.. مجموعة مصر في بطولة أوروبا المفتوحة للناشئين    تشكيل منتخب مصر تحت 16 سنة أمام بولندا فى دورة الاتحاد الأوروبى للتطوير    ترامب: الولايات المتحدة تجري مفاوضات جادة جدا مع إيران من أجل التوصل لسلام طويل الأمد    جهود لاستخراج جثة ضحية التنقيب عن الآثار ببسيون    تعديل قرار تعيين عدداً من القضاة لمحاكم استئناف أسيوط وقنا    رفع الحد الأقصى لسن المتقدم بمسابقة «معلم مساعد» حتى 45 عامًا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    حظك اليوم الخميس 15 مايو وتوقعات الأبراج    أمين الفتوى: لا يجوز صلاة المرأة خلف إمام المسجد وهي في منزلها    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخوان الأردن.. المرحلة وما بعدها (3 – 3)
نشر في الوفد يوم 04 - 05 - 2012


تاريخ آخر تحديث: الاربعاء , 30 نوفمير -0001 02:00
الزيارات: 13
في الحلقتين السابقتين، تم استعراض النهج التكتيكي لتنظيم "إخوان الأردن"، وانتهازيته في استغلال الحراك الشعبي، الثائر على الفساد والجوع، والقهر والتهميش والبطالة، والتوريث السياسي للمناصب، وحصر التعيينات في دوائر الشللية، والصداقة والنسب والقرابة. كذلك تم استعراض نشأة التنظيم على الساحة الأردنية، وعلاقاته الثنائية المتداخلة مع النظام السياسي، والقائمة على "الميكافيللية"، وتبادل الخدمات الجليلة، وحصد المكاسب الخاصة بقيادات التنظيم على حساب الشعب.
في الحلقة الأخيرة من هذه القراءة السياسية الوثائقية، نسلط الضوء على أهداف التنظيم في الداخل الأردني، في ظل بوادر انحسار موجة ما يسمى "الربيع العربي". وسنحاول التصدي لأسئلة عديدة من شاكلة: لماذا يرفض الإخوان "قوننة فك الارتباط"، و"وقف التجنيس"؟. ما الذي يريده الإخوان إن استلموا الحكم؟. أين يأخذهم الطموح السياسي والانتهازية في الفكر والسلوك؟. لماذا يعارضون المشاركة في الحوارات الوطنية؟. ما العلاقة بين رفض الإخوان القبول ببعض الحقائب الوزارية، وما بين قرارهم الأخير برفع الحظر عن الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، التي كانوا يصفونها ب "الكافرة"؟!. ولماذا خرج الإخوان عن فتاوى سابقة لمكتب الإرشاد، تعتبر ثابت من ثوابت الدين والجماعة، تحرم قطعياً محاورة من يصفونه ب "الغرب الصليبي الكافر"؟!.
التلاعب على المتناقضات، والخروج للشارع مرة، والتخلف عن الخروج مرات أخرى، والانحراف عن المظاهرات المطالبة بالإصلاح الداخلي، بغية تنظيم مظاهرات تعادي سورية، والتدخل بشكل سافر في شؤون دولة عربية مجاورة، وبصورة تؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين عمان ودمشق، كانت أبرز صور البراجماتية "الإخوانية"، التي لم تتجاوز، دائرة التناقض مع الذات أولاً، والانقلاب على حليف الأمس ثانياً، والسعي لتحقيق مكاسب خاصة بالتنظيم من خلال علاقات مشبوهة، إقليمية ودولية ثالثاً.
وهي ممارسات كشفت لاحقاً لقوى الحراك الشعبي الأردني، عن مطالب "إخوانية" أخرى أكثر خطورة، وضرراً بحقوق الأردنيين الشرقيين أصحاب الشرعية والأرض، والذين تبينوا أن الانفصام السياسي بينهم وبين "الإخوان" أكبر من تكتيكهم القائم على فلسفة تحييد الخلافات الجزئية مرحلياً، واستبدالها بنهج حسن النوايا، في إطار شراكة مع خصم سياسي، من أجل بلوغ هدف مقدس، يتمثل بإجبار النظام على الرضوخ لإرادة الشعب، والتحول نحو الحكم الملكي الديمقراطي بالصيغة البرلمانية أو الدستورية.
كان من بين أبرز مطالب التنظيم المتلفعة بصبغة الانتهازية، إصرار "الإخوان" على قانون انتخابي يكرس المحاصصة والطائفية، على أساس الكثافة السكانية للاجئين الفلسطينيين، ورفض دعوة الحراك الشعبي الأردني المطالب ب "قوننة فك الارتباط"، وعدم ممانعة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين، واعتبارهم مواطنين لهم كامل الحقوق السياسية والمدنية.
في ظل هذه الممارسات، أصبح واضحاً لجميع قوى الحراك الشعبي الأردني، أن موافقتهم "الإخوان"، على هذه الأجندة، يعني بالضرورة أن يصبح مليون ومائتي ألف لاجئ، من أبناء الضفة الغربية، وكذلك 460 ألف لاجئ من أبناء قطاع غزة، مواطنين لهم كامل الحقوق السياسية والمدنية، مع ما يرافق ذلك، ضمنياً وقانونياً، من إعفاء صريح للاحتلال الصهيوني من التبعات القانونية المترتبة عليه، مثل: "حق العودة" و"تعويض اللاجئين"، وهو الأمر الذي يصبح ساقطاً بالضرورة بمجرد، تجنيس اللاجئين الفلسطينيين، وتمتعهم بحقوق سياسية في بلد آخر، غير بلدهم المحتل، الذي شردوا منه.
تتزايد هذه المخاوف بشكل كبير، خاصة إن علمنا أن الوحدة السياسية بين الأردن وفلسطين، والتي تم بموجبها منح الفلسطينيين الجنسية الأردنية، في أوائل خمسينيات القرن الماضي، تم فسخها بناء على مطالب فلسطينية، وبناء على تعليمات عربية صدرت بالإجماع في قمم "الرباط" عام 1974، وقمة "فاس" عام 1981، وقمة الجزائر عام 1988، مع ما نجم عن ذلك من تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ورفع وصاية الحكومة الأردنية عن الضفة الغربية، أرضاً وسكاناً، بموجب مباركة رسمية وشعبية فلسطينية وعربية، وخاصة من قبل اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ورموزهم وممثليهم في الداخل والخارج.
هذا الموقف الانتهازي للإخوان، وإصرارهم على رفض قوننة فك الارتباط، ينبع من إدراك التنظيم لحقيقة أنه جاء كصنيعة سياسية، وكبديل عن الميليشيات الفلسطينية المسلحة، التي تم إبعادها في سبعينيات القرن الماضي عن الأراضي الأردنية، ليكون واجهة سياسية للثقل الفلسطيني في الأردن، بحسب تعبيرات وأدبيات الكثير من كتاب "الإخوان"، وحلفائهم من كتاب "الحقوق المنقوصة" وكتاب "لحظة الحقيقة".
يزيد من قوة هذا الإحساس لدى التنظيم، قناعة قادته بأن الثقل الفلسطيني للاجئين إن لم يتم تجنيس أفراده وتوطينهم بالكامل، ومنحهم الحقوق السياسية والمدنية الكاملة، فلن يفيدوا "الإخوان" في أي انتخابات سياسية مقبلة، سواء حزبية أو برلمانية، وهو ما يعني أن يتحول الثقل الشعبي للاجئين، إلى عبء على "الإخوان"، وليس قوة جماهيرية دافعة، تؤهل قادة التنظيم وتعينهم على امتلاك السلطة المطلقة، خاصة وان "الإخوان" يؤدون دوراً رعوياً مكلفاً مادياً في التجمعات الجغرافية لهذا الثقل، من خلال الجمعيات الخيرية التي تقدم المعونات والمساعدات المالية والعينية للأسر، فضلاً عن تشغيل التنظيم في جمعياته وشركاته للكثير من أبناء هذه الفئة من اللاجئين، ومن غير المعقول أن يتم الصرف عليهم بدون الاستفادة من أصواتهم على أقل تقدير.
أدى تعنت "الإخوان" ورفضهم للتوافق مع قوى الحراك الشعبي على أي صيغة قانونية أو حتى سياسية، تنهي إشكالية ومعضلة "قوننة فك الارتباط" إلى تشتت الحراك، وغياب الثقة بين مكوناته، واختراقه في أكثر من مرة، وهي خدمة أخرى جليلة قدمها "الإخوان" للنظام وللحكومات المتعاقبة المماطلة في الاستجابة لمطالب الإصلاح ومحاربة الفساد. كما أنه تعنت ألحق الضرر بأبرز حلفاء التنظيم، دولة عون الخصاونة، الذي خسر تعاطف قوى الحراك الأردني الأخرى، غير المتلونة بالثوب الإسلامي، أو بعباءة الدين.
حاول الناشطون الأردنيون، التقارب مع "الإخوان"، وقدموا صيغاً عديدة للتعامل مع المعضلة الناجمة عن تعليمات "فك الارتباط"، التي جاءت استجابة للضغط الفلسطيني والعربي الكبير والمكثف على الأردن، ولكن بلا طائل أو جدوى، في ظل تعنت "الإخوان" وإصرارهم على أن اللاجئين، ومن تم تجنيسهم بعد تعليمات فك الارتباط، الصادرة عام 1988، بطريقة غير مشروعة، هم مواطنون أردنيون، لهم كامل حقوق المواطنة السياسية والمدنية!.
كان من بين الاقتراحات التي قدمتها قوى الحراك الشعبي الأردني، بشأن اللاجئين، هو أن يظل اللاجئين في عهدة الأمم المتحدة، ومنظمة غوث ورعاية وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، على أن يتم منحهم حقوق مدنية كاملة، وبدون أي حقوق سياسية، بحيث يكون لهم حق العمل والتجارة والتنقل والسفر والسكن والتملك والتعليم، ولكن ليس لهم حق الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية والنقابية والبرلمانية والحزبية، وفي مقابل ذلك، منح اللاجئين، الحق بالمشاركة السياسية في دوائر منظمة التحرير الفلسطينية، وتكريس مشاركتهم بالشأن السياسي في الداخل الفلسطيني، من أجل عدم ضياع حقهم في أرضهم، أو ضياع حقهم في العودة والتعويض، وكذلك وضع إسرائيل أمام أمر واقع، يتمثل بأن اللاجئين في الأردن، يشاركون في صياغة شؤونهم السياسية في الداخل الفلسطيني، حتى وهم خارج أرضهم.
تم أيضاً تقديم مقترح يقضي بأن تصدر منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة بسلطة "أوسلو"، بقيادة محمود عباس وشركائه في الحكم، جواز سفر فلسطيني، خاص باللاجئين الفلسطينيين، في كل دول الشتات، وبإشراف من جامعة الدول العربية، بحيث يخول الجواز حامله، حرية التنقل والعمل والإقامة في أي قطر عربي، وليس حصر هذا الحق بالأردن على وجه الخصوص، وذلك من أجل التسهيل عليهم ودعم صمودهم وتمكينهم من البقاء بشكل قانوني، أداة ضغط على الكيان الصهيوني المحتل، بصفتهم لاجئين لهم حق المطالبة بالعودة والتعويض، وعدم المساس بحقوقهم في أرضهم الأصلية التي شردوا منها.
اقترحت أيضاً قوى الحراك الشعبي الأردني، صيغة مبتكرة وذات أبعاد قانونية متطورة، تتمثل بمنح اللاجئين في الأردن إقامة دائمة، أو إقامة طويلة الأجل، تجدد كل عشر سنوات مرة، وهي إقامة تشبه نظام "جرين كارد" المعمول به في الولايات المتحدة الأميركية، بحيث يكون للمقيم بصفة اللاجئ، حقوق مدنية كاملة، وليس حقوقاً سياسية. وهي صيغة تكفل للاجئ التملك والعمل والتجارة والتنقل والتعليم، وبلا أي تضييق على حياته الخاصة.
تم أيضاً، تداول اقتراح يقضي بأن يتم من خلال التفاهم ما بين السلطة الفلسطينية وقيادات الجامعة العربية، منح كل المواطنين العرب حق حمل الجنسية الفلسطينية، وليس العكس، بحيث يصبح هناك فلسطيني من أصول أردنية، وفلسطيني من أصول سعودية، وفلسطيني من أصول سورية أو لبنانية أو مصرية أو سودانية أو مغربية...الخ. وهي صيغة تؤدي إلى زيادة الضغط على إسرائيل، وتضعها أمام تحدي ديمغرافي ينسف طرحها بشأن يهودية الدولة الإسرائيلية، ويضيف على دولة الكيان الغاصب عبء سياسي وقانوني جديد، يتمثل بأن المطالبين بحقهم في فلسطين، قد تضاعف عددهم إلى أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة، وهو ما يعيد القضية الفلسطينية من جديد إلى عمقها العربي والإسلامي، وعدم قصر مسؤوليتها على سلطة "أوسلو"، ومنظمة التحرير، التي تكاد الخلافات الداخلية أن تلغي وجودها، وأن تلغي دور فصائل المقاومة فيها.
كل هذه الطروحات، وبكل أسف، رفضت من قبل "الإخوان"، ولم تجد عندهم أي قبول، وتمسكوا برفض قوننة فك الارتباط، وبمعارضة وقف التجنيس، وقد تكرس ذلك بشكل معيب في الأيام القليلة الماضية، وعلى لسان القيادي الإخواني، حمزة منصور، والذي قال في تصريحات صحفية وبلغة لا تخلو من نبرة التحدي والاستفزاز: "نرفض قوننة فك الارتباط، وكل من يحمل الجنسية الأردنية فهو أردني له كافة الحقوق السياسية والمدنية، شاء من شاء وأبى من أبى". طبعاً عبارة "شاء من شاء وأبى من أبى"، تمثل في ذاكرة الأردنيين لغة عرفاتية، تذكر بحقبة أيلول وأحداث السبعينيات من القرن الماضي، والتي توجت بمواجهة عسكرية بين الجيش الأردني وميليشيات فلسطينية مسلحة، تم طردها من الأراضي الأردنية، بعد أن جرت الدولة والشعب إلى مواجهة دموية عبثية.
هنا يبرز سؤال مهم وجوهري، وهو: ما هي أهداف قادة "الإخوان" لما بعد المرحلة الحالية؟. وإذا كانوا يرفضون الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة بدون شروط مسبقة!، ويرفضون المشاركة في أي حكومة!، فما الذي يريدونه؟!.
إن مجمل الشواهد التي يمكن الأخذ بها، والحكم من خلالها، تظهر أن "الإخوان" وبكل بساطة لن يقبلوا إلا بأن يكونوا هم الأغلبية في أي حكومة يتم تشكيلها، وأن تكون بيدهم صلاحيات مطلقة. كما أنهم لا يطمحون لأن يكونوا مجرد شركاء أو أقلية في أي حكومة، بل عنوان سياسي عريض للمرحلة الحالية وما بعدها، ولمائة عام مقبلة على أقل تقدير.
يمكن تفسير تعنت "الإخوان"، ويمكن كذلك أن يزول التعجب من وراء هذا التعنت، عندما نعلم بأن هذا الموقف المتصلب، لا يتسبب ل "الإخوان" بأي ضرر، سياسي أو شعبي، ففي حال استجاب النظام، وسمح لقادة "الإخوان" بتشكيل حكومة أغلبية، حتى وإن عينوا رئيساً لها من خارج التنظيم، فإنهم وقتها، يكونوا قد ضمنوا القدرة على إعادة النظر بكل القوانين التي لا تناسبهم، من خلال عرض قوانين جديدة ومعدلة على مجلس النواب، وهو ما يعني أنه سيتم تمريرها، بالطريقة التي تناسب ميولهم ورغباتهم.
وفي حالة تعنت الحكومة، ورفضها الاستجابة لضغوط "الإخوان"، فإنهم سيجدون في هذا الرفض، والتهميش سبباً وحجة، للتباكي على بوابات السفارات الغربية، بحجة أنهم مهمشون، وأن "حقوقهم منقوصة"، وأن النظام يرفض منحهم الحق في تشكيل حكومة أغلبية تمثل قواعدهم من اللاجئين.
لا يغيب على أحد هنا، أن "الإخوان"، وحلفائهم من تيار "الحقوق المنقوصة"، وتيار "لحظة الحقيقة"، قد أجادوا خلال العقود الأربعة الماضية على أقل تقدير، أسلوب الحرد والتعنت السياسي، والتباكي أمام عدسات الإعلام الدولي، والظهور في خلواتهم الخاصة مع الدبلوماسيين الغربيين، بصفة القوة السياسية المضطهدة والمهمشة، التي لا ينصت النظام السياسي إلى مطالبها وحقها في تمثيل قواعدها.
يساعد "الإخوان" على ممارسة هذا الدور الانتهازي الوضيع، الأجواء السياسية المواتية، التي يحسنون قراءتها، خاصة في ظل الرغبة الدولية الواسعة بإيجاد تسوية وحل نهائي لقضية اللاجئين الفلسطينيين وإراحة إسرائيل من هذا الكابوس. لاسيما وأن القوى الدولية والإقليمية وإسرائيل و"الإخوان" توافقوا بشكل سري وعلني، على عدم وجود ما يمنع بأن يكون الحل على حساب الأردنيين، خاصة وأن "الإخوان" يقدمون أنفسهم للغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، على أنهم الحزب الأقدر سياسياً وشعبياً على تنفيذ هذا المشروع، كخدمة عظمى للقوى الغربية، حليفة إسرائيل، وبلا أي تكلفة عسكرية، وأن أبسط شيء يمكن أن تكافئ به القوى الغربية والولايات المتحدة "الإخوان" على هذا الصنيع، هو تمكينهم من حكم الأردن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.