التقدير الجزافى أحد أكثر المشكلات إلحاحاً فى سبيل تنمية قطاع الصناعة، إذ تؤكد ضعف الثقة بين الحكومة ومجتمع الأعمال، وتوارث مفهوم غير صحيح لدى مأمورى الضرائب مفاده أن المستثمر كاذب إلى أن يثبت العكس. فى الأسبوع الماضى وخلال احتفال المجتمع الصناعى بإطلاق برنامج تعميق التصنيع المحلي، بحضور عمرو نصار وزير التجارة والصناعة، طرح المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات المصرية مشكلة التقدير الجزافى للضرائب، واعتبرها مطباً مزمناً فى طريق تقدم الصناعة. وفى تصور «السويدى» فإن غياب الثقة فى الممول أمر مُنفّر للمستثمرين، وأنه يُمكن تطوير منظومة الضرائب باعتبار المستثمرين والممولين شركاء للدولة وليس هدفاً. وربما كان ذلك ما دفع اتحاد الصناعات قبل شهرين أن يقدم إلى مصطفى مدبولى رئيس الوزراء مجموعة مقترحات لإنعاش الاستثمار واستكمال الإصلاحات الاقتصادية كان على رأسها إلغاء التقدير الجزافى للضرائب. ويقول «السويدى» إن استمرار الإجراء يمثل خصماً من وقت وجهد المستثمر، وأن العدالة الضريبية تقتضى معاقبة مّن يُثبت تهربه دون التشكك فى كل مستثمر صناعى. أكثر من ذلك يكشفه أحد رؤساء الغرف الصناعية اعتذر عن نشر اسمه كاشفاً أنه تعرض للتحفظ على أموال شركته نتيجة التقدير الجزافى للضرائب. يقول الرجل ل«الوفد»: «كنت مسافراً فى رحلة عمل بالخارج، واكتشفت أن بطاقتى الائتمانية لا تعمل، وعندما عُدت علمت أن مصلحة الضرائب حجزت على حساباتى كنوع من الإرهاب للقبول بتقديراتهم الجزافية للضرائب». كما تعرضت شركة صناعية كبرى تخص أحد رموز القطاع الصناعى لأزمة كبيرة قبل أيام نتيجة تقديرات جزافية حررها موظفون فى جهاز شبيه هو مصلحة الجمارك. ورغم وجود لجنة للضرائب باتحاد الصناعات تعمل بصورة نشطة، فإن اعتماد مأموريات الضرائب الإجراء المتوارث بإهدار الدفاتر المحاسبية للممولين، وعمل تقدير جزافى أدى إلى تضرر قطاع كبير، وإحجام كثير من المستثمرين عن الدخول فى مشروعات جديدة. ويؤكد أحمد جابر رئيس غرفة صناعات الطباعة باتحاد الصناعات ل«الوفد» أن العاملين فى كثير من المأموريات لديهم مفهوم ثابت هو أن كل ممول كاذب حتى يثبت العكس، بينما تطبق معظم دول أوروبا مفهوماً معاكساً مفاده أن كل مستثمر صادق إلى أن يثبت العكس. ويوضح «جابر» أن النشاط الصناعى على وجه التحديد هو أكثر الأنشطة وضوحاً أمام الجهات الحكومية. ويقول «إنه من الصعب جدا أن تقوم أى شركة صناعية ببيع منتج ما بدون فواتير، كما أن تعامل معظم الصناعيين مع الدولة يجعلهم ملزمين بإمساك دفاتر منتظمة». ويشير إلى أن الصناعة هى أكبر قطاع يساهم فى الدخل الضريبى والجمركى، فضلاً عن كونه أكبر قطاع يوفر فرص عمل، وهو ما يعنى ضرورة تحفيز المستثمرين على الدخول إليه بدلا من تطفيشهم. ويكشف محمد البهى رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات أن معظم منازعات القطاع الصناعى مع الضرائب ترجع إلى الموروث البغيض لدى بعض المأموريات والخاص بعمل تقديرات جزافية. ويعتبر «البهى» ذلك مخالفاً للقانون روحاً ومضموناً إذ يلجأ البعض إلى إهدار الدفاتر المحاسبية مفترضاً سوء النية فى الممول. ويكشف أن المشكلة الحقيقية تكمن فى بعض الطبقات الوسطى والصغيرة فى مصلحة الضرائب التى تتصور أن مهمتها تقتضى المبالغة فى التقدير لتحقيق أكبر عائدات ممكنة. ويوضح أن لقاء جمعه بمحمد معيط وزير المالية وبعض قيادات الضرائب كشفت تفهم ووعى تلك القيادات بخطورة تطبيق بعض المأموريات للتقدير الجزافى. ويشير إلى أن المشكلة تبرز كلما هبطت إلى مستوى القاعدة فى العاملين بالضرائب. ويضيف أن العدالة الضريبية تقتضى توحيد نظام المحاسبة الضريبية لكل قطاع، والأخذ بالدفاتر وعدم التشكيك فيها دون أدلة، موضحا أن التجربة العملية أثبتت من قبل أن قبول الدفاتر المؤيدة بالمستندات أدى إلى تحقيق حصيلة ضرائب أعلى كثيراً من العمل بالتقدير الجزافى. ويشير إلى أن المجتمع الضريبى كان يقدم ميزانيات خاسرة قبل 2005 بسبب رفض تصديق المستندات، ويتم عمل تقديرات جزافية للممولين، وتبدأ بعد ذلك فكرة الفصال والتفاوض للوصول إلى أرقام بعينها، غير أن فكرة الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق والتى كانت ترى أن قبول المستندات الرسمية واعتمادها سيؤدى إلى زيادة الحصيلة، أثبتت صحتها. وينتهى «البهى» إلى أن هناك تطمينات وإشارات من جانب المسئولين بالدولة إلى رفض مبدأ التقدير الجزافى تماماً.