كفارسة مغوارة انسلت عبر بوابات عالم الأساطير العربية البائدة فى غفلة من الزمان، تعتلى صهوة جوادها الفلاذى الجامح، وتطوع مراسه بنعومة أنوثتها ورزانة شخصيتها، تنزع سنابك فرسها عن الأرض مرفوعة الهامة، تولج مفتاح الحياة فى ثقب تشغيله منتصبة القامة فيأز محركة أسفلها، تستل مقبض الوقود، وتحكم قبضتها على مِقْوَدى دراجتها النارية، قبل أن يتعالى هدير صوته من مكمنه أسفل مقعد السائق. تشق «منى السهار» طريقها بين صفوف السيارات المتسابقة والحافلات الضخمة فيما تخوض عباب مناورات حامية لتفادى عربات «السرفيس»؛ «الميكروباصات»، توخز بمقدمة دراجتها فئة محرك «150 سى سى» قائدى السيارات، تنهرهم عن مسعاهم لاجتيازها، تطارد حلمها الرماح، وبينما يصفع هواء سبتمبر المارق على امتداد شاطئ «ستانلى» سترتها الواقية، تنبض إشارات دراجتها مع قرب أول منعطف تجتازه فى لفة راقصة كأمهر لاعبات الباليه. تترجل «منى» صاحبة أول أكاديمية لتعليم النساء والشباب قيادة الدراجات البخارية فى مصر عن دراجتها، تلجم عنفوان فرسها بركلة من رجلها الممشوقة تحكم بها زمام حركته إلى الأرض، قبل أن تختفى عند ناصية أحد الدهاليز المنزوية، فى طريقها لتناول وجبة إفطار من الفول والفلافل برفقة عضوات فريقها النسائى الأول من نوعه فى مصر لراكبات الدراجات النارية. بلكنة سكندرية ممطوطة تروى «منى»، مهندسة الزراعة الثلاثينية قصة عشقها للدراجات النارية الذى بدأ مع بكر الطفولة، دفعتها نزعتها التواقة للوثب على عقارب الساعة واجتياز معترك زحام امتداد ساحل عروس البحر، وأمام جلدها امتثل ذلك الحصان الجانح لأوامرها من أول مرة فى عداد ساعات قليلة، مستندة إلى كتف شقيقها الأكبر، أطلقت «السهار» أكاديميتها فى تعليم قيادة الدراجات التى لقنت أمهر سائقى الدراجات البخارية بالإسكندرية، وجمعت شمل أول فريق نسائى لقائدى الدراجات النارية تقوده «منى» بسيمفونية من التعليمات تمهد بها الدرب أمام 7 نساء للحاق بأحلامهن المنسية. تعبث بحقيبتها بحثًاً عن مفتاح المنزل الذى ما إن يدور فى ثقب الباب حتى تحل الطمأنينة على قلب بكر بيتها «حبيبة»، ببشرة شقراء تميل إلى الشحوب تتمدد فى مخدعها يجثم ثقل الصمت الذى يلف المنزل على صدرها، تدور مقلتاها اللوزيتان فى أنحاء الغرفة حتى تستقر على مدخلها فى انتظار أن تبدد طلة أمها شكوك الغياب، تهل عليها والدتها «شيماء مدحت» يسبقها صوتها الدافئ فتتراقص عينيها طرباً على باب الغرفة. حبيبة ذات ال17 ربيعاً هبة والديها، التى أفقدتها ضعف جسدها وليدة قدرتها على الحركة، فأطبق الصمت على حياة «شيماء»، إحدى عضوات فريق «السّهار» لقيادة الدراجات النارية، وزوجها «مهاب» طيلة أعوام طويلة، قبل أن يبرأ شغف القيادة شروخ روح «شيماء» وضمدت دراجتها النارية قلبها المفطور، يلازم شيماء وزوجها أمنية اقتناء دراجة بخارية قادرة على حمل ابنتها الرابضة فى سكون على مقعدها المدولب فى جولات مبهجة تمشط فيها شاطئ الإسكندرية إنجازاً لمهام أسرتها. مسحة من البراءة لا تخطئها العين تسرى بين قسمات وجهها الغض الذى يشى بحقيقة عمرها، بإرادة صلبة نجحت «كارما هانى»، أصغر عضوات فريق «السهار» لقيادة الدراجات النارية، فى حياكة الحيل لتوقع أسرتها فى أسر عشق الدراجات البخارية. تهبط درج البناية التى تقطن بها فى حى «المنشية»، ممسكة بخوذة ضخمة يقبع داخلها قفازات جلدية باللون الأسود فى طريقها إلى مرآب السيارات المقابل لها حيث يربض حصانها الأثير؛ دراجتها البخارية، التى تكلل آخر انتصاراتها على حداثة عهدها وصدق عزيمتها، ثوانٍ معدودة وينفث المخلوق الفلاذى دخانه فى الهواء يحجب ترددها قبل أن تنطلق لتخوض غمار مناورة جديدة مع سائقى «المشروع» على كورنيش الإسكندرية.