كتبت - سمية عبدالمنعم: يوافق اليوم 28 اغسطس ذكرى ميلاد المؤرّخ المصري حسين مؤنس (1911 - 1996) . ولد حسين مؤنس في مدينة السويس في 28 أغسطس 1911م. ,نشأ في أسرة كريمة، شب محبًا للعلم، مفطورًا على التفوق والصدارة، جذبته كلية الآداب بمن كان فيها من أعلام النهضة الأدبية والفكرية، فالتحق بقسم التاريخ، ولفت بجده ودأبه في البحث أساتذته، وتخرج سنة 1934م متفوقًا على أقرانه وزملائه. لم يعين حسين مؤنس بعد تخرجه في الكلية؛ لأنها لم تكن قد أخذت بعد بنظام المعيدين، فعمل مترجمًا عن الفرنسية ببنك التسليف، واشترك في هذه الفترة مع جماعة من زملائه في تأليف لجنة أطلقوا عليها "لجنة الجامعيين لنشر العلم" وعزمت اللجنة على نشر بعض ذخائر الفكر الإنساني، فترجمت كتاب "تراث الإسلام" الذي وضعه مجموعة من المستشرقين، وكان نصيب حسين مؤنس ترجمة الفصل الخاص بإسبانيا والبرتغال، ونشر في هذه الفترة أول مؤلفاته التاريخية وهو كتاب "الشرق الإسلامي في العصر الحديث" عرض فيه لتاريخ العالم الإسلامي من القرن السابع عشر الميلادي إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ثم حصل على درجة الماجستير برسالة عنوانها "فتح العرب للمغرب" سنة 1937م. عوّل مؤنس في مؤلفاته وأبحاثه على أمرين وهما التناول الموسوعي للأندلس، أي عدم الاكتفاء بالتاريخ السياسي حيث يتم مزجه دائماً بتاريخ الأدب والفن والمعمار والعلوم، ومن جهة أخرى اعتمد على أساليب كتابة تحمل الكثير من الطلاوة حتى أن بعض هذه المؤلفات يمكن تصنيفها أدباً دون أي تحرّج. كان كتاب "فجر الأندلس" محطّة أساسية في مشوار مؤنس، ويمكن القول بأنه نقطة مركزية في مشروعه بشكل عام، فقد كان كتاباً نابشا في مرحلة غامضة من تاريخ الأندلس محكومة بالنزعة الأسطورية. فأهم ما يبرزه المؤرخ المصري هو أن الصراعات القبلية في الجزيرة العربية قد انتقلت مع "الفتح" إلى الجزيرة الإيبيرية وقد أثّر ذلك في التاريخ اللاحق للأندلس. كما قدّم مؤنس عملاً مرجعياً آخر بعنوان "تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس"، وهو بذلك ينتقل من التاريخ العام إلى تاريخ مجال معرفي خاص ليبحث في كيفية تطوّره ضمن السياق الأندلسي. فيما يظلّ كتابه "رحلة الأندلس.. حديث الفردوس الموعود" كتاباً خارجاً عن التصنيف حيث يمزج الحدث التاريخي بالتأمّل، وخصوصاً محاولة درس التاريخ من خلال المخيلة الجماعية. وفي فترة من مساره العلمي، توسّعت المساحة التي يشتغل عليها مؤنس حيث وضع أعمالاً مثل "تاريخ المغرب وحضارته من الفتح العربي إلى بداية الاحتلال الفرنسي"، و"أطلس تاريخ الإسلام"، و"تاريخ موجز للفكر العربي". يذكر القراء أيضاً لمؤنس عملاً خاصاً، يمكن اعتباره نتاجاً نظرياً لما قدّمه، حيث حمل عنوان "الحضارة: دراسة في أصول وعوامل تطورها وقيامها" (1978)، وقد كان أوّل كتاب يصدر ضمن سلسلة "عالم المعرفة"، فلقي بذلك انتشاراً موسّعاً، لم تعرفه ربما أعماله الأخرى، ولكنه كتاب "الحضارة"، بعمقه وبساطته وموسوعيته، لم يكن من الممكن أن يأتي من فراغ.