ولد حسين مؤنس في مدينة السويس في أغسطس 1911م، شب محبًا للعلم، مفطورًا علي التفوق والصدارة، حتي إذا نال الشهادة الثانوية في التاسعة عشرة من عمره جذبته كلية الآداب بمن كان فيها من أعلام النهضة الأدبية والفكرية، والتحق بقسم التاريخ، ولفت بجده ودأبه في البحث نظر أساتذته، وتخرج متفوقًا علي أقرانه. لم يعين حسين مؤنس بعد تخرجه في الكلية، لأنها لم تكن قد أخذت بعد بنظام المعيدين، فعمل مترجمًا عن الفرنسية ببنك التسليف، واشترك في هذه الفترة مع جماعة من زملائه في تأليف لجنة أطلقوا عليها 'لجنة الجامعيين لنشر العلم' وعزمت اللجنة علي نشر بعض ذخائر الفكر الإنساني، فترجمت كتاب 'تراث الإسلام' الذي وضعه مجموعة من المستشرقين، وكان نصيب حسين مؤنس ترجمة الفصل الخاص بإسبانيا والبرتغال، ونشر في هذه الفترة أول مؤلفاته التاريخية وهو كتاب 'الشرق الإسلامي في العصر الحديث' عرض فيه لتاريخ العالم الإسلامي من القرن السابع عشر الميلادي إلي ما قبل الحرب العالمية الأولي، ثم حصل علي درجة الماجستير برسالة عنوانها 'فتح العرب للمغرب'. عين حسين مؤنس بعد حصوله علي الماجستير في الجامعة، ثم لم يلبث أن ابتعث إلي فرنسا لاستكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة باريس، وحصل منها علي دبلوم دراسات العصور الوسطي، وفي السنة التالية، حصل علي دبلوم في الدراسات التاريخية من مدرسة الدراسات العليا، ثم حيل بينه وبين إكمال دراسته نشوب الحرب العالمية الثانية، فغادر فرنسا إلي سويسرا، وأكمل دراسته في جامعة زيوريخ، ونجح في الحصول علي درجة الدكتوراه في التاريخ وعين مدرسًا بها في معهد الأبحاث الخارجية الذي كان يتبع الجامعة. عند إنتهاء الحرب العالمية الثانية عاد إلي مصر وعين مدرسًا بقسم التاريخ بكلية الآداب، وأخذ يرقي في وظائفه العلمية حتي عين أستاذًا للتاريخ الإسلامي. إلي جانب عمله بالجامعة انتدبته وزارة التربية والتعليم سنة ليتولي إدارة الثقافة بها، وكانت إدارة كبيرة تتبعها إدارات مختلفة للنشر والترجمة والتعاون العربي، والعلاقات الثقافية الخارجية، فنهض بهذه الإدارة، وبث فيها حركة ونشاطًا، وشرع في إنشاء مشروع ثقافي، عرف بمشروع 'الألف كتاب'، ليزود طلاب المعرفة بما ينفعهم ويجعلهم يواكبون الحضارة، وكانت الكتب التي تنشر بعضها مترجم عن لغات أجنبية، وبعضها الآخر مؤلف وتباع بأسعار زهيدة. في أثناء وجوده بالقاهرة كلفته مصلحة الاستعلامات بالقيام برحلة طويلة إلي دول أمريكا اللاتينية، الناطقة بالإسبانية، لتوثيق الروابط بينها وبين مصر، ونجح في إنشاء عدد من المراكز الثقافية بها، يكون علي صلة بالمعهد المصري في مدريد. عاد حسين مؤنس مرة أخري إلي إسبانيا ليتولي إدارة المعهد المصري بها، وظل هناك حتي بلوغه سن التعاقد في وتعد هذه الفترة من أزهي عصور المعهد المصري هناك، فأصبح ملتقي للمستشرقين وأساتذة الجامعة المهتمين بتاريخ المسلمين في الأندلس، وأقبل عدد كبير من الطلاب علي دروس اللغة العربية التي ينظمها المعهد، وتردد الجمهور علي المحاضرات والندوات التي تعقد، وصارت مجلة المعهد معرضًا لما حفلت به من أبحاث عميقة، تدور حول التاريخ والحضارة في الأندلس. تقلب حسين مؤنس في وظائف مختلفة، وشد رحاله إلي بلاد متعددة، ولكن ذلك كله لم يشغله عن التأليف والتصنيف الكثير في عدده، الغزير في مادته، العميق في تناوله، المتنوع في موضوعاته، ويتعجب المرء كيف تسني ذلك لقلم واحد، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء. ظل حسين مؤنس وافر النشاط متوقد الذهن علي الرغم من كبر سنه، وضعف قدرته علي الحركة، وملازمته للمنزل حتي لقي الله في 17 مارس 1996م.