كشفت باحثة أكاديمية مصرية فى دراسة جامعية إن المورثات الشعبية المتداولة في مصر حول فكرة العفاريت والكائنات الغيبية لها صلة وثيقة بالمصريين القدماء. قالت الباحثة مريم الهوارى، في رسالة الماجستير التي جرت مناقشتها بكلية الآداب قسم الآثار في جامعة المنصورة، بعنوان «العفاريت في مصر القديمة في الكتب الدينية في عصر الدولة الحديثة: دراسة لغوية حضارية». إن العفاريت في مصر القديمة كانت مظهر من هي مظهر من مظاهر الآلهة الكبرى وتتبع مشيئتها، وأنها حملت أسماءًا مخيفةً وعملت كرسل أو حراس، وقام بعضهم بالذبح والحرق وغيرها من وسائل التعذيب للمذنبين في العالم الآخر، وأنها كانت تظهر فى أشكال وهيئات حيوانية وتحمل سكاكين. وأضافت أن المصري القديم اعتقد بوجود نوعًا آخر من العفاريت وهم الذين لم يقبلوا في عالم الموتى أو الذين أهمل في تقديم القرابين لهم ومن ثم يتحولون إلى أرواح مؤذية تصب غضبها على الأحياء والأموات، وأن أسباب الأمراض الخفية يرجع إلى غضب من الآلهة الكبرى لذنب ارتكبه الفرد في حق أحدهم أو بسبب وجود أحد العفاريت في جسم الشخص المصاب بالمرض وهو ما يسمي حاليا بالمس الشيطاني. وتابعت أن للعفاريت دورًا كبيرًا في الأدب القصصي الذي يعطي المعلومات عن كيفية تجنب مخاطر العالم الآخر، وأظهر الأدب في مصر القديمة أن عدم محاربة المخلوقات الشريرة سوف يجلب الموت للخليقة كلها كما ورد في قصة هلاك البشر، وفي قصة سنوهي. وبينت الهوارى أن الفراعنة استخدموا عدة طرق لمقاومة وطرد العفاريت من خلال صيغ التهديد والمقاومة بالعسل والبصل والنبيذ والتماثيل الشمعية ورموز الحماية وتلاوة التعاويذ، واستجداء المعبودات المصرية لنشر حمايتها، ولصد الخطر الذي قد يتعرض له الفرد، أن للعفاريت نظرة عين مؤذية ولذلك حرص المصري القديم على عدم إظهار عين العفريت أو قد يظهره أعمى حتى لا ينظر إليه ولا يلحق به الأذى، وأن استعمال المصرى القديم العديد من الوسائل لمقاومة وردع العفاريت والتي مازال بعضها مستخدم في الريف والصعيد في العصر الحالي. وتابعت الباحثة أن المصري القديم اعتقد بدخول العفريت إلى جسم الإنسان عن طريق إحدى فتحات الجسم أو عن طريق الهواء، و التعاويذ والبرديات السحرية والطبية بينت أن الرسل المؤذيين لهم هيئة الأشباح في الإمساك بالسكاكين والوجه الشاحب ونشر الأوبئة والأمراض، ودونت العفاريت المسببة للأمراض في نصوص البرديات السحرية مثل عفاريت النسيNsy والنسيتNsyt ، والمتMt ، والمتت Mtt، والسمن Smn، والعخو axw، والسهاققShAqq . وبوبت الباحثة رسالة الماجستير في 3 أبواب رئيسية ضم الباب الأول 3 فصول الأول « مسميات العفاريت الحيوانية وعفاريت الأموات» ورصد آراء أهم علماء الآثار المصرية الذين تعرضوا في دراستهم لمفهوم العفاريت. كما تناول الفصل معنى كلمة العفاريت في المعاجم اللغوية. ثم يتناول الفصل في الشق الثاني منه دراسة لمسميات العفاريت التي اتخذت أشكال حيوانية. ومسميات عفاريت الموتى الخطرين وذلك من حيث الاشتقاق اللغوي للاسم ودورها التي لعبته في حياة الأحياء والأموات، والثاني «مسميات العفاريت حسب طبيعة عملها وخصائصها» وتضمن طبيعة عملها كرسل مؤذيين تنفذ الأعمال الضارة وتعاقب المذنبين ونشرهم للأمراض وإرتكابهم للفوضى ومحاربتهم للبشر، كما يقومون بعملهم كحراس لبوابات العالم الآخر واعتراض طريق المتوفى، خصائصهم الجسمية من حيث الوجه المخيف المحترق والصوت الصاخب والنفس المتوهج. وتم إلقاء الضوء في ذلك الفصل على مسميات العفاريت في أماكن الذبح، وتم تذييل الفصل بتعريف عن مفهوم اللبس الشيطاني، وشمل الفصل الثالث «مسميات الآلهة المؤذية» تناولت في هذا الفصل عرضًا عامًا لأهم الآلهة التي تسببت في إلحاق الضرر بالبشر وإرسال رسل ضارين يقومون بإرتكاب الأذى والشر. وبدأ الفصل بمقدمة عن مفهوم الآلهة الضارة، وتناول الفصل الدور السلبي فقط لكل إله من الآلهة التالية:-(سخمت، سشمو، ست، نثر، تحوت، حر خنتي خمو، نيت، خونسو، سرقت، شو، أوسير). وضم الباب الثاني من رسالة الماجستير« العفاريت في الكتب الجنائزية والبرديات السحرية والطبية خلال الدولة الحديثة » وضم الفصل الأول «العفاريت في الكتب الجنائزية والنصوص الأدبية » وتناول دراسة للعفاريت الواردة في الكتب الجنائزية خلال الدولة الحديثة والعفاريت في النصوص الأدبية المختلفة وما ورد عنها في قصص متنوعة من حياة المصري القديم. حيث يتناول أهم القصص والتعاليم الأدبية التي تناولت مفهوم العفاريت. ويوضح الفصل جانب شديد الأهمية في الفكر الديني عن العفاريت لدى المصري القديم. وشمل الفصل الثاني العفاريت في البرديات السحرية والطبية ترجمة النصوص التي ذكرت العفاريت في البرديات السحرية وكيفية الحماية من أخطارهم، وصيغ الحماية المستخدمة ضدهم، والأماكن التي تعيش فيها، وكيفية حدوث اللبس من قبل العفاريت. أما في الشق الثاني يتناول ما جاء عن العفاريت في البرديات الطبية حيث أوضحت تلك البرديات عفاريت الأمراض وتلاوة الصلوات المختلفة أثناء تحضير الأدوية، وحوي الفصل الثالث العفاريت في الشقافات واللوحات الحجرية وخطابات الموتى، أوردت فيه الباحثة ترجمة النصوص الواردة عن العفاريت على الشقافات واللوحات الحجرية، وما ذكر عنهم في خطابات الموتى الموجهة من الأحياء إلى الموتى أو إلى الآلهة حتى يحصلوا على مساعدتهم لمواجهة المرض أو حماية البشر من الأضرار التي تلحق بهم على الأرض. وتطرق الباب الثالث من رسالة الماجستير إلى « طرق مقاومة وتصوير العفاريت » في 4 فصول، وهي طرق المقاومة باستجداء الآلهة ورصدت الباحثة الآلهة الحامية موضحًا دورها في الحماية ومفهوم الشفاعة والدعاء من خلال لوحات التوبة. كما رصدت طرق المقاومة السحرية من خلال الكتب السحرية الشافية والطقوس السحرية المختلفة مثل طقس فتح الفم، وطقس كسر الأواني الحمراء. بالإضافة إلى المقاومة السحرية من خلال التفوه بالتعاويذ السحرية الشافية وارتداء التمائم السحرية للحماية من العفاريت، ونصوص اللعنات التي تحمي من العفاريت والأشباح. وتناول الفصل أيضًا مفهوم السحر الأبيض. وكشفت الهوارى عن وجود ما يسمي بطرق الحماية المادية لدي المصري القديم، من العفاريت التي تنوعت ما بين حبال وعاجيات وشباك ورمال ومكانس وأختام سحرية وسوائل وأرقام ولوحات حور السحرية والتماثيل وغيرها من الوسائل، كما رصدت التصوير الفني للعفاريت وصف للعفاريت التي تم تصويرها على المقابر وفي الكتب الدينية والبرديات. وتم عرض لتصوير أهم الحيوانات الممثلة للشر والفوضى مثل ذكر فرس النهر والخنزير البري والقدم الأمامية للثور والجريفن وذلك من حيث أوصافها الجسدية فقط. وأوصت الدراسة أن يتطرق الباحثين الجدد إلى دراسة موضوعات متنوعة من الديانة المصرية القديمة حيث أن أغلب موضوعاتها قد تناوله الباحثين الأجانب، ولم يكن للباحثين المصريين النصيب الأوفر في دراسة ديانة أجدادهم. وأشرف على الرسالة الدكتورة عزة بليغ كاظم أستاذ الآثار المصرية القديمة بكلية الآداب جامعة المنصورة، والدكتور لؤي محمود سعيد أستاذ الآثار المصرية المساعد بكلية السياحة والفنادق بجامعة مدينة السادات.