من رأى الداعية الإسلامي الدكتور صفوت حجازي وهو محمول على الأكتاف من أول يوم قامت فيه ثورة 25 يناير في ميدان التحرير، وكان يهتف "يسقط يسقط حسني مبارك" يستغرب لشجاعته، خاصة أنه لم يعبأ بمخاطر تمسكه بهذا الموقف الذي كان سيعرضه للخطر إذا لم تنجح الثورة. ويعتبر حجازي من أبرز الدعاة في العالم العربي والإسلامي، تابعه الملايين على شاشات التلفاز، فهو واحد من نجوم الفضائيات المعروفين، وهو رائد من رواد الدعوة الإسلامية، نشأ في أسرة صالحة كان لها أكبر الأثر في تكوين شخصيته الدينية، تلقى العلم الشرعي وناضل لخدمة الإسلام والمسلمين إيمانا منه بقيمة الرسالة التي يحملها، فانشغل عن الكتابة لتفرغه بقضايا الإسلام والمسلمين، وبرغم قلة مؤلفاته إلا أن بصماته واضحة في الدعوة الدينية. قامت "بوابة الوفد" بإجراء حوار مع الدكتور صفوت حجازي للتعرف على أهم القضايا التى تواجه المجتمع العربى والإسلامى في وجهة نظره وكيف كان ينزل إلى ميدان التحرير ليشار شباب 25 يناير نصرهم وانتفاضتهم فإلى نص الحوار:- *فى البداية، كيف نشأ الدكتور صفوت حجازي؟ ** ولدت فى الورق بمحافظة كفر الشيخ، لأب كان يعمل باللجنة التشريعية لمجلس الشعب، وكان أحد مشايخ الأزهر، وأدين له بالفضل فى توجيهى للعمل الدعوى، فقد كان يصطحبنى معه لمكتب شيخ الأزهر الأسبق"عبد الحليم محمود"، وكبار المشايخ أمثال الشيخ محمد الغزالى والشيخ صلاح إسماعيل، وكان يخصص الخميس من كل أسبوع لزيارة شيخ الأزهر. وأذكر يوم أعطانى والدي حذاء الشيخ عبد الحليم محمود وأمرنى بمسحه وكنت سعيد جدا وأنا أقوم بذلك. *ما تفسيرك للحملة التى تشنها بعض وسائل الإعلام فى الغرب ضد الإسلام والمسلمين ؟ **لابد أن نعترف بوجود صراع بين الأديان وآخر بين الحضارات، فما يحدث من إساءة إلى الإسلام من الغرب أشبه بشخصين أحدهما يقوم بتوجيه ضربات والآخر فى وضع سكون لا يدافع عن نفسه، ويرجع ذلك لوجود تنافس حضارى وثقافى ودينى بين الشرق والغرب مما يدفع الغرب لتغيير الحقائق وتشويه صورة الإسلام والمسلمين. *ما هو دوركم فى نشر الدعوة الإسلامية؟ **إننى أعمل جاهدا على استغلال أى فرصة متاحة لتقديم الخير، وعندما تمنعنى أى جهة عن ذلك أفوض أمرى إلى الله، فأنا أعلم تماما أن الحق لا يضيع على صاحبه فبينى وبين ما يحاربونى لقاء أمام الله عز وجل . *كيف تصف التغيرات التى ظهرت على المجتمع جراء التقدم التقنى والعلمى وما هي سلبياته ؟ **هناك مثال يوضح شكل المجتمع العربى فى العالم المحيط به، فهو أشبه بشاب ممسك بكرة من الحديد ويتمرن بذراع دون الآخر لفترة طويلة من الزمن، ستجد النتيجة ذراع قوي جدا والآخر أضعف بكثير، هذا ما يحدث فى مصر حيث يصل معدل الأمية من 30 إلى 40% من المجتمع، فأنا على تمام الثقة من وجود خريجى جامعة لا يعرفون اسم رئيس وزراء مصر، فمعدل الأمية الثقافية تزيد على 70% وهو ما يدق ناقوس الخطر على المجتمعات العربية، فالتعليم والمنهج العلمى المتبع فى مصر يشكل عائقا أمام التقدم الحديث فى مصر . *ما الحل فى نظركم للمشاكل الاجتماعية المتتالية من تقدم أعمار الفتيات دون زواج وكثرة الطلاق والعنف بأنواعه؟ جميع دول العالم تواجه إما أزمات سياسية وإما اقتصادية، ولكن المجتمع يعانى من أزمة أخلاقية مضافة إلى الأزمات السابقة، مما يؤثر على بعض الضوابط والقيم فى المجتمع، فترى من يقارن زوجته بالفنانات والراقصات أو موديلزالكليبات، وهناك من يلجأ إلى الطلاق لعدم القدرة على المعيشة ومواجهة ظروف الحياة. *ماذا تختزن في الذاكرة عن مرحلة الطفولة ؟ **أتذكر حرب 6 أكتوبر وكنت فى الصف الثالث الابتدائى وأبلغ من العمر 10 سنوات، وأثناء تواجدى فى المدرسة فى شهر رمضان نجحت القوات المصرية فى عبور قناة السويس، فخرجنا من المدرسة قبل الوقت المحدد وتجولنا فى الشوارع نردد الأناشيد الوطنية ومن بينها النشيد الوطنى فى ذلك الوقت "والله زمان يا سلاحى"، فكنا فى غاية الفرحة بهذا النصر العظيم وستظل هذه اللحظات فى ذاكرتى، بالإضافة إلى كرة القدم والرياضة فكنت أمارس كرة القدم وألعاب القوى، وكنت من أبطال مصر فى الجرى مسافات طويلة، فكنت لاعبا فى أندية الزمالك والجزيرة وسبورتينج إسكندرية. *ماهي الأشياء التى تعلمتها من الوالد والوالدة ؟ تعلمت من والدى كلمة الحق، وتعلمت منه الرجولة، فكان الوالد دائم الاعتماد علي منذ كنت طفلا فى الصف الخامس الابتدائى، ويجعلنى أسافر بمفردى من القاهرة إلى كفر الشيخ لتحصيل الأموال الخاصة بقطعة الأرض الممتلكة للعائلة، وتعلمت من والدتى معنى الحب والحصول على الرزق بالحلال وكيفية التعامل مع أصدقائى وجيرانى وزوجتى وأولادى، فكانت الأسرة ميسورة وبالرغم من تطلعاتنا أنا وإخوتى فى فترة الشباب إلا أننا تمسكنا بالمبادئ التى تعلمناها من الوالدة . *ما هي الأشياء التى تحرص على تعليمها لأولادك وبناتك مخاوف أن يفتقدونها؟ **أجتهد فى تعليمهم حب الإسلام، بالإضافة إلى الأشياء التى تعلمتها من الوالدين رحمة الله عليهما، وأحاول بقدر استطاعتى أن أرسخ بداخلهم حب مصر وهى أكثر الأشياء التى أخشى أن يفتقدها أبنائى لذلك أقوم بتحفيظهم الأغانى الوطنية . *حدثنا عن مؤلفاتك وكتاباتك؟ مؤلفاتى ليست بالكثير ومن المؤلفات التى تم نشرها تحقيق موسوعة "الدماء فى الفقه" وهو كتاب من تأليف الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله، وكتاب هداية المستفيد فى الفقه المالكى، فضائل الصحابة، فى بيتنا مرابط، فقه الرباط والجهاد، فضائل الأنصار والمدينة المنورة، نشأة مصر، بالإضافة إلى رسالة الماجستير بعنوان تعليقات على تعليقات البخارى فى علم الحديث وحصلت على الدكتوراة فى مقارنة الأديان وتحمل عنوان " الأنبياء والمرسلون عند أهل الكتاب والمسلمين" وما زلت أمتلك حوالى 20 كتابا لم ينشروا لأننى لا أطمئن لصناعة النشر، حيث تتغلب صفة عدم الأمانة على الناشرين فى هذه الصناعة إلا من رحم ربى. *حدثنا عن الأوقات التى يروق لك الكتابة والقراءة فيها ؟ أبدأ بالانفصال عن الكون والتوجه إلى مكتبتى ابتداءً من الساعة 12 مساء، وأقوم بإغلاق الجوال الخاص بى حيث أقوم بالقراءة والكتابة والعبادة حتى الفجر ثم أتوجه للفراش بعد صلاة الفجر، وفى تلك الساعات صفوت حجازى غير متواجد فى الكون ولا يستضيف أحدا. *متى بدأ نشاطك الدعوى وما أهم ذكريات هذه المرحلة ؟ ينقسم نشاطى الدعوى إلى ثلاث مراحل من 1976 إلى عام 1989 ومن 1990 إلى 1998 ومن 1999 إلى وقتنا هذا وهذه مرحلة ثالثة. المرحلة الأولى كنت شابا مسلما وملتزما، فكنت حريصا على الصلاة فى موعدها منذ كنت صغيرا، وفى بداية الجهاد الأفغانى عام 1976كانت الجماعات الإسلامية موجودة فى الجامعة وفى المدارس وكنت منتميا لهذه الجماعات. كنت أنتمى لتيارات إسلامية عديدة من إخوان وجهاد والجماعة الإسلامية وتبليغ، فما كان أحد يدعونى للعمل من أجل الإسلام إلا وفعلته دون أى تردد، ومن أمثال الشيوخ التى كانت متواجدة فى المساجد آنذاك، الشيخ إبراهيم عزت وكشك وعبد الرشيد صقر والمحلاوى، وأذكر فى يوم أننا قمنا بمظاهرات للذهاب إلى أفغانستان. *هل تتذكر أول خطبة فى حياتك؟ **أول خطبة فى حياتى كنت فى الصف الأول الثانوى، وكانت هذه التجربة فى مسجد عمر مكرم، حيث كانت مصادفة، فكنت أمارس ألعاب القوى فى مركز شباب الجزيرة وكنت أحد المشاركين فى بطولة لألعاب القوى، وفي يوم جمعة خرجت من مركز شباب الجزيرة وتوجهت إلى ميدان التحرير بالقرب من المجمع للحاق بالأتوبيس رقم 8 المتوجة للهرم، وكنت فى غاية الحزن لأننى خسرت البطولة وحصلت على المركز الثالث. لم أجد أى وسيلة نقل للرجوع إلى منزلى، وكنت أخشى التأخر على موعد صلاة الجمعة فتوجهت إلى مسجد عمر مكرم، وأنا أرتدى يونيفورم وهو عبارة عن بدلة من الصوف وبنطلون، وكنت حريصا على تواجدى فى الصفوف الأمامية، ولم يحضر الإمام حتى بعد الأذان الأول والثانى فسأل مقيم الشعائر الصفوف الأمامية عن أحد يستطيع تأدية خطبة الجمعة، وكنت أمتلك جرأة عجيبة فجاوبته بالموافقة، فأعطانى طاقية لأضعها على رأسى وتوجهت إلى المنبر. كان سمة معظم المساجد فى تلك الفترة ارتفاع سلم المنبر وكان معظم المترددين للمساجد من الشباب، فقمت بالصعود للمنبر فوجدت نفسى مرتفعا عن الناس فألقيت السلام ولم أكن أعلم ماذا سأحكى لهم، جلست لمدة دقيقة فى الوقت الذى كان علي التحدث فيه فلم يكن فى مقدرتى القيام. استعنت بالله وخطبت الجمعة وكان موضوعها في تفسير سورة الفيل وحكيت قصة إبرهة وخطبت ونزلت وصليت بالناس و بعد انتهائى من تأدية الخطبة لم أكن أعلم كيف فعلت ذلك ولماذا ولكنه قدر الله عز وجل، وفى اليوم التالى تفاجأت بمدرس التربية الرياضية وأثناء الطابور المدرسى يحضننى ويقوم بتحيتى ويحكى للطلاب عن الخطبة التى قمت بتأديتها، ومن وقتها بدأت تجربتى مع الخطابة. المرحلة الثانية تعتبر مرحلة التحصيل العلمى وفيها سافرت للملكة العربية السعودية ودخلت دار الحديث، ودرست 10 سنوات تعلمت فيها العلم الحقيقى على يد شيوخ الحرم النبوى والمدينة المنورة. المرحلة الثالثة عندما رجعت من السعودية عام 1998م وقمت بالدعوة فى المساجد، وفى عام 1999م بدأت رحلتى فى الدعوة عبر الفضائيات إلى تلك اللحظة. *ما القضية الدعوية التى تشغلك فى الوقت الحالى؟ **وحدة المسلمين هى القضية التى تشغلنى فى الوقت الحالى، وما يحزننى أن الأمة الإسلامية تفتقد أدب الاختلاف . يغيب أدب الاختلاف بين العلماء والأدباء والرؤساء والملوك والقادة، فإذا اختلفنا أصبحنا أعداءً فى حين يجمعنا وطن واحد ولغة واحدة ولسان واحد وشكل واحد. *هل ترى أن الإعلام العربى مقصر بحق الشباب؟ **الإعلام العربى آلة تستخدم لتدمير الشباب، والهدف الأساسى الذى يسعى إليه هو هدم القيم والأخلاق، وهناك دراسة لإحدى شركات قياس الرأى العالمية تؤكد أن نسبة مشاهدة الشباب العربى للفضائيات المتخصصة فى الأغانى عالية جدا، فهى تستحوذ على اهتمام معظم الشباب العربى. *ما الرسالة التى توجهها للشباب العربى؟ **أقول للشباب العربى " قد هيأوك لأمر لو فطنت له **فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل"، وأقول أيضا ما كان يقوله على بن أبى طالب رضى الله عنه "إذا ما القوم قالوا من فتى خلت أنى عنيت فلم اكسل ولم أتبلد"، فمعنى النصيحة الأولى أنت أيها الشاب العربى عظيم ولك دور عظيم والمستقبل بيدك والقوة بيدك وتستطيع أن تقود هذا العالم، فلا ترضى أن تكون مع الرعاع و الإمعات، والرسالة الثانية تعنى الشهامة والرجولة، فبمجرد النداء تجد الشباب يتحرك دون انتظار أى تكليف ولا يتكاسل فالشباب هم المستقبل .