أكتب إليكم وأنا أضع نصب عيني وقلمي قدركم الذي نقدره جميعاً ونكبره وأعلم أنك أكثر الكتاب حظاً محاكاة وقرباً لرؤوس النظام في مصر بدءاً من ناصر وانتهاء بمبارك وهو ما أكسبك صداقات رؤساء العالم وساساتهم شرقاً وغرباً وأصقل مكانتك ولكنك في النهاية إن أنت إلا بشر وإن كنت فوق العادة ولطالما أنك بشر فإنك تخضع للقانون الطبيعي للبشر من كونك قد تخطئ وتصيب والمثل الأعلي للفاروق رضي الله عنه حينما قال »أخطأ عمر وأصابت امرأة« وقبل أن أتطرق إلي حديثكم بالأمس في التلفاز المصري يطيب لي أن أضع أمامكم حقيقة أنني لست شيعة لمبارك ولما مناوئ الهوي غير أني أكتب لكم بتجرد وإخلاص ويتملكني شعور بأن وطني ينحدر في منعطف قد يعصف باستقراره ويسعي حثيثاً إلي تمزيقه شيعاً وأحزاباً استوقفني في حديثكم عدة نقاط إجمالها »بؤرة شرم الشيخ خطراً علي الثورة«، »اتصالات يومية بين مبارك وشفيق« وأخيراً »شرحك لجغرافية شرم الشيخ من قربها من الأمريكان والإسرائيليين« أولاً حديثكم عن أن شرم الشيخ تمثل بؤرة مناوئة للثورة وتهددها بالخطر أراني أراها بعيدة عن منطق العقل وواقع الحال فذلك التوجس وتلك الخيفة قد يكون لهما محل فيما لو أن نظام مبارك قد أسقطته قوي أجنبية متآمرة مثلما حدث مع عراق صدام حسين رحمه الله، بيد أن الأمر هنا يختلف جذرياً، فالذي أسقط النظام ثورة شعبية محلية خرجت من ربوع مصر تتقدمها مجموعة الشباب التي أفسحت لها الطريق عبر التكنولوجيا وخرج معهم جموع المقهورين صمتاً من كل حدب وصوب. هذا الأمر يستقيم تصوره في عراق صدام حسين ذلك أن الذي أسقط نظامه قوي التحالف الأجنبية بمساعدة أيد عربية ملوثة فمن حق صدام حسين أن يناوئ هذا الاحتلال ويثور عليه ويسعي إلي أن يستعيد الحكم باعتباره مازال وقتئذ رئيساً شرعياً للبلاد وشتان ما بين ثورة 25 يناير صاحبة التغيير وقوي التحالف الأجنبية صاحبة الغصب والاحتلال للعراق ومقدراته ولعلكم تعرفون أن مبارك أصبح حطام رجل في عداد الراحلين الأحياء فلم يعد له أمل في شيء غير أن أقصي أمانيه أن ينعم بالأمان في تلك الأيام المعدودات ويفيق علي حلم وصيته بأنه سيدفن في تراب مصر حسبما أراد أما وأنه يسعي إلي ثورة مضادة أو أنه يسعي إلي الحكم مرة أخري أحسبه بعيداً في تصور ذهن رجل الشارع البسيط وليس رجلاً يحمل بين جنباته مؤسسة صحفية مثلك، أما حديثكم عن أن شفيق يعتز بأنه تلميذ لمبارك وأنه علي اتصال به يومياً إن كان ذلك قد حدث فلا أري فيه ثمة غضاضة غير أنه يضيف إلي شفيق شرفاً وعرفاناً بحسبانه الرجل الأوحد الذي لم يتحول مثل الآخرين ولعلي أذكرك بأن غالبية صناع القرار في مصر حالياً وعلي رأسهم المجلس الأعلي للقوات المسلحة هم تلاميذ لمبارك بحكم التدرج الرئاسي العسكري فوق أنه كان رأس الحكم فهلا نتهمهم جميعاً بالعمالة لرئيسهم الأسبق؟! فهلا تري طموحاً لرجل هزمته عشيرته قبل شعبه أن يكون لديه أمل غير أنه يتمني الموت صمتاً أما إسهابكم في شرح جغرافية الشرم وقربها من الأمريكان والإسرائيليين لعلك أكثر الناس علماً بأن هذه الأنظمة القميئة تتعامل مع رؤوس الحكم في الأنظمة الشمولية بصفاتهم حلفاء أو تأدباً أصدقاء ولا تتعامل معهم بالعاطفة أو علي الصعيد الإنساني فسياستهم لا قلب لها ولا دين ولا عقل. ولم يكن مبارك أحسن حظاً من الشاه رغم أن الذي أسقطه تيار ديني مازال يؤرق الغرب فلم تقدم له عوناً ولم تسعفه علاجاً في أحد مستشفياتها. فمبارك أصبح الآن في نظر الولاياتالمتحدة كورقة ذهبت بها الرياح وبقيت بحلولها ومرها في ذاكرة التاريخ ولو أنها كانت تريد له بقاء فأنت تعلم ما لها من القدرة والمكنات في الإبقاء عليه إن هي أرادت. أستاذ هيكل.. أربأ بكم وأنت صاحب قلم ألا يكون حديثكم ليس له إلا ترجمة واحدة في أفئدة الثوار من الشباب مفادها تأجيج للأوضاع وضرب للاستقرار وتأليب علي القوات المسلحة التي تضطلع بمهمة بالغة في الدفاع الخارجي والأمن الداخلي وهي أعوز ما تكون الآن في العودة إلي ثكناتها، فلا طائل من النفخ في الرماد إلا هياجاً للنيران الخامدة. أستاذ هيكل.. عذراً فإن تصفية الحسابات لا تكون مع الفارس الذي وقع من علي جواده وأصبح أعزلاً - ومعزولاً - بلا جواد أو سلاح تلكم هي شيم العرب في جاهليتها، وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقول لا يملك أحد أن يصادر علي رحمة الله ومغفرته. [email protected]