عندما أقول لإبني لا ترفع صوتك أمام الناس.. يرد زوجي على الفور: اتركيه يفعل ما يريد، ويأخذه في يده كنوع من الحماية. وعندما أقول لابنتي.. جاء ميعاد النوم ويجب الذهاب إلى الفراش الآن حتى تستطيعي الاستيقاظ مبكرا من أجل المدرسة.. يرد أيضا وفي نفس اللحظة: "مش لازم تروح المدرسة.. خليها قاعدة شوية"... هكذا أصبحت أنا وزوجي نختلف حول كل شىء بخصوص الأولاد، وللأسف فنحن نمارس هذا الاختلاف أمامهم، وكلما حاولت تنبيهه للمردود السلبي لذلك على الصغار يقول في غير مبالاة " دي حاجات بسيطة" ونعود بعدها لنقطة "الصفر" من جديد.. تستطرد الأم : أصبح الأولاد الآن يمارسون نوعا من السلوكيات غير المرغوبة والمبررة نتيجة لما فعلناه بهم، فهم على سبيل المثال يذهبون للاحتماء بوالدهم عندما أطلب منهم شيئا لا يروق لهم، كتنظيف غرفتهم أو الانتهاء من عمل الواجبات المدرسية أو أي شىء آخر، وهم يعرفون جيدا أن والدهم سيقف في صفهم ضدي.. وهذا الأمر أصبح في غاية الازعاج بالنسبة لي لأني أخاف من عواقب هذا التناقض التربوي بيني وبين والدهم، وأصعب ما في الأمر أن الصغار أصبحوا يستشفون هذا الخلاف بسهولة ويبدأون في استغلاله، فكيف أقنع زوجي بالعدول عن هذا الأسلوب في تربية أبنائنا؟ وهل لهذا الخلاف تأثير سلبي في تكوين شخصيتهم مستقبلا؟ رسائل مستترة في تعليقها على الموضوع تقول أميرة بدران ،الأخصائية النفسية والمستشارة الاجتماعية، أن ازدواجية التربية من أخطر ما يمكن الوقوع فيه في تربية الأولاد، وللأسف البعض يتصور أن ازدواجية التربية تقع من أطراف مختلفة في النهج التربوي ويتعاملون مع نفس الطفل، ولكن التضارب في التربية أيضا قد يمارس من قبل الشخص نفسه تجاه الطفل نفسه. هناك ازدواجية التربية بين الأب والأم، أو ازدواجية التربية في بيت العائلة الكبيرة حيث تكثر أطراف العملية التربوية، وهناك حالات يحدث فيها تدخل زائد حينما يتجه الآباء لغيرهم من الإخوة أو الأجداد، ولكن هناك كذلك تربية مزدوجة تصدر عن نفس المربي لنفس السلوك مثل الأم التي تعاقب طفلها مرة ولا تعاقبه أخرى عندما يقوم بتخريب شىء مهم بالمنزل. فتقوم هذه الأم بمعاقبة الابن مرة عقابا شديدا وفي مرة أخرى لا تفعل أي شىء وكأن لم يحدث شىء على الإطلاق هذا بالرغم من كونها نفس الأم. أيضا هناك ازدواجية تحدث أثرا أكبر وهي "الرسائل المستترة" مثل الأم التي تظل تفهم ابنها الذاهب إلى المدرسة لأول مرة أن المدرسة حلوة ومكان لطيف ويوجد بها كثير من الأشياء الممتعة وأنه سيجد زملاء وأصدقاء يحبونه، وأنشطة كثيرة يحبها...إلخ، وبعد ذلك تقوم الأم باحتضان صغيرها حضنا شديدا ومختلفا وكأنه فراق بين حبيبين! هنا توجد ازدواجية مستترة، حيث كان الصحيح أن تسلم عليه وتحضنه حضنا عاديا وتقول له: "مستنياك تحكيلي عملت ايه". لا تجعله مترددا وتوجه بدران حديثها للأب مؤكدة أن هذا التناقض له أثره الكارثي على الأبناء؛ لأنه يحتك بشكل مباشر بالقيم والمبادىء الخاصة بالابن؛ أولا لأنه سيتكون لديه شعور بالتناقض ولن يستطيع الثبات على مبدأ، بل إنه لن يستطيع تمييز الموقف الذي سيتخذه هل يمثل ثباتا على المبدأ أم أنه تنازلا عنه..؟ ونحن نعيش في حياة صعبة مليئة بالقرارات المصيرية وغير المصيرية، وعدم القدرة على اتخاذ موقف أو الثبات على مبدأ سيشكل صراعات داخلية كثيرة لدى هذا الشخص تسبب له الضيق، وقد يكره نفسه لأنه لا يستطيع الثبات على رأي، لأنه متردد، ولأنه ينحرف من وجهة نظر المجتمع في بعض الأحيان. وتتابع: إذن أثر التضارب في التربية بالتأكيد ينتج عنه: - فقدان الثقة بالنفس - عدم الثبات على مباديء - تردد - عدم تأكد مفهوم ذاته. وكلها مشكلات نفسية من العيار الثقيل والتي لها آثار اجتماعية كثيرة سواء في العلاقات أو التواصل. وتضيف: أيضا تحدث اضطرابات في الشخصية وكلما كبر الإنسان يكبر معه هذا الاضطراب، وهو من أصعب أنواع العلاجات وأقلها شفاء، وأخطرها اضطراب الشخصية السيكوباتية أو الشخصية المستهينة بالمجتمع؛ والتي لا يفرق معها خطأ وصواب، ولا حلال ولا حرام، ولا قانون ولا نظام؛ لأنها لا تمتلك الحدود ولا تعرفها ولا تحترمها فتكون شخصية خطر على المجتمع حتى لو لم يصبح صاحبها بلطجيا أو قاتلا أو سارقا. فمنهم من يرتفع شأنه ويحصل على أفضل المناصب لأنه غالبا يكون شخصا ماهرا وجذابا، لكنه كذوب ومراوغ ولا يردعه رادع لأنه لم يتربى على قيم راسخة وثابتة تضع له إطارا يعيش من خلاله. وقد يحدث التأثير داخل الأسرة فيكره الإبن أحد الأبوين ،غالباً الذي يعاقبه أو الذي يعاقبه عقابا ليس على هواه. وتنبه بدران أن استقرار المنهج التربوي داخل الأسرة وتعميمه على "جميع" أفرادها ،حتى الآباء، هو صمام الأمان لترسيخ المبادىء والقيم الخاصة بالإنسان، والتي تجعله يتفادى الضياع والتردد وكره الذات أو أن يكون خطرا على مجتمعه.