تحليل - عبدالرحيم أبوشامة: ارتفع احتياطى النقد الأجنبى مؤخراً بخطى واثقة ومتسارعة تعزز الاستقرار فى مؤشرات الاقتصاد المصرى وسعر الصرف ليصل إلى 44 ملياراً و29 مليون دولار بنهاية أبريل مقابل 42.6 مليار دولار بنهاية مارس الماضى لترتفع نسبة تغطيته للواردات السلعية للبلاد لأكثر من 8 شهور وفقاً لما أعلنه البنك المركزى فقد بلغت تغطية 38.2 مليار دولار فى نهاية يناير نحو 7.4 شهراً من الواردات، حسب بيانات البنك المركزى الأخيرة، فهل مؤشرات الاحتياطى حتى الآن آمنة أم أنها فى حاجة إلى زيادة أكبر لتأمين احتياجات البلاد؟ وهل يتفق مع ما وضعته استراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030؟ وهناك مؤشرات إيجابية لتحسن أوضاع الاقتصاد المصرى تكشفها بيانات البنك المركزى، حيث أشارت البيانات إلى تحقيق ميزان المدفوعات فائض كلى بلغ 5.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى الجارى، مقابل 7 مليارات دولار خلال الفترة المقابلة من السنة المالية السابقة، وبالتالى فإن الفائض يضاف إلى رصيد الاحتياطى الأجنبى مهما قل أو كثر. وتشير الأرقام إلى زيادة قيمة التحويلات بنحو 29.5% ليصل إلى 13.1 مليار دولار مقابل 10.1 مليار دولار نتيجة لارتفاع تحويلات المصريين بالخارج بنحو 3 مليارات دولار وارتفعت حصيلة الصادرات إلى 12.1 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالى الجارى. كما ارتفع صافى إيرادات السياحة إلى نحو 3.9 مليار دولار مقابل مدفوعات بلغت 157.4 مليون دولار. وقد أشارت البيانات إلى انخفاض العجز فى حساب المعاملات الجارية بنسبة 64% فى النصف الأول من العام المالى 2017-2018 مقارنةً بنفس الفترة من العام المالى السابق نتيجة لاستمرار التعافى فى مصادر الدخل القومى الرئيسة، وخاصةً السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج. وهذه المصادر تعزز الاستقرار لاحتياطى النقد الأجنبى وتؤدى إلى زيادته. وهناك تراجع حاد فى العجز فى حساب المعاملات الجارية خلال الفترة إلى 3.4 مليار دولار مقارنة بعجز قيمته 9.4 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالى السابق. وهو ما يصب فى تحسن الوضع المالى. فقد أشار الدكتور محمد معيط مساعد وزير المالية إلى أن الاقتصاد المصرى يحقق فائضًا لأول مرة فى العام المالى القادم بمعنى أن الإيرادات أعلى من المصروفات، وهو ما سيتم توجيهه لخفض مستوى الديون المحلية المرتفعة، وهو ما أشار إليه صندوق النقد الدولى فى اجتماعاته مؤخراً بأن ما حققته مصر فى برنامج الإصلاح الاقتصادى يعتبر معجزة. وقد أشارت بيانات المركزى إلى الانخفاض الملحوظ فى قيمة العجز فى حساب المعاملات الجارية خلال النصف الأول من العام المالى الحالى نتج بالأساس عن تعافٍ ملحوظ فى مصادر الدخل القومى الرئيسة، فطبقًا للبيانات الأولية الواردة من وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، فإن معدل النمو فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى تسارع إلى 5.2% فى الربع الأول و5.3% تقديرات أولية فى الربع الثانى من العام المالى الحالى ليقدر معدل النمو السنوى فى الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى خلال عام 2017 إلى 5% وهو أعلى معدل له منذ عام 2010. وبالتالى فإن الانخفاض الهائل فى العجز فى حساب المعاملات الجارية بنحو 6 مليارات دولار خلال فترة المقارنة، من نحو 9.4 مليار دولار فى النصف الأول من العام المالى 2017/2016 إلى نحو 2.4 مليار دولار فى النصف الأول من العام المالى 2018/2017، يعود بالأساس إلى التعافى فى ثلاثة مصادر رئيسية للدخل القومى وهي : السياحة وتحويلات المصريين العاملين فى الخارج وصافى الصادرات السلعية، وهو ما يمهد الطريق للإصلاح المالى الأهم وخفض الديون. وحسب المؤشرات فإن احتياطى النقد الأجنبى يسير بخطى أكبر مما تم وضعه فى استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر 2030) فعلى سبيل المثال الرؤية تستهدف أن يغطى الاحتياطى النقدى من 3.2 شهر من الواردات إلى 6 شهور عام 20 ثم 10 شهور عام 30 وهو ما تم تحقيقه حيث يغطى حالياً أكثر من 8 شهور من الواردات، وبالتالى فهو فى وضع أفضل. بينما معدل نمو الاقتصادى الحقيقى وفق الرؤية من 4.2% عند وضعها لتصل إلى 10% عام 2020 لتصل إلى 12% عام 2030، وهو أمر لم يتحقق حسب البرنامج الزمنى بنفس المعدلات إضافة إلى أنها تستهدف أن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بالأسعار الجارية من 3 آلاف و436 جنيهاً إلى 4 آلاف فى 2020 وإلى 10 آلاف عام 2030 وخفض نسبة الفقراء من 26.3% حالياً إلى 23% عام 2020 وإلى 15% عام 2030 وأن يصل نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع من 4.4% حالياً إلى 2.5 عام 2020 لتصل إلى صفر بنهاية الرؤية وأن يتراجع نسبة الدين العام من 92.7% من الناتج الإجمالى ليصل إلى 75% عام 2030 وأن تصل نسبة العجز الكلى إلى الناتج الإجمالى من 11.5% إلى 2.28% بحلول عام 2030 وأن يصل معدل التضخم من 12.8% عند وضع الاستراتيجية إلى 5% بنهايتها. وهناك توقعات بزيادة حجم الاحتياطى بدرجة أكبر نتيجة لطرح المالية سندات جديدة باليورو بالسوق العالمى قيمتها 4 مليارات يورو وكذلك قيام الحكومة مؤخراً بإعداد خريطة واضحة لطرح أسهم المال العام فى عدد من الشركات المملوكة للدولة لطرحها فى البورصة خلال الفترة القادمة وهو ما يعزز موارد المالية. ورغم أن عملية طرح سندات فى السوق الدولى تعد أقصر الطرق لتدبير الموارد المالية الأجنبية للخزانة العامة أو للدولة لتوفير الاحتياجات الأساسية لميزان المدفوعات والمستوردين، وأصحاب المصانع لشراء وسد الفجوة التمويلية، إلا أنها سلاح ذو حدين، فهى أيضاً أسرع الطرق لزيادة الدين الخارجى للبلاد بمعدلات كبيرة. وقد أشار الدكتور أحمد رشاد الأستاذ بمعهد التخطيط القومى إلى أن المستوى المناسب والآمن للاحتياطيات الدولية لدولة ما (وفقاً لأكثر المؤشرات استخداماً) يجب أن يكون فى حدود من 30% إلى 50% من إجمالى قيمة الواردات السنوية، وطبقاً لبيانات البنك المركزى فإن مستوى الاحتياطيات الدولية فى يناير 2017 (26.3 مليار دولار) يغطى 5.6 شهر من الواردات السلعية (قدرت على أساس الواردات السلعية خلال النصف الأول من 2016/2017). وهذا يعنى أنه فى الحدود المناسبة طبقاً للمؤشر الكمى لمعدل تغطية الاحتياطيات الدولية للواردات السلعية مع زيادة الاحتياطى فى الوقت الراهن فإن معدلات التغطية قد ارتفعت. ووضع رشاد مقترحات لزيادة آمنة للاحتياطيات، من أهمها معالجة الاختلالات الهيكلية التى يعانى منها الاقتصاد المصرى بالتركيز على تنمية الجانب الحقيقى للاقتصاد والاستفادة من الطاقات الانتاجية العاطلة وإعادة تشغيل المصانع المتعثرة لضمان تدفقات نقدية حقيقية ومستدامة ناتجة عن نمو الصادرات، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما طالب بالاهتمام ببرامج التسويق السياحى لزيادة الطلب السياحى الدولى الوافد إلى مصر. ودعم آليات جذب تحويلات المصريين العاملين بالخارج. ودعا إلى أن يكون هناك اتساق وتنسيق بين سياسات إدارة الاحتياطيات الدولية وسياسات إدارة الدين الخارجى. وأكد ضرورة الربط بين توليفة العملات الأجنبية التى يحتفظ بها البنك المركزى فى الاحتياطى وبين عملات أهم الشركاء التجاريين وهيكل الدين العام الخارجى، وتوزيع استثمارات الاحتياطى على عدة محافظ بآجال وأهداف تراعى التوازن بين العائد والمخاطر. وضرورة الربط بين حركة الاحتياطيات الدولية لمصر وتحرير المعاملات الرأسمالية فى ميزان المدفوعات، بحيث يكون هناك نوع من الإدارة الرشيدة لحركة رؤوس الأموال بدلاً من فتح الباب بشكل مطلق لها دخولاً وخروجاً (بما لا يؤثر على ثقة المستثمرين الأجانب فى الاقتصاد المصرى). فيما طالب الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى بتوجيه جزء معين من الاحتياطى للاستثمار داخل مصر بدلاً من توجيهه بالكامل للاستثمار فى الخارج والعمل على خفض مكون القروض من الاحتياطى ليساهم بدرجة أكبر فى تحقيق الاستقرار النقدى والمالى للدولة المصرية، وكما طالب السلطات النقدية والمالية باتخاذ آليات ممن شأنها تعزيز قيمة الجنيه لخفضه وزيادته مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى لتتحسن أوضاع ومستويات المعيشة والسيطرة على الأسعار. وفى النهاية فإنه مع سياسة البنك المركزى الحالية لتحرير سعر الصرف وعدم التدخل بضخ كميات من الاحتياطى واستمرار تعاملات البنوك بسعر يفوق القيمة الحقيقية له تساهم بشكل كبير فى زيادة الاحتياطى الأجنبى للبلاد. ومع تحسن الصادرات الوطنية وحجم الإنتاج المحلى فإن هذا يصب فى مصلحته ارتفاع قيمة الجنيه وزيادة الاحتياطيات واستقرار الوضع الاقتصادى بشكل كبير المؤشرات مطمئنة والأمل فى المستقبل القريب.